الوقت- المسعى التركى للدخول إلى الإتحاد الاوروبي لطالما وقف بوجهه معوقات، فالتخوف الاوروبي من التركيبة الدينية والثقافية لتركيا والذي لا يتوافق مع الطابع المسيحي لدول الإتحاد، ومع الأخذ بعين الإعتبار عدد سكان تركيا البالغ أكثر من 80 مليون نسمة، فإنه من شأنه أن يعطي لتركيا عدد أكبر من الممثلين داخل الإتحاد من جهة وقد يحوّل قضايا تركية إلى أوروبية من جهة أخرى. كما للجانب الإقتصادي العامل الأهم كون العمالة التركية رخيصة نسبة لغيرها فهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدني الأجور في دول الإتحاد الأوروبي وبالتالي زيادة معدل البطالة، كما وانتشار السلع الرخيصة التي تولدها تركيا.
الخلاف حول المسألة القبرصية التي تضم بقسميها الأتراك واليوناينيين والميل الأوروبي نحو ضم القسم اليوناني منها إلى الإتحاد الاوروبي هو ما يشكل محط تضارب في وجهات النظر، إلى ما وضع مؤخراً من قانون جديد للدخول إلى الإتحاد الاوروبي والذي يقضي بموافقة الأغلبية من أعضاء الإتحاد بخصوص دخول أي عضو جديد إليه. الواقع السوري الجديد والسياسة التركية المنتهجة حيال هذا الواقع والذي رشح عنه أزمة اللاجئين من جهة واثارة الملف الكردي واسلوب تعاطي اردوغان معه من جهة أخرى طرح مجموعة من الأسئلة التي تصب في خانة واحدة، هل تقترب تركيا من حصولها على عضوية في الإتحاد الأوروبي أم تبتعد عنها؟
اللاجئيين، نقطة خلاف أم تقارب؟
مع بداية الأزمة السورية التي خلفتها جماعات الغرب الاستعماري، ذهب "أردوغان" في سياسته الى دعم الجماعات والوقوف بوجه الشعب السوري وحكومته، السياسة الأردوغانية حيال الملف السوري خاصة وأن ما سبقها كان علاقات وثيقة جداً انطلقت من الحاجة لضرب مشروع الأكراد من جهة تحت عنوان اقامة منطقة عازلة، والإستفادة من هذه الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية في جانب أخر، ولضرب خصومها من جهة أخرى.
فيما يخص الإتحاد الأوروبي وبعد أن تعثّرت المفاوضات بين تركيا والإتحاد، وجد "أردوغان" من ملف الاجئين فرصة وبوابة للعودة والدخول في مباحثات مع الإتحاد والتي على ما يبدو وفق التصريحات وبالخصوص من جانب وزيرة الخارجية الالمانية لم تثمر حصادا، حيث اعتبرت أن تركيا لا زالت على فاصل بعيد من دخولها الإتحاد الاوروبي. فالإتحاد الأوروبي ينظر الى ملف اللاجئين على حدة، وانضمام تركيا الى الإتحاد موضوع آخر، فيما يخلط "أردوغان" في سياسته الأوراق كلها.
الإتحاد الأوروبي يرى أن تركيا والقريبة منه جغرافيا من جهة، وتربطها حدود مع كل من العراق وسوريا من جهة أخرى، مع الأخذ بعين الإعتبار عدد المهاجرين من البلدين عبر اراضيها باتجاه أوروبا والذي تجاوز الالاف حتى الان، بالإضافة إلى أن هنالك أكثر من مليوني لاجئ لا زالوا على اراضيها في قبال القسم القريب من اليونان، ومع وجود عدم الرضى الداخلي والسياسي الأوروبي من استقبال اللاجئين، باعتبار أن هذه الأزمة باتت تهدد قانون حرية التنقّل في ما بين هذه الدول، كما أوجد قلق أمني أوروبي من تغلغل ارهابيين بين الاجئين، وأحداث فرنسا الأخيرة والتهديدات المستمرة التي تتلقاها دول أوروبية من جماعات اجرامية قد يمكن وضعه في سياق هذا القلق، لأن تحليلات ذهبت إلى وضع احداث فرنسا الأخيرة مثلاً في سياق الضغوطات الأمريكية عليها للتماشي وسياساتها. لكن يبقى على كل حال تغلغل الإرهابيين سبباً وراء الأحداث الأخيرة. كما ودخول هذا العدد من اللاجئين الى أوروبا لا شك سيترك تأثيره على الواقع الإقتصادي إن كان في جانب التكاليف التي تترتب على تنظيم وترتيب أمورهم أو دخولهم فيما بعد إلى ساحات العمل بأجور رخيصة. وعليه وجد الإتحاد ضرورة للتفاوض مع تركيا حيال هذا الموضوع، فيما لا يرى الإتحاد في هذه المفاوضات رضى وقبول بتركيا، بل على العكس تماماً هو يرى في ملف اللاجئين الذي كان لتركيا دور كبير في ايجاده فاصل بينها وبين الإتحاد، ومعوق يضاف الى سلسلة المعوقات سابقة الذكر.
قضى الإتفاق بين تركيا وأوروبا على أن يمنح الإتحاد هبة مالية تقدر قيمتها بثلاث مليارات يورو إلى تركيا على أن تقوم الأخيرة بمنع الاجئيين من الإستمرار في دخول الأراضي الأوروبية. "أردوغان" على كل حال وبعد سلسلة من الإتهامات إليه حيال السياسات الخاطئة اتجاه سوريا ومؤخراً روسيا، يرى في الإتفاق الأخير حاجة ضرورية ولو اعتبارية على أنها انتصاراً يسبق الإنتخابات القادمة.
السياسة حيال الملف الكردي معوق اضافي
وان كان الإتحاد الأوروبي يظهر في حديثه القلق حيال سياسة "أردوغان" في تعاطيه مع الملف الكردي على أنه تجاوز لحقوق الإنسان والحريات، واضطهاد للأقليات والقوميات، إلا أن حقيقة الأمر تشير أن التخوف الأوروبي حيال هذه القضية يأتي لعدم رغبة أوروبية بإنضمام بلد إلى الإتحاد فيه ملف مضطرب كملف الأكراد، فالمسألة ليست كردية حصراً وانما ما يترتب عليها من اضطرابات أمنية من جهة وتدخلات خارجية في هذا الملف من جهة أخرى، فأمريكا لطالما اتخذت من الملف الكردي منطلق لضرب المصالح الروسية واليوم تعمل روسية على التقرب من الأتراك أيضاً. هذا الواقع يجعل نظرة الإتحاد الاوروبي إلى الملف الكردي على أنه معوق أضافي في أنضمام تركيا إليه.