الوقت- تسعى السعودية لزيادة نفوذها في المنطقة بما يتناسب مع سياسات الغرب، لذلك لا تنفك مملكة الارهاب عن تأمين أدوات الإجرام للمجرمين، ولا يترك آل سعود ساحة مقاومة الا ويتم زج آلاف المقاتلين التكفيريين في ميدانها خدمة للكيان الصهيوني، في الجانب الاخر نرى أن تنظيم داعش الارهابي أعلن على لسان "الخليفة" نية التوسع الى السعودية متوعداً "آل سلول"، فهل هذا "إنقلاب للسحر على الساحر"، أم أن تصاريح البغدادي تدخل في سياق التضليل الاعلامي؟
للسعودية باع طويل في دعم التنظيمات الارهابية، فالقاعدة هي أول منظمة إرهابية أنشأها السعوديون بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية لمحاربة الروس في افغانستان، وقد ارسلوا اول الامر الشباب السعودي لكي ينضم الى هذه المنظمة وزودوها بالمال والسلاح وشجعوا الشباب العربي والمسلم للالتحاق بالقاعدة في افغانستان، وكان رجل الاعمال السعودي اسامة بن لادن هو الذي تبنى دعم وتجهيز هذه المنظمة واقام في افغانستان وباكستان حتى مقتله في مقر اقامته في ايبت اباد الباكستانية في 1 ايار 2011.
دأب الغرب على التقليل من شأن العلاقة بين السعودية والفكر الوهابي، ولكن هذه العلاقة قائمة وليس في الأمر سر أو مؤامرة، فخمسة عشر شخصاً من أصل التسعة عشر الذين اختطفوا الطائرات في 11 أيلول كانوا سعوديين، مع ان تعاطف السعودية مع الحركات الارهابية وردت عليه إشارات في الوثائق الرسمية الأميركية المسرّبة. ففي كانون الأول 2009 كتبت وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلنتون” في برقية نشرها موقع "ويكيليكس” تقول:”تبقى السعودية قاعدة التمويل الأساسية لتنظيمات القاعدة وطالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية.” وتضيف كلينتون في برقيتها أن السعودية لم تتحرك ضد القاعدة إلا بعد أن رأت فيها تهديداً داخلياً وليس بسبب نشاطاتها في الخارج.”
ربما سيترتب على الغرب أن يدفع ثمن تحالفه هذا مع السعودية وباقي الأنظمة الديكتاتورية في الخليج التي طالما احتضنت مايسمى الجهاد المتطرف وفضلته على الديمقراطية. وأصدق مثل نسوقه كشاهد على هذه المعايير المزدوجة التي تتعامل بها القوى الغربية عملية القمع التي دعمها السعوديون بحق التظاهرات الديمقراطية السلمية في البحرين في آذار 2011 والتي استخدمت فيها وحشية مفرطة بحق المتظاهرين ودمّرت أضرحتهم ومساجدهم.
تناولت صحيفة "الأندبندنت أون صنداي" البريطانية، "دور السعودية في مساعدة داعش على الاستحواذ على شمالي العراق" لكن السعودية سارعت إلى تبرئة ساحتها من تُهم دعم وتمويل الإرهاب، أوالدعم البشري والمادي من أفرادها ومؤسستها؛ بالتبرع بمبلغ مئة مليون دولار أمريكي للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، وكذلك ثناء مسئوليها على القرار الأممي. وهو الأمر الذي فسرته الباحثة في برنامج سياسات الخليج الفارسي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، “لوري بلوتكين بوجارت”، بأنه تحول سعودي لمحاربة الإرهاب، ومنعطف في السياسة الأمنية السعودية تجاه الجماعات المتطرفة، والتي كانت ترتكز منذ الثمانينات على الاستفادة منها في خارج الحدود، والوقاية من تمدد انشطة هذه الجماعات داخل أراضيها.
