الوقت- تتربع سورية على ضفاف المتوسط متميزة بمناخها المعتدل وجغرافيتها المهمة، وتمتاز هذه الدولة بتنوعها الطائفي والديني الذي قلما نجد له نظيرًا في الدول الأخرى، ولا يغيب المكون المسيحي عن تركيبة المجتمع السوري، إذ تعتبر الديانة المسيحية ثاني أكبر ديانة سماوية بعد الديانة الإسلامية في سورية، وبسبب أهمية الدور الذي يلعبه المسيحيون في المجتمع السوري، لا بد من تسليط الضوء عليهم لنتعرف عليهم بشكلٍ أكبر.
تعد الطائفة المسيحية في سورية ثالث أكبر الطوائف بعد الطائفتين السنية والعلوية، وتقدر نسبة المسيحيين بين 8 إلى 10% من عدد سكان سورية، وتنتشر المسيحية في سورية بطقسيها السرياني (وتسمى أيضًا بالرومية الأرثوذكسية أو المسيحية الشرقية) والبيزنطي (وتدعى الرومانية الكاثوليكية أو المسيحية الغربية)، وتختلف السريانية عن البيزنطية بالمراسم والتقاليد المتبعة، يتنوع مسيحيو سورية طائفيًا فهناك الروم الأرثوذكس ويشكون الأغلبية (80% حسب بعض الإحصائيات)، يليهم الروم الكاثوليك، ويوجد العديد من الجماعات الأخرى مثل الموارنة واللاتين والبروتستانت والكلدان والآشوريين والسريان الكاثوليك والأرمن الذين يتركزون في مدينة حلب شمال سورية.
النشأة:
يعود دخول المسيحية إلى سورية إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وفي البداية كانت الدعوة المسيحية المتركزة في فلسطين تتعارض كليًا مع الذهنية السائدة في سورية التي كانت خاضعة للرومان منذ عام 64 قبل الميلاد، فالمسيحية كانت تدعو إلى التخلّي عن العبادات الرسميّة التي كانت تساندها الدولة وعن عبادة الإمبراطور وتنادي بإله واحد خالق كل شيء، متخذةً من المحبَّة والسلام والتساوي بين البشر أخلاق للتعامل مع الآخرين.
في عام 106م استولى "تراجان" على المملكة النبطية (أحد أقاليم سورية الخاضعة للرومان) وحوّلها إلى ولاية رومانيّة سمّاها "العربية" وقاعدتها بصرى، وبدأت تتسرب الدعوة المسيحية إليها على يد المسيحيّين من أصل يهودي الذين هربوا من فلسطين جرّاء الحرب مع الرومان، وبدأت المسيحيّة تنتشر خفيةً في القرن الأول والثاني للميلاد، ومع مرور الوقت تصاعدت وتيرة الدعوات المسيحية واستطاع الدعاة نشر المسيحية في مناطق عديدة، وأشهر هؤلاء الدعاة القديس بولس الذي أسس جذور المسيحية في صور (والتي كانت تشمل دمشق وحمص في ذلك الوقت)، كما ونشر القديس بطرس المسيحية في اللاذقية.
ومن العوامل التي ساعدت على انتشار المسيحية في سورية وجود الجالية اليهودية في دمشق والتي قدّرها المؤرّخ اليهودي "فلافيوس يوسف" بخمسين ألفاً، إذ استطاع الدعاة إلى المسيحية التأثير عليهم وجذبهم، وكل هذه المقومات شكلت قاعدة انطلق منها الدين المسيحي في سورية ونمى إلى أن أصبح المسيحيون يشكلون غالبية السكان في سورية، ولكن في القرن الحادي عشر تضاءل عددهم نتيجة اعتناقهم الإسلام، ولكن رغم هذا بقيت نسبتهم كبيرة مقارنة بالوقت الراهن إذ كانت قرابة 25% قبل الاحتلال العثماني الذي تسبب بهجرة العديد من السوريين، وكان المسيحيون يشكلون النسبة الأكبر من هؤلاء المهاجرين، الأمر الذي تسبب بانخفاض نسبتهم بشكلٍ كبير، كما أن القرن العشرين شهد حركة هجرة مسيحية بسبب الأوضاع السياسية المضطربة التي عاشتها سورية في تلك الفترة.
