الوقت – طالما اعتبرنا أن الذكاء الخارق هو حكر على أشخاص معينيين، و أنه هبة لهم و حصرية فيهم، و أن الأشخاص الذي أحدثوا ثورات علمية بسبب اكتشافات و دراسات قاموا بها جعلتهم أشخاصاً مميزين عن أي فرد منا، ماذا اذا عرفنا ان الجميع بإمكانه أن يكون كأي واحد من هؤلاء الذين يعتبرون عباقرة؟ و أن العبقرية موجودة فينا جميعاً؟ و الانجازات و الاختراعات الفريدة يمكن أن تكون من صنع أيدينا نحن أيضاً !
العقول الفردية و العبقرية
فيما يلي نمر سريعاً على المعنى العام للعبقرية حسب وجهات النظر الأكثر شيوعاً إذ أن العبقرية تعني القدرة على الأداء المميز والإتيان بشيء عبقري جديد يقدم اضافة مهمة في اي مجال من مجالات الحياة المعرفية او العملية، كما تعني الإبداع في أعلى حالاته، والذي يقدم إضافة مهمة للتراكم المعرفي الإنساني في كل المجالات، اذ يقول "أديسون" حين سُئل عن العبقرية: "إنها 1% إلهام و 99% عرق جبين".
وهناك رأي مناقض جذريًا له ولغيره من المفكرين، وهو: إن الإرادة والجد والمثابرة قد لا تحقق النجاح بل كثيرون أولئك الذي أرادوا النجاح، لكن لم يحالفهم الحظ. وكثير من الناس من وصل إلى أعلى المناصب وهو لم يبذل أي مجهود لذلك! ولم يفكر أو يحلم بذلك. وإنما حصلت بسبب وراثة اجتماعية أو ضربة حظ والحقيقة أن الحظ هو نتيجة لمقدمة مسبوقة، بالإرادة والعمل، والإنجاز، والاتجاه بالشكل الصحيح. وقديمًا قيل: الحظ محصلة الترتيب والتخطيط.
فيما البعض يعتقد أن العبقرية أمر يولد مع الإنسان، وان لها علاقة بالعوامل الوراثية. لكن هناك من يقف على النقيض ويرى بأن العبقرية ليس لها علاقة بالموهبة، ولا بالعوامل الوراثية، وإنما تحصل كنتيجة لعوامل نفسية وبيئية محيطة، وانها تحصل من خلال ما يبذله العبقري من جهد واجتهاد، فهي تحتاج إلى البيئة المناسبة، وتحتاج إلى صقل ورعاية، وهي تحتاج إلى بذل الجهد والاجتهاد من قبل الفرد الذي يسعى للإنتاج العبقري.
دراسةغربية: تكافل العقول الجماعية يغلب العبقرية الفردية و أنشتاين و أمثاله ليسوا بعباقرة!
أشارت دراسة جديدة مشتركه أنجزتها جامعتا هارفارد الأمريكية و مدرسة لندن لعلوم الاقتصاد الى أن العلماء مثل "انشتاين" و غيره ليسوا "عباقرة أبطالا" بغض النظر عن معدل ذكائهم. فإن كل الناس مهما كان معدل ذكائهم يستطيعون المشاركة و الابداع بأفكار جديدة و تطوير هذه الأفكار، فهذه الأفكار مبتكرة تظهر في مجتمعات التي تعمل بوصفها "عقولا جماعية".
كما أشار البروفيسور "مايكل موثوكريشنا" الذي قاد الدراسة في مدرسة لندن لعلوم الاقتصاد، "يمكننا رؤية هذه العملية عندما يفكر شخصان بالفكرة المبدعة الجديدة نفسها في الوقت عينه".وأشار إلى أن مما يميز "انشتاين" و غيره ليس العبقرية بل العيش في "بيئة ثقافية واحدة"، وقراءة الكتب نفسها، وسفر كل منهم إلى جزر ذات بيئات بيولوجية غنية بالتنوع. و أن العقول الجماعية تساعد كل عقل فردي على أن يصبح أكثر ذكاء. وتساعد هذه النظرية في تفسير النمو الكبير على معدلات الذكاء كلما تقدم الزمن (ليس المقصود عمر الفرد).
وتشير الدراسة إلى أن المجتمعات التي تتمتع بروابط أكثر قوة بين الأفراد، حيث يستطيعون التفاعل مع أشخاص من خلفيات مختلفة، تزيد احتمال تفاعل الأفكار مع أفكار أخرى، وتظهر الابتكارات عبر تلاقح الأفكار وزيادة الفرص والتحسينات المتلاحقة، اذ ان هذه التراكمات عبر الأجيال ونقلها كـ"معارف ثقافية" قد أدت إلى عالم اليوم المتطور الذي نعيش فيه. ومن الأمور المهمة التي ذكرتها الدراسة، أن معدل الابتكارات في مجتمع ما يتأثر إيجابياً بدرجة تسامح المجتمع مع مخالفيه. ويشير"موثوكريشنا" أيضاً إلى أن الشخص اذا أراد أن يكون مبتكراً، فالأفضل له أن يكون اجتماعياً أكثر منه ذكياً، وأن يعرّض نفسه لأفكار جديدة ومختلفة ، وإذا رغبت في أن تكون أكثر إبداعاً، عليك أن تتحدث إلى من يختلفون معك.ونفذت الدراسة تحليلاً إحصائياً يظهر أن العمليات التي تقف وراء الابتكار في شتى الحقول، شكلت الإبداع في اللغات أيضاً.
فهل نحن أمام نظرية جديدة لانتاج بناء مجتمعي عبقري من خلال تلاقح الأفكار و تعاون الأدمغة المتعددة في ظل بيئات مناسبة؟ و هل سيكون نتاجها عبقرياً و مميزاً فعلاً، كإنجازات "نيوتن" و "انشتاين" و غيرهم أم أن الناتج سيكون تطويراً مرحلياً لأفكار مبدعة قدمها لنا عباقرة و مبدعين على مرّ التاريخ؟