تؤكد بعض المصادر أن السعودية وعدت بان تدعم داعش بما تريده من اموال، وان تدفع المعاشات الشهرية لأكثر من 15 الف مسلح من داعش، تتراوح مرتباتهم بين 1000 و 3000 دولار بحسب الرتبة، شريطة ان ينفذوا كل ما تطلبه السعودية حتى اسقاط النظام السوري، وان تقوم داعش بارهاب الجيش السوري والأسد ومن يؤيده وارعابهم وقتلهم، وتقطيع اوصالهم وسبي نسائهم وقتل اطفالهم لكي لا ينبت احد يؤيد نظام الاسد العلوي، على حد تعبيرهم.
اليوم تقوم السعودية بدعم ما يسمى بـ”دولة العراق والشام” “داعش”، وذلك نتيجة صراعها مع “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة، وبالتالي صراع السعودية مع ايمن الظواهري على النفوذ حول ما يسمى بناء “الدولة الاسلامية”، وبذلك يقتتل الطرفان على الاراضي السورية ويقتلون الشعب السوري، دون ان يصل التقاتل الى الاراضي السعودية. ولو نظرنا الى مفردة تنظيم داعش بالذات وخلو مشروعها من مفهوم الخلافة الاسلامية الشاملة العامة، بالاضافة الى اخراج الخارطة السعودية من دولتها المزعومة، دلالة واضحة تشير الى ان تنسيق عالي المستوى بين قادة داعش والسعودية حتى على ادق التفاصيل التي تضمن عدم تمدد داعش الى الاراضي السعودية في حال نجاح مشروعها السياسي في اقامة دولة داعش في العراق والشام. اذا الامريكان والاوروبيين يعلمون جيداً دور السعودية في دعم الارهاب ليس في سوريا فحسب، بل في العراق وافغانستان وباكستان وكل مكان ينشط فيه ارهابيون يدعون الانتماء الى الاسلام والاولى للامريكيين أن يطلبوا من أصدقائهم السعوديين وقف تمويل داعش في سوريا اذا كانوا يرغبون في وقف القتال وحل الازمة.
في الخلاصة نرى أن موقف السعودية من تنظيم داعش مزدوج وهو كالتالي، الاول: وهو الموقف الاعلامي الموجه بالاساس للعالم الغربي والذي يوحي بقوة ان السعودية منسجمة تماما مع توجهات العالم الغربي والشرقي ضد تنظيم داعش الارهابي ومحاربته، والثاني : الموقف المخابراتي والامني والاستخباراتي البعيد عن الواجهات الاعلامية والذي يدعم وبقوة تنظيم "داعش"ماليا اقتصاديا؛ وعسكريا. لذلك معظم ما يطرحه الاعلام السعودي بشقيه السياسي والديني حول تبرّئه من تنظيم داعش الارهابي ومناهضته لمخططات هذا التنظيم الاجرامية الارهابية لا يعدو اكثر من مناورة اعلامية وسياسية مكشوفة للالتفاف على توجهات العالم الغربي والشرقي ضد هذا التيار من جهة؛ واتقاءا لما يمثله دعم مثل هذه العصابات الاجرامية من ارتدادات خطيرة من قبل دول العالم كافة، أما مشروع البغدادي بالتمدد نحو السعودية لا زال "اعلامياً" حتى يومنا هذا، ومن المؤكد أنه اذا ما ترجم بخطوات عملية على الأرض السعودية سيكون بمثابة القشة التي تقسم ظهر العلاقة بين الطرفين، كما هو حال ال سعود مع القاعدة.
في الختام، للسعودية باع طويل في استخدام أموال النفط لدعم الإرهاب خلال العقود الثلاثة الماضية، الا أنها ترفض تمدد هذه التنظيمات على أراضيها بأي شكل من الأشكال، فداعش ارهابية في الداخل وحليفة في الخارج، لكن على السعودية أن تعلم أن هذه الجماعات المتطرفة جرت العادة أن تنقلب على داعميها، لذلك من مصلحة السعودية قبل دول المنطقة ان تراجع موقفها في دعم الارهاب، فالارهاب واحد في العراق او في سوريا او في السعودية، وما لم تغير موقفها فلن ينجو بلد في المنطقة من وحشية"داعش"، لأنه لا يستوي صيف وشتاء على سطح واحد .