الانتشار:
ينتشر المسيحيون على كافة البقعة السورية، إذ تكاد لا تخلو مدينة سورية منهم، ولكن في المجمل يتركز المسيحيون في الجزيرة السورية (وهي تشمل المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سورية أي محافظات الحسكة ودير الزور والرقة) ووادي النصارى (وهو منطقة تقع في ريف حمص الغربي وتتبع إداريًا لمحافظة حمص) إضافة إلى المدن الكبرى مثل حلب وحمص واللاذقية ودمشق وحماة وطرطوس، وتختلف كثافتهم تبعًا للمناطق، إذ تبلغ كثافتهم في حلب 10% والتي تعتبر ثالث أكبر مدينة في الشرق الأوسط بعد القاهرة وبيروت من حيث عدد المسيحيين، في حين تنخفض نسبة المسيحيين في دمشق لتبلغ 5%.
وبشكل أكثر تفصيلا يتركز وجود المسيحيين في سورية في جبال القلمون غرب محافظة ريف دمشق ومن البلدات المسيحية هناك: معلولا وصيدنايا، أما في مدينة دمشق فيتركز المسيحيون في حي القصاع وباب توما وباب شرقي والميدان والطبالة وفي الضواحي كدمر وحرستا وبرزة، أما في الريف الدمشقي فيشكلون أقليات في جرمانا وكشكول ودويلعة وغيرها من المناطق، أما في حمص فيتركز المسيحيون في الأحياء القديمة كباب السباع وباب دريب والحميدية، إضافة إلى بعض الأحياء الجيدة كالأرمن والنزهة والوعر والإنشاءات، ولا تخلو ضواحي حمص من التواجد المسيحي، كفيروزة وزيدل وربلة، أما عن محافظة طرطوس فهي تضم بلدات وقرى معظم قاطنيها من المسيحيين كصافيتا ومشى الحلو.
أما حلب فهي تعتبر المدينة الوحيدة في العالم التي يوجد فيها 11 طائفة مسيحية، لكل منها مطرانها ومحاكمها الخاصة الروحية المتعلقة بالأحوال الشخصية، وكذلك لكل من هذه الطوائف أوقافًا خاصة بها، ويتوزع فيها المسيحيون على الشكل التالي:
الطائفة الإنجيلية العربية وتتواجد في: محلة التلل.
- طائفة الروم الأرثوذكس وتتواجد في المناطق التالية: محلة الصليبة، ساحة فرحات، ولهذه الطائفة أيضًا كنيسة في الفيلات.
- طائفة الروم الكاثوليك وتتواجد في: ساحة فرحات، ولها كنيسة في حي العروبة.
- طائفة الأرمن الأرثوذكس وتتواجد في: حي الصليبة.
- طائفة الأرمن الكاثوليك وتتواجد في: حي التلل.
- طائفة السريان الكاثوليك وتتواجد في: ساحة العطاء (الأم تريزا)، شارع فارس الخوري.
- طائفة السريان الأرثوذكس وتتواجد في: محلة السليمانية.
- الطائفة المارونية وتتواجد في: العزيزية.
- الطائفة الكلدانية: كان لهذه الطائفة كنيسة في محلة العزيزية، إلا أنها نقلتها إلى محلة الفيلات.
- الطائفة الإنجيلية العربية وتتواجد في: محلة التلل.
وهناك العديد من الطوائف المسيحية الأخرى في هذه المدينة مثل: طائفة اللاتين، الطائفة الإنجيلية الأرمينية، الرهبان اليسوعيون، الرهبانية الحلبية المارونية، الرهبانية الأنطونية المارونية، الرهبانية الأرمنية البزمارية، الرهبانية الباسيلية الحلبية.
تستخدم الكنائس اللغة العربية كلغة لإجراء الطقوس إلى جانب اللغة الآرامية السورية القديمية (السريانية)، ويتكلم المسيحيون اللغة العربية في غالبية المناطق، ويستثنى من ذلك الأرمن الذين لازالوا يستخدمون اللغة الأرمنية، بالإضافة إلى بعض المناطق في معلولا إذ تستخدم اللغة الآرامية الغربية (لغة المسيح)، وبعض القرى في الجزيرة السورية حيث تستخدم السريانية.
