والتي ينسب باراك أوباما لنفسه فضيلة تأخير تنفيذها وليس في الأمر مصادفة فقانون العقوبات وصلاحيات الرئيس يحفظان معاً قدرة عالية للمؤسسة الحاكمة الأميركية على إجراء مساومات وممارسة ضغوط يراد بها تطويع الموقف الروسي وانتزاع التنازلات.
أولا: استنتج وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف وجود مخطط لإسقاط روسيا وسبق أن حذرت موسكو مراراً من حجم التدخلات الأميركية والغربية في شؤون روسيا الداخلية بينما عزز الاتحاد الأوروبي من عقوباته ضد الدولة الروسية والعنوان المستمر لهذه الحملة هو أوكرانيا حيث كان الغرب مبادراً لإفتعال الصدام وإطلاق التدخلات الاستفزازية بشكل هجومي. التدابير الاقتصادية والمصرفية المتخذة ضد روسيا اعتبرت مصدراً للعديد من المتاعب التي شرعت تظهر على الاقتصاد الروسي وسعر الروبل وقد ربط العديد من المحللين بين تدحرج أسعار النفط العالمية للمرة الأولى منذ سنوات وبين خطة اميركية سعودية للتأثير على اقتصاديات إيران وروسيا المشمولة بالعقوبات الأميركية والغربية المشددة في ظل التفاوض الجاري بين واشنطن وكل من موسكو وطهران حول العديد من خطوط الاشتباك والصراع في العالم على قوس يمتد من ملف إيران النووي إلى اوكرانيا إلى سورية والعراق واليمن ومصر وشمال أفريقيا وبحيث باتت أسواق العالم مسرحاً لحفلة عض أصابع كونية بين الولايات المتحدة ومعها ملحقها الأوروبي وعملاؤها في العالم الثالث من جهة ومن جهة اخرى تقف القوى الدولية الصاعدة بمن فيها تلك الدول الواقفة خلف الستائر الروسية والإيرانية كالصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وسواها.
ثانيا: التناقضات الأميركية الروسية وجودية كنتيجة للتشابه التكويني في القوى الاقتصادية الرئيسية في البلدين اللذين تمثل فيهما الصناعات العسكرية وقطاع الغاز والنفط العنصر الحاسم والمقرر لشبكة المصالح التجارية العالمية لكل منهما.
هذه الخاصية الروسية والأميركية على السواء تكسب المنافسة على أسواق العالم في مجالي السلاح والنفط والغاز طابعاً تناحرياً يصعب احتواؤه خصوصا في ظل السعي الأميركي الحثيث منذ سقوط جدار برلين لإقامة هيمنة احادية اقتصادية وسياسية وبالتالي عسكرية وامنية بحيث يظهر تقدم اللاعبين الجدد في أي مجال من الأسواق العالمية بمثابة الاستيلاء على حصة من الأعمال وبالتالي الأرباح الأميركية التي نشأت وتضاعفت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام القطبية الأحادية.
وهذا بذاته ما يجعل روسيا المطعونة بكرامتها القومية والمهددة بمصالحها الحيوية حليفاً طبيعياً لدول مثل سورية وإيران تخوض معارك تحرر واستقلال.
ثالثا: إن تعدد القوى الصاعدة في العالم وبروز مجموعة البريكس وإيران وتعاظم القدرات الروسية والصينية بشكل خاص وضع الإمبراطورية الأميركية في حالة من الاستنزاف والتراجع تبدت من خلال حروبها الكونية الفاشلة التي شنتها مباشرة أو بالواسطة في السنوات الأخيرة كما هي الحال في سورية وأوكرانيا .
كما أن الأزمات الاقتصادية والمالية المتلاحقة والاضطرابات الاجتماعية التي تعيشها الولايات المتحدة هي من النتائج الفعلية لحالة التراجع التي تجتازها الإمبراطورية على الصعيد الكوني فالرخاء الذي عاشه المجتمع الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية كان حاصل نهب شرس لثروات العالم وهو حصاد السيطرة الاستعمارية التي تسعى المؤسسة الحاكمة الأميركية لتجديدها بأي ثمن.
لا يمكن الفصل واقعيا بين تزامن الاضطرابات العنصرية والأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة وتفاقم الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية الناتجة عن اختلالات بنيوية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي أبرزها اهتزاز الهيمنة الأحادية واضطراب ما سمي بالنظام العالمي الجديد منذ حوالي ربع قرن أي انتقال مركز الثروة إلى الشرق وصعود القوى الكونية الجديدة.
رابعا: تواجه الدول الحرة المناهضة لتسلط الإمبراطورية وعدوانيتها الفالتة اختباراً حاسماً في التصدي للهيمنة الأميركية بجميع مستوياتها ولكن تتركز المسألة في مجموعة من المحاور التي يمكن بها ترسيخ توازنات جديدة ترغم الإمبراطورية المتغطرسة على الرضوخ للنتائج:
1- مباشرة السير بسرعة نحو تأسيس صيغ متقدمة من التكتل الاقتصادي الذي شرع يتبلور في منظمة شانغهاي واتخاذ خطوات مصرفية وتجارية تحد من تأثير العقوبات الإمبريالية الأميركية التي هي وسيلة هيمنة واستعمار وعدوان على دول مستقلة ترفض الإذعان وتتمسك باستقلالها وهناك في موسكو وبكين وطهران وسواها من عواصم الشرق الحرة كثير من المشاريع والاقتراحات والمبادرات التي سبق أن جرى تداولها والتلويح بها وقد دنت ساعة نقلها من الورق إلى الواقع العملي.
2- قيادة حملة مدروسة لتفكيك منظومات الهيمنة الأميركية من خلال السعي لاستثمار الظروف الخاصة بكل دولة وتقديم عروض الاحتواء الممكنة وتوظيف انحسار النفوذ الأميركي في العديد من المناطق المضطربة وإحكام شروط المجابهة والرد بالمثل على الحكومات المتورطة في الإذعان لأوامر واشنطن اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
3- الدعم الكلي وفي جميع المجالات للدول والقوى التي تتصدر المجابهة ضد الغطرسة الاستعمارية الأميركية في جبهات الصراع الكوني وخصوصاً في سورية واوكرانيا حيث سيتقرر أول ملامح التوازن الذي ستقوم عليه معادلات المساكنة الجديدة بين الإمبراطورية المتراجعة والقوى العالمية الصاعدة الساعية إلى عالم اكثر توازناً وعدالة.
غالب قنديل.توب نیوز