الوقت- مفاوضات نووية شاقة جرت و تجري بين ايران و الغرب ممثلا بمجموعة الدول الكبرى في سبيل الوصول الى اتفاق حول البرنامج النووي الايراني الذي أقلق العالم كله رغم التطمينات الايرانية المتكررة بعدم الرغبة في امتلاك سلاح نووي اذ انه محرم شرعا حسب ما أعلن المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي دام ظله.
ما الذي يدفع الغرب بمواصلة التفاوض مع ايران حول برنامجها النووي؟ و ما هي المكاسب التي سيحصل عليها الغرب من اتفاف يوصل لرفع الحصار الاقتصادي على ايران؟
بعد ما اعلنت ايران عزمها مواصلة البرنامج النووي حتى علت الأصوات من أمريكا و أوروبا و اسرائيل و بعض الدول العربية التي أعربت عن قلقها من هذا المشروع الذي سيسمح بامتلاك السلاح النووي للعدو الأول و الأخطر على أمريكا و اسرائيل.
واخذت امريكا والعدو الصهيوني يلوحان بالعمل العسكري لوقف المشروع الا أن هذا التهديد سرعان ما فقد رونقه بعد رد ايران بحزم على هذه التهديدات بتهديدات مقابلة جعلت الحل العسكري مستبعدا و غير عقلائي.
كانت العقوبات و الحظر الاقتصادي هي الطريقة الأخرى لاخضاع ايران و ارغامها على وقف المشروع النووي الا أن صمود الاقتصاد الايراني المقاوم و الخطط التي وضعتها الدولة للمحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي أبطلت مفاعيل العقوبات و حولتها الى فرص لتقوية الاقتصاد خصوصا القطاع الصناعي الذي بات يعتمد على الخبرات الايرانية و اليد العاملة الداخلية في الصناعات المختلفة.
صمود الشعب الايراني جعل أمريكا و الدول الأوروبية تستبعد الحل العسكري عمليا, حتى الكيان الاسرائيلي لم يعد متحمسا له رغم تصريحات متفرقة لبعض مسؤوليه بين الحين و الاخر يهددون فيها ايران بضربات جوية الا أن هذا الكلام يبقى كلاما مع عدم امتلاك منظومة دفاع صاروخية مناسبة بعد فشل منظومة القبة الحديدية و صواريخ حيتس2.
اذن فالمشروع النووي ماض بقوة و بسرعة أكبر اذا فشلت الأطراف المتحاورة بالوصول الى اتفاق نهائي حيث أعلنت ايران نيتها عن رفع مستوى التخصيب الى 20%, كما أعلنت قبل أقل من شهر نيتها عن بناء 8 محطات نووية جديدة بتعاون روسي.
تظهر حاجة أوباما العاجلة لإنهاء هذا الملف بنجاح، خصوصًا مع فشل إدارته الواضح في إدارة الوضع الدولي وما يحدث من انفراط عقد منطقة الشرق الأوسط وخطر تنظيم الدولة المتصاعد، وبالنظر إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الولايات المتحدة وتفوق الجمهوريين بها؛ يصبح من الواضح تمامًا ما ستواجهه إدارة أوباما الديموقراطية من تقريع إذا فشلت في هذا الاتفاق، خصوصًا مع معرفة الإيرانيين والأمريكيين على حد سواء أن ضغط العقوبات الاقتصادية سيصل لحالة من التعادل جراء تطبيق الحكومة الايرانية الاقتصاد المقاوم وتدخل قوى مثل روسيا والصين والهند اقتصاديًا مع إيران في محاولة لكسر الهيمنة الأمريكية.
وبعد دخول أوروبا في التجارة مع إيران، فقدت القارة العجوز بسبب العقوبات، ما يقدر بـ350 مليار دولار من الصادرات الإيرانية.
فشل امريكا في عدوانها على سورية في حربها الاولى تحت عنوان حرب الاسقاط ، و فشلها السريع في الصيغة الثانية من الحرب التي لجأت اليها بعد تيقنها من فشلها الاول. انقلبت الى حرب الاستنزاف و هولت بها و بطول مدتها لترهب سورية و حلفائها في المنطقة و تحملهم على التسليم بما تريد، لكن سورية و معها محور المقاومة بكل مكوناته، استوعبت الامر و واجهت حرب الاستنزاف باستراتيجية مضادة قادرة على اجهاضها، استراتيجية لم تمض اشهر اربعة على العمل بها حتى تحققت نتائج هامة فهمتها اميركا وادرك الغرب بان حرب الاستنزاف في طريقها الى الفشل باسرع. لذا وجدت امريكا نفسها امام احد الخيارين: اما اعلان العجز و الدخول في مرحلة تآكل العقوبات خاصة مع المتغيرات الدولية التي حرمتها من الاستئثار و التحكم بقرارات مجلس الامن بعد الصعود الروسي على المسرح الدولي مدعوما بالصين و دول البريكس، معطوفا على متغيرات اقليمية انبثقت من فشلها في تحقيق اهداف حربها ضد محور المقاومة، او القبول بالحل السلمي والاقرار لايران بحقوقها النووية السلمية و الاكتفاء بنصر معنوي شكلي هو التزام ايراني علني بعدم الرغبة في امتلاك السلاح النووي.
هنا تبدو اسرائيل والسعودية و غيرهما من الناصبين العداء لايران ادوات قد يكون لهم دور في سياسة رفع الثمن. حيث انهم في الاصل لن يريحهم ان تقفل ايران ملفا بهذه الخطورة و تتفرغ لمعالجة مسائل هامة اخرى تمس بمصالحهم و ترى اميركا ان الاصغاء اليهم سيكون في مصلحة اهدافها الاستراتيجية دون ان تفرط بالاتفاق.
و في هذا نذكر بان لانها هي اميركا هي صاحبة القرار اما الاخرون فهم ادوات بيدها فاذا كانت اميركا قد توصلت كما نعتقد لقرار استراتيجي بالتوقيع على الاتفاق فان صراخ الادوات لا يثنيها لكنها قد تستعمل الصراخ من اجل رفع الثمن فقط و لهذا فاننا نبقى على ترجيح الوصول الى حل لان مصالح اميركا الاستراتيجية تفرض ذلك.
اذن أمريكا بحاجة ماسة الى تعاون أمني و عسكري مع ايران لتطويق خطر تنظيم داعش و التنظيمات الارهابية الأخرى فهي تعلم جيدا نفوذ ايران في المنطقة و درايتها بالسياسية الاقليمية. و قذ ظهرت هذه الرغبة الأمريكية بالتعاون من خلال الرسائل الودية التي بعث بها أوباما للسيد القائد الخامنئي ملتمسا منه التعاون و طالبا وده.
ختاما فان الدعوات المتكررة لايران باقتناص الفرصة للوصول الى اتفاق نووي خلفها دعوات للغربيين فيما بينهم بان لا يفوتوا الفرصة على أنفسهم للوصول لاتفاق يخفف من تخبطهم في بلادهم و الخطر على نفوذهم و مصالحهم في المنطقة.