أهمية سورية بالنسبة للمسيحيين:
تحوي سورية على آثار ومناطق مسيحية هامة تشير إلى قدم الوجود المسيحي في هذا البلد سورية، وعلى رأس هذه الآثار كنيسة أم الزنار (وتسمى كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار) والتي شُيّدت عام 59 م، وهناك كنيسة الأربعين شهيدًا والتي بُنيت في العصور القديمة، أضف إلى ذلك دير وكنيسة مار إليان الحمصي والتي تعود إلى عام 432م، وكنيسة مار يوحنى المعمدان المرتبطة بالقرن 16.
دور سورية وأهميته بالنسبة للدين المسيحي لا تقتصر على التاريخ، ففي الوقت الراهن تعتبر دمشق مقرًا لثلاث كنائس في غاية الأهمية بالنسبة للمسيحيين، وهي بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وسائر المشرق للسريان الأرثوذوكس، وبطريركية أنطاكية والقدس والإسكندرية للروم الملكيين الكاثوليك.
الوضع الإجتماعي:
يندمج المسيحيون في المجتمع السوري كسائر الطوائف والأديان الأخرى، ويمارسون كافة طقوسهم الدينية بحرية ودون أي مضايقات، وانخرطوا ضمن المجتمع السوري ذو الغالبية المسلمة، وساعدتهم الحياة في المدن على الإزدهار، إذ أتاحت لهم فرصة اقتصادية وتعليمية مميزة، وبرز هذا واضحًا في ازدياد نسبة المتعلمين والجامعيين الآكادميين، ما ساهم في ارتفاع مستواهم المعيشي وخاصةً في مدينة حلب بسبب غناها التجاري والصناعي، وبات يندرج غالبية المسيحيين ضمن الفئة المتوسطة والجيدة من الناحية المعيشية.
المسيحيون ودورهم في المجتمع السوري:
لعب المسيحيون دورًا هامًا في المجتمع السوري منذ القدم، وكان لهم ثقل كبير في مختلف المراحل التي مرت بها البلاد، وفي القرن الماضي برزت شخصيات مسيحية عديدة منها:
فارس الخوري: وهو من مواليد 1877م- دمشق، توفي عام 1962م، وهو سياسي ومفكر سوري برز في ذلك العصر، وأسس مع رفاقه في دمشق معهد الحقوق العربي، كما ساهم بتأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق، وتولى الخوري وزارة المالية في عهد المملكة السورية العربية (وهي أول دولة مستقلة بعد انتهاء الاحتلال العثماني لسورية والتي ترأسها فيصل بن الحسين)، وأسس فارس الخوري بالتعاون مع شخصيات أخرى حزب الشعب ردًا على استبداد السلطات الفرنسية، وشغل الخوري منصب رئيس المجلس النيابي مرتين، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء في عام 1944م، وتولى وزاراة الأوقاف، ومعروف عنه مديحه للفكر الإسلامي.
ميشيل عفلق: وهو من مواليد دمشق 1910م، توفي عام 1989، وهو مفكر شهير كان له الدور الأكبر في تأسيس حزب البعث الذي أصبح فيما بعد حزب البعث العربي الاشتراكي، تسلم عفلق منصب وزير التعليم في حكومة أديب الشيشكلي، وكان ميشيل عفلق من كبار الدعاة إلى الوحدة بين سورية ومصر والعاميلين على تحقيقها.
قسطنيطين زريق: بين عامي (1909-2000م) وهو مؤرخ وسياسي سوري ومن أكبر دعاة القومية العربية، وأطلق عليه عدة ألقاب مثل: شيخ المؤرخين العرب، المربي النموذجي، مرشد الوحدويين وغير ذلك من الألقاب.
