الوقت- في خطوة وصفت بالمفاجئة قام رئيس حزب " القوات اللبنانية" سمير جعجع مؤخراً بزيارة إلى السعودية هي الثانية له الى هذا البلد في غضون أقل من شهرين للتباحث مع المسؤولين السعوديين بشأن عدد من القضايا ابرزها ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية والاوضاع في سوريا.
ويرى محللون ان الزيارة استهدفت تحقيق عدة اهداف بينها انها تندرج في اطار الجهود التي يبذلها جعجع لرفع معنوياته وإضفاء قدر من الفاعلية الدبلوماسية على زعامته التي أصبحت محلية بعد سيطرة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري على ملف دبلوماسية قوى 14 آذار، الأمر الذي جعل من جعجع مجرد عنصر هامشي خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتحركات الخارجية. وفي هذا الخصوص، يرى محللون بأن الرياض أصبحت أكثر وعياً بمدى حساسية جعجع إزاء التبعية لنفوذ الحريري.
فالحريري معروف عنه أنه تاجر أولاً وقبل كل شيء، ويتمتع بقدرة فائقة على اصطياد الاموال خاصة إذا كانت سعودية، أما جعجع، فهو يتميز بقدرة على تنفيذ مهام من نوع نشر القناصة وإدارة عمليات الخطف وإنشاء سجون سرية و زراعة شبكات العملاء، وهي خدمات تحتاج لها الرياض في سوريا وعلى وجه التحديد في المناطق المتوترة.
ورغم التكتم والسرية التي صاحبت زيارة جعجع الى الرياض فإن التسريبات تحدثت عن أنه عقد لقاءات مع كبار المسؤولين السعوديين، وعلى وجه الخصوص المعنيين بالشأن الدبلوماسي والأمني السعودي، إضافة إلى بعض كبار رموز الأسرة المالكة، وتم التفاهم على جدول أعمال جديد ركز بشكل خاص على كيفية مواجهة التداعيات المحتملة إزاء ما يحدث في لبنان وسوريا.
واشارت مصادر الى أن خارطة طريق السياسة السعودية الخارجية إزاء لبنان تهدف من جديد لتحقيق التفاهم حول كيفية التعامل بشأن الانتخابات الرئاسية وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات في الساحة السياسية لهذا البلد.
وتسعى الرياض ايضاً من خلال خارطتها الى تقويض معطيات اتفاق الدوحة، باعتباره أحد الاسباب التي أتاحت لقوى 8 آذار من الصعود في لبنان وإقصاء قوى 14 آذار الحليفة لأمريكا والسعودية، اضافة الى سعيها من أجل إعادة إنتاج اتفاق الطائف ضمن نسخة جديدة معدلة تضع في الاعتبار إغلاق المنافذ التي تتيح لسوريا فرصة التأثير على المسرح السياسي اللبناني.
وعلاوة على ذلك أشار مراقبون إلى أن سيناريو الانقلاب على اتفاق الدوحة سيتضمن إشعال الساحة اللبنانية، والفرصة الوحيدة السانحة لتحقيق ذلك لا يمكن ان تحدث إلاّ في حال انهيار نظام الرئيس السوري بشار الاسد بفعل المؤامرة الجارية حالياً والمدعومة أمريكياً وبريطانياً وسعودياً وتركياً. واكدت مصادر بأن محادثات جعجع مع السعوديين قد ركزت على هذا السيناريو وسبل إعداد الترتيبات اللازمة لذلك.
ووفق المعطيات المتوفرة لم يبرز في كلام المسؤولين السعوديين الكبار الذين التقاهم جعجع أنهم يأملون في تغيير إيجابي على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية فيما كان التفاهم في وجهات النظر على اتمه - على ما يبدو - في الشأن السوري في ظل التطورات الأخيرة والمعقدة التي تشهدها المنطقة لاسيما في العراق.
واما عن لقاء جعجع مع الحريري في جدة فقد افادت معلومات بإنه تناول كل الملفات اللبنانية، بدءاً بموضوع الحكومة مروراً بملف عرسال والعسكريين المخطوفين والانتخابات الرئاسية والتمديد للمجلس النيابي وصولاً الى العمل داخل قوى 14 آذار وسبل اخراج "حزب الله" من سوريا لاضعاف الاخيرة امام ما تتعرض له من هجمة شرسة على يد الجماعات الارهابية والتكفيرية المدعومة سعوديا وتركياً وامريكياً. وحسب هذه المعلومات فإن وجهات نظر الجانبين كانت متطابقة في معظم هذه الملفات.
وتجدر الاشارة الى زيارة جعجع الى السعودية جاءت عشية الحركة التي يقوم بها المبعوث الفرنسي "جان فرنسوا جيرو" المتعلقة بانتخابات الرئاسة اللبنانية وخصوصاً الحراك الجاري على الساحة المسيحية للتفاهم على مرشح أو اثنين لخوض هذه الانتخابات في ظل البحث عن أسماء جديدة غير المعروفة لدى المراقبين.
وشملت الإتصالات الفرنسية لبحث الملف الرئاسي اللبناني الرياض وطهران وبيروت بهدف الوقوف على توجهات هذه العواصم وما لديها من أفكار لحلحلة العراقيل التي تقف أمام هذا الاستحقاق، خصوصا وأن فرنسا وفقاً لطرح جيرو ليس لديها إسم محدّد ترشحه في هذا المجال.
ومع كل ما يظهر على السطح من حراك منذ أسبوعين ببعديه المحلي والإقليمي - الدولي لإنهاء ملف الرئاسة اللبنانية تشير معطيات عديدة إلى ان منسوب التفاؤل ليس كبيراً لإنهاء هذه الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة كونها باتت خاضعة لعوامل خارجية ما زالت تحول دون انتخاب الرئيس.