الوقت- أين داعش من الجهاد في فلسطن؟ أين هي مما يحصل في القدس و غزة؟ لماذا أكد البغدادي الذي ظن الكثيرون بانه قد قتل, على أولوية قتال الشيعة أينما وجدوا دون ذكر لما يحصل في فلسطين؟ و ما هي حقيقة التهديدات التي وجهها تنظيم داعش للسعودية و ما حجم هذه التهديدات؟
ظهر مقطع صوتي جديد لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش ليدحض نظرية مقتله في غارة أمريكية قرب الحدود بين سوريا و العراق.المقطع الصوتي جاء تحريضا على ذبح الروافض(الشيعة) باعتبارهم العدو الأول و الأخطر على دولة الخلافة.. و لم يأت الخطاب على أي ذكر لما تشهده فلسطين من أحداث دامية.
لطالما كان الجهاد الجديد منذ الحرب الأفغانية ضد النظام السوفياتي حتى اللحظة,ممهورا بختم أمريكي. فأمريكا التي ترى في أمن اسرائيل أوليتها في المنطقة عملت ما بوسعها لتغيير بوصلة الجهاد من فلسطين الى أماكن أخرى خدمة لمصالحها.
حين حقق الجهاد الأفغاني الذي كانت وجوه فلسطينية أبرز معالمه ك"عبدالله عزام "غاياته الأميركية، بانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان وتاليا تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1989، لم ينتقل المجاهدون العرب إلى أرض الرباط الحقيقية فلسطين، بل أوجدوا لأنفسهم أرض رباط أخرى، وتوزع «أهل الثغور» الجدد على بلدانهم وبلدان لم يطأها من قبل لبدء سياحة الجهاد، ومنهم من وصل الى الشيشان وقرغيزستان، وتحولوا إلى أبطال.
غاب الداعشيون والقاعديون وكل التنظيمات السلفية الجهادية عن فلسطين، وحرصوا على الحضور الكثيف في أماكن أخرى. حجة الأرض التي كانوا يلوذون بها في تبرير عدم «مجاهدة» العدو الاسرائيلي سقطت فقد باتوا مجاورين لفلسطين المحتلة بعد سيطرتهم على مناطق داخل سوريا، وحجة عدم امتلاكهم السلاح سقطت ايضا، فلدى كل من هذه التنظيمات ما يكفي من الصواريخ التي تضرب العمق الاسرائيلي وتهدّد وجوده... ولكن لم تفعل، لماذا؟ يختصر «داعش» موقفه بدهسه علم فلسطين، ويبرر ذلك بأنه لا يعترف بحدود سايكس بيكو، وبزعم فارغ أن معركته مع الاسرائيلي مؤجلة الى حين تطهير الأمة من العدو القريب، بحسب تغريدات للقيادي في «داعش» الشيخ أبو القاسم الأصبحي .
فيما كانت الآلة الإسرائيلية تمعن قتلا في أهل غزة، وفي ظل نشوة إعلان الخلافة الإسلامية، خرج تسجيل مصور لملثمين يطلقون صواريخ في اتجاه إسرائيل، نسب إلى داعش هلل كثيرون لـ«استجابة خليفة المسلمين» لاستغاثات أهل غزة، وأن «الخلافة» باتت قاب قوسين من تحرير بيت المقدس. لم تدم الفرحة طويلا، ليكتشف زيف التسجيل الذي تبين أنه مقتطع من فيديو قديم يعود إلى عام ۲۰۱۲ من تسجيل لجماعة مجلس شورى المجاهدين، وقد أُجريت عليه تعديلات وكان ناشطون إعلاميون يدورون في فلك «الدولة»، أبرزهم أحد أبرز إعلامييها «ترجمان الآساورتي»، قد سارعوا إلى نفي ما نسب إليها.
يستند الجهاديون في رؤيتهم أن «سوريا ولبنان ومصر والأردن كلّها متعاملة مع إسرائيل»، مشيرين إلى أن «أي هجوم ستقف في وجهه الدولة الطاغوتية باسم الأمن». ويضيف آخر: «وبما أن الدول المحاذية لإسرائيل لا تطلق رصاصة، فمعنى ذلك أنها لا تريد أن تدخل في مواجهة مع إسرائيل، وأن أي محاولة لاستخدام أراضيها لاستهداف إسرائيل، يعني تلقائياً دخولك في مواجهة مؤكدة مع هذه الأنظمة. لذلك علينا أن نطهر الدول المجاورة للوصول إلى إسرائيل». ويخلص هؤلاء إلى أن «عداوة الدول العربية والتنظيمات العربية مع إسرائيل قولاً لا عملاً، أي فقط في السياسة والشعارات. وما دامت عداوتها قولاً، فإن أي تنظيم يريد أن يعمل سيكون في مواجهة مع هذه الأنظمة». ويعطي الجهاديون مثالاً «ما كانت تقوم به كتائب عبدالله عزام في جنوب لبنان، وما تعرض له أفرادها من سجن وتعذيب جراء إطلاقهم صواريخ على إسرائيل». لذلك يرى هؤلاء أن «الأولى أن تتمدد «الدولة» رويداً رويداً، وكل ما خلا ذلك لا ينطبق لا شرعاً ولا منطقاً». وردّاً على سؤال: «ماذا عن العمليات الاستشهادية؟»، يجيب بأن ذلك مطروح، لكن لم يحن أوانه بعد.
وبقيت فلسطين تشهد على من مع فلسطين ومن ضدها وستشهد الأيام على صوابية الكلام الذي أطلقه الامام المغيب موسى الصدر عندما قال:ان شرف القدس يأبى أن يتحرر الا على يد المؤمنين الشرفاء.