الشخصيات المسيحية البارزة كثيرة، ولا يمكن إحصاؤها وجمعها، فالمسيحيون في سورية يحملون فكرًا وطنيًا قوميًا، وفيهم مناضلين كثر، والشهيد جول جمال يعتبر من أبرز الشخصيات المعروفة في سورية والذي قضى في عملية استشهادية نفذها ضد المدمرة الفرنسية (جان بار) والتي كانت تتجه نحو مصر في أيام العدوان الثلاثي عام 1956م، وكان وقتها جول جمال يدرس في مصر ضمن بعثة عسكرية أرسلتها سورية إلى هناك، ولا يمكن أن تجد سوريًا لا يعرف هذا البطل القومي والوطني، ولكن قلما تجد شخصًا يدرك أن هذا الشهيد هو مسيحي من أسرة أرثوذكسية، وهذه ظاهرة شائعة في المجتمع السوري الذي يتميز بوحدته الوطنية وبفكره القومي.
المسيحيون في ظل الأزمة السورية:
لا يمكن فصل المسيحيين عن ما تمر به البلاد، فانعكاسات الأزمة التي شهدتها سورية عام 2011 طالت جميع الطوائف والأديان، والمسيحيون كغيرهم من الأديان والطوائف تعرضوا للقتل ولاستباحة الدماء من قبل الجماعات التكفيرية التي لا تذر أخضرًا ولا يابسًا، وشهدت الأزمة السورية طوال أعوامها الخمس حالات اعتداء كثيرة على الكنائس من قبل التنظيمات الإرهابية التي دمرت عددًا كبيرًا من دور العبادة المسيحية ككنيسة دير مار اليان في حمص وسط سورية، وكنيسة مريم العذراء الآشورية في قرية تل نصري بريف الحسكة، وأحرقت هذه التنظيمات كنيسة تل هرمز التاريخية والتي تعد من أقدم الكنائس في سورية، كما دمرت كنيسة قبر شامية، وكنيسة تل جزيرة، وكنيسة مار توما، والعديد من الكنائس الأخرى، كما وقامت الجماعات التكفيرية بقتل رجال دين مسيحيين كثر أبرزهم المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، ومن الأمثلة الأخرى على جرائم الجماعات التكفيرية بحق المسيحيين ما روته الراهبة إيناس مريم، والتي شهدت ذبح وقتل 9 أشخاص من الطائفة المسيحية فقط لأن الاسم في هويتهم دل على دينهم، وكشفت الراهبة والتي هي من دير مار يعقوب الأثري أن كل مدرسة تفتح أبوابها تحرق وكل عامل يذهب لعمله يقتل وأنه قد تم تهجير آلاف المسيحيين من مدينة حمص وريفها.
المسيحيون وكغيرهم من أطياف المجتمع السوري التحق الكثير منهم بالجيش السوري ولجان الدفاع الوطني، وذلك للمشاركة في حماية المدن ومواجهة الإرهاب، ونظم المسيحيون العديد من اللجان، مثل "أسود الوادي" في وادي النصارى (الواقع غرب شمال ريف حمص)، ويقول أبو ويليام وهو أحد القادة المسيحيين وهو أحد قادة الدفاع الوطني بوادي النصارى أن "التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السورية من سيطرة للمجموعات المتطرفة في أكثر من منطقة، وبالأخص المناطق القريبة من أماكن المسيحيين، وإحساسهم بالخطر على وجودهم هي التي تدفع الشباب المسيحي إلى المشاركة في العمل العسكري للدفاع عن النفس"، وكذلك فإن فصيل "المقاومة المسيحية السورية" قاتل إلى جانب الجيش السوري في صيدنايا تحت راية "المسيحية المشرقية".
ولم يرَ مسيحيو سورية أن الدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم مهمة الرجال وحدهم، إذ تساهم النساء المسيحيات في مواجهة التنظيمات التكفيرية، إذ شكّل النساء المسيحيات في الجزيرة السورية "قوات حماية نساء بيث نهرين" وهي عبارة سريانية تعني "قوات النساء لحماية أراضي مابين النهرين"، وهناك العديد من الفصائل الأخرى التي قدم فيها الشبان والشابات المسيحيون دماءهم وأرواحم دفاعًا عن وطنهم سورية رافضين الانصياع للإرهاب أو ترك أوطانهم واللجوء إلى دولٍ أخرى.
