الوقت - يشكل أكراد تركيا نحو 20% من المجموع العام للسكان ويبلغ عددهم حوالي 15 مليون نسمة، ويعيش معظمهم في شرق وجنوب شرق البلاد، ويتركزون في 21 محافظة تركية البالغ عددها 90، بينها أرزنجان، أرضروم، باتمان ـ آدي يمان ـ ديار بكر ـ سيرت، ماردين، شرناق، غازي عنتاب ومرعش.
وبعد سقوط الدولة العثمانية وإقامة الجمهورية التركية الحديثة تبنى كمال أتاتورك نهجاً سياسياً يتمحور حول إلزام الأقليات العرقية المختلفة باللغة والثقافة التركية، وكانت من نتائج هذه السياسة منع الأكراد من ممارسة لغتهم في النواحي الأدبية والتعليمية والثقافية، وكان مجرد التحدث باللغة الكردية عملاً جنائياً حتى عام 1991.
وقوبلت محاولات أتاتورك بمواجهة عنيفة من قبل الأكراد الذين قرروا القيام بانتفاضة شاملة عام 1925 بقيادة زعيمهم سعيد بيران، وبلغ عدد المنتفضين حوالي 600،000 فرضوا حصاراً على ديار بكر لكنهم فشلوا في السيطرة على المدينة، وبعدها تم إعتقال بيران مع عدد من قادة الانتفاضة ونفذ حكم الإعدام فيه في مايو 1925. وبلغ عدد القتلى في تلك الأحداث مليوناً ونصف مليون حسب بعض الإحصائيات.
وبعد هذه الإنتكاسة شنت الحكومة التركية حملة إعتقالات وتصفيات واسعة في المناطق الكردية. واستمرت الحكومات التركية المتعاقبة على نفس النهج، لكن الإهتمام العالمي إزداد بأكراد تركيا بعد العمليات المسلحة التي شنها حزب العمال الكردستاني في الثمانينات من القرن الماضي ما حدى برئيس الوزراء التركي آنذاك "توركت أوزال" أن يستعمل رسمياً ولأول مرة كلمة الأكراد في تركيا. وفي عام 1991 رفع أوزال الحظر الكلي عن إستعمال اللغة الكردية واستبدله بحظر جزئي.
وأثناء صراع الحكومة التركية مع حزب العمال تم تدمير 3000 قرية كردية في تركيا وتشريد ما يقارب 400 الف كردي من ديارهم. وفي عام 1991 تم انتخاب "ليلى زانا" في البرلمان التركي وكانت أول سيدة كردية تصل إلى هذا المنصب ولكن بعد 3 سنوات أي في عام 1994 حكم عليها بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة إلقاء خطابات إنفصالية.
ومنذ مدة ليست قصيرة بدأت السلطات التركية الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان موجة جديدة من عمليات التطهير العرقي في