سعوديا فان التهديدات التي أطلقها داعش في أكثر من مرة ضد السعودية واصفا الحكام فيها بالكفرة و أن الجهاد ضدهم واجب لاقامة الخلافة الاسلامية فيها تلقفته السعودية سريعا كأمر ايجابي لصالح المملكة التي وضعت التنظيم على لائحة الارهاب لتبعد عنها الاتهامات بمساندة داعش و بعد أن قررت محاربته قبل أن يصبح خطرا فعليا يهدد كرسي العرش الذي يتربع عليه ال سعود منذ عشرات السنين.
الحذر السعودي من الوهابيين عمره من عمر الدولة السعودية الثانية يبدو جليا في مراجعة سريعة لتاريخ ال سعود حيث حذر علماء المذهب الوهابي أمراء الدولة السعودية الثانية من العواقب الوخيمة التي آلت اليها أمور الدولة السعودية الأولى، حين غير الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد طريقة والده (وبغاها ملكا) بتعبير الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، أي حين «طغت أمور الدنيا على امر الدين»، بحسب قوله .فقد أراد الشيخ عبد الرحمن تأكيد دور الدين في بقاء واستقرار وقوة الدولة ووحدتها وتمركزها النجدي، ولذلك طالبه بشدة بأن يجعل الحكم أمر دين .
وكان أول خلاف بين آل سعود وقاعدتهم الشعبية برز في النزاع بين ابن سعود وجيشه العقائدي المتمثل في «الاخوان»، حول إبقاء الصلاحية العملانية للتصوّر العقائدي الوهابي القائم على التكفير والهجرة والجهاد مفتوحة، وقد أخذوا عليه أنه «عطل فريضة الجهاد» الى جانب إدخاله البدع «اللاسلكي والتلغراف» الى بلاد الإسلام.
وجرت محاولة أخرى في منتصف الستينيات من القرن الماضي من قبل شباب يتحدر بعضهم من «الإخوان» بتأسيس جماعة دعوية أطلقت على نفسها «الجماعة السلفية المحتسبة»، واختارت المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، مرشداً لها، وما لبث أن طوّر قادة الجماعة من أفكارها وأساليبها وراحوا يصوغون رؤية دينية وسياسية والانتقال من مرحلة الدعوة السلمية الى مرحلة المواجهة المسلحة من اجل ليس إعادة هيبة الدولة السعودية فحسب بل والانتقال الى مرحلة متقدّمة في الصراع الكوني، والذي توج باندلاع حركة تمرد مهدوية داخل الحرم المكي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 بقيادة جهيمان العتيبي الذي قتل ورفاقه وفشلت الحركة في تحقيق اهدافها.
من الضروري لفت الانتباه الى أن عقيدة «داعش» لا تختلف عن عقيدة أي تنظيم سلفي جهادي أو صحوي. وعودة سريعة الى المكتبة العقائدية المثبتة على المواقع الاكترونية لتنظيم «داعش» سوف يظهر الى العيان الهوية العقائدية لدى التنظيم. من نافل القول، إن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب مثل كتاب التوحيد وكشف الشبهات و نواقض الاسلام، وغيرها يجرى توزيعها في المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش»، ويتم تدريسها وشرحها في الدروس الدينية الخاصة التي يعقدها الجهاز التربوي في التنظيم.
علاوة على ذلك، من يقرأ سيرة أفراد الطبقة القيادية في تنظيم داعش سوف يجد وبسهولة متناهية أن هؤلاء تشربوا العقيدة الوهابية وأتقنوا العمل بكل تفاصيلها... بل يتعمد كتاب سيرهم التشديد على عبارة "يسير على منهج السلف"، أي يعتنق المذهب الحنبلي الوهابي. هذا ما نقرأه في سيرة: ابو عمر البغدادي وخلفه ابو بكر البغدادي، ووزير الحرب السابق ابو حمزة المهاجر المصري، ووزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الدولة أبو محمد العدناني الشامي وغيرهم.
إذا مشروع «داعش» ليس شيئا آخر غير إعادة إحياء وهابية الجيل المؤسس، وهو ما يبعث القلق لدى آل سعود، لأن التصحيح في المشروع الوهابي يأتي هذه المرة من خارج الدولة السعودية، ويبطن تقويضا لمشروعيتها.
وشأن كل التنظيمات السلفية الوهابية، فإن تكفير الآخر، مسلما كان أم كتابيا، بات سمة راسخة في عقيدتها، ببساطة لأن المواصفات الصارمة المطلوبة في الانسان المسلم بحسب رؤية هذه التنظيمات لا تنطبق سوى على المنضوين تحت راية الوهابية.نفهم مما تقدم أن السعودية فعلا قد لا تمون على داعش بشكل مباشر,و ان هذا التنظيم الذي يفتي كما يراه أميره مناسبا,صحيح أنه وليد ال سعود و سياساتهم من الأجداد الى الابناء و الأحفاد الا أن السعودية باتت تنظر اليه بحذر شأنها كشأن من يعيش مع أفعى جائعة في نفس الوكر.لكن يبقى من المسلم أن أمريكا المنظمة للعمل الارهابي في المنطقة لن تسمح في المدى المنظور لهذا التنظيم بأن يقلب الحكم في الحجاز, مع احتمال حدوث بعض الأعمال التخريبية هنا و هناك في مناطق المملكة,ليس كرما لعيون الملك العجوز و شيوخ المملكة الرملية بل لأجل ما في جوف أرضهم من خيرات تملئ الجيب الأمريكي وتسد عجز ميزانيته ..فتاريخ أمريكا يشهد بأنها بقيت الى جانب حلفائها تحركهم كالدمى..حتى انتفت الحاجة منهم رمتهم الى مصائرهم و الربيع العربي يشهد.