يمكن القول أن غالبية المسيحيين في سورية يؤيدون الرئيس بشار الأسد، وخاصةً أن الجماعات التكفيرية الإرهابية تشكل خطرًا كبيرًا على وجودهم وتهديدًا لمستقبلهم، وبرز هذا واضحًا في تصريحات علماء الدين المسيحيين وأبرزهم البطريرك الراحل أغناطيوس الرابع هزيم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بين عامي 1979 و2012، ويرى أغناطيوس أن "المسيحيين يفضلون حكم الأسد على المستقبل المجهول" وأن "الرئيس الأسد سوف يفي بوعوده وأنه أفضل رجل لتحقيق الإصلاحات"، كما أن البطريرك يوحنا العاشر يازجي والذي خلف أغناطيوس أكد على أن سورية مثال للوحدة الوطنية وأن الشعب السوري بكلِّ أطيافه متمسك بوحدة الأراضي السورية؛ ويجب العمل كي تنعم سورية بالسلام والأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق يؤكد البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم على أن "منطقة الشرق هي منطقة عزيزة علينا وفيها تجذرنا وترعرعنا وسنبقى فيها إلى نهاية الأزمنة"، مؤكدًا على أنه ما من أحد في الدنيا يحق له تدمير البيوت والمنازل وخطف الأبرياء وإهانة كرامات الناس، كما أن البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك أنطاكية وسائرالمشرق للروم الملكيين الكاثوليك، يؤكد أن مشكلة سورية الرئيسية الآن تكمن في وجود أكثر من ألفي مجموعة إرهابية لا تعرف هوياتها وارتباطاتها وأهدافها، وتقوم هذه الجماعات بنشر الفوضى والخراب وتشكل مصدر التطرف الذي تواجهه سورية، ويشدد لحام على أن المجموعات المتطرفة في سورية لن تناضل بالتأكيد من أجل الديمقراطية، كما أن المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس ندد بدعوات الغرب بدعوات الغرب لتسليح المجموعات الإرهابية وتمويلها، معتبرًا أن على القادة الغربيين أن يواجهوا آفة التطرف والعنف لا أن يغذوها بالمال والسلاح، ورفض المطران حنا وصف المسيحيين بأقليات تحتاج إلى الحماية في أوطانهم، مشددًا على أن المسيحيين جزء أساسي من مكونات نسيج هذه المنطقة ولا خيار أمامهم سوى التشبث بانتمائهم العربي والدفاع عن أوطانهم والعيش في هذا الشرق جنبًا إلى جنب مع إخوتهم المسلمين.
وفي سياق التلاحم بين المسيحيين والحكومة السورية زار الرئيس الأسد مدينة معلولا، والتي تشتهر بوجود معالم مسيحية مقدسة فيها بالإضافة إلى معالم قديمة مهمة يعود تاريخها للقرن العاشر قبل الميلاد، وتجول الرئيس الأسد في المدينة المحررة من الجماعات الإرهابية ومر على دير مار سركيس وباخوس، مشيرًا إلى أن"معلولا ستبقى مع غيرها من المعالم الإنسانية والحضارية السورية صامدة في وجه همجية وظلامية كل من يستهدف الوطن".
ومع أن غالبية التيار المسيحي تؤيد الرئيس الأسد وترى أن القضاء على الجماعات التكفيرية هو الأولوية في الوقت الراهن، إلا أن هناك بعض الشخصيات والتيارات تلتزم بموقف معارض لموقف الأكثرية المسيحية، ومن أبرز هذه الشخصيات جورج صبرا الذي شغل منصب رئيس المجلس الوطني السوري والرئيس المؤقت للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وعن الإيديولوجية التي يحملها فهو يرى "أن أي سوري لا يمكنه أن يقدم على المصالحة مع نظام بشار الأسد، وأن الحلول التي تشبه المصالحات لا يمكنها أن تلئم الجرح السوري، وإنما تفتح جروحًا جديدة في جسد سورية والمنطقة"، وأما عن التنظيمات الإرهابية فيقول صبرا: "التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش تمثل مشكلة ليس فقط للمجتمع الدولي والدول الأخرى، بل أيضًا بالنسبة لنا نحن كسوريين، ولم يكن داعش خيارنا، فالسوريون قاموا بالثورة سلمية لأكثر من ستة أشهر، ثم حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم بينما كان العالم يقف صامتًا أمام هجمات وقتل قوات النظام وشبيحته لهم، وعندما وجد النظام نفسه على وشك الانهيار، استقدم داعش، وهو تنظيم معروف جيدًا بأنه من صناعة أجهزة الاستخبارات السورية والإيرانية والدولية"، حسب تعبير صبرا، والجدير بالذكر أنه رغم انتماء صبرا للدين المسيحي إلا أن الكثير من المسيحيين يعتبرونه شيوعيًا بسبب انتمائه للحزب الشيوعي السوري.
ومن الشخصيات المسيحية الأخرى المعارضة ميشيل كيلو، وهو عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض، وكذلك فإنه عضو سابق في الحزب الشيوعي السوري، ويؤكد كيلو أنهم (أي المعارضة) "مستعدون للتفاوض مع من يريد التفاوض معنا على نقل السلطة من أهل النظام السوري، أما أن نفاوض النظام الحالي الذي يقتل الناس لأنهم طالبوه بالإصلاح، أي ما هو أقل بكثير من نقل السلطة، فلا يمكن أن نضيع وقتنا معه"، وينتقد كيلو الدور الذي تلعبه قطر ودول أخرى معتبرًا أن "هذه الدول مهتمة بأن تبقى الأزمة السورية مستعرة ولا تريد أن تكون سورية ديمقراطية".
هذا وقد شكل بعض المسيحيين السريان في الجزيرة السورية مجلسًا معارضًا تحت اسم المجلس "العسكري السرياني السوري" والذي يترأسه بسام اسحق، عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري المعارض، ويُكذّب اسحق الاتهامات الموجهة للحكومة السورية بإنشائها تنظيم داعش الإرهابي، ويقول في هذا الموضوع: "مع ازدياد المجابهات بين الدولة الإسلامية وقوات النظام، وسيطرة داعش مؤخراً على الموصل ومناطق أخرى من العراق، بات واضحاً أن داعش عبارة عن واجهة لمخطط خارجي دولي يسعى لإقامة سد أو حائط سنّي في الهلال الشيعي، وهذا يتعارض مع مصلحة النظام السوري والعراقي"، واعتبر اسحق أن إعلان فرنسا استعدادها استقبال مسيحيي المنطقة هي "مبادرة لتفريغ المنطقة من المسيحيين"، وقال "إنها جزء من المؤامرة لتقسيم المنطقة وخلق منطقة نفوذ سنّية متطرفة"، وعلى ما يبدو فإن دور هذا المجلس يتركز على حماية المناطق المسيحية من التنظيمات الإرهابية شرق سورية، وليس له دور سياسي كبير، وكذلك "مجلس حرس الخابور"، الذي يعمل بالتنسيق مع المجلس العسكري السرياني لمواجهة الجماعات التكفيرية في تل تدمر ويؤكد على استقلاليته وعدم تبعيته لأي جهة كانت.
رغم وجود هذه الأصوات المعارضة للدولة السورية بين المسيحيين، إلا أن التأييد الجماهيري المسيحي للرئيس الأسد يفوق كل هذه الأصوات التي يرى الكثير من علماء الدين المسيحيين أنها منفصلة عن الواقع الذي يعيشه مسيحيو سورية.
في النهاية يمكن القول أن المسيحيين هم سوريون قبل أن يكونوا مسيحيين، وهم إحدى قطع فسيفساء الشعب الشعب السوري التي لا تنفك عنه، أفراحه أفراحهم وآلامه آلامهم، ورغم عددهم القليل نسبيًا، إلا أنهم يُكوّنون جزءًا هامًا لا يتجزأ عن المجتمع السوري وعن كيان الدولة السورية، وهم جزء من تاريخ سورية ومستقبلها، وعلمٌ من حاضرها وبريقٌ من ماضيها، وإذا بحثت عن القدم مدموجًا بالحداثة فإنك ستجد المسيحيين في سورية خير مثالا على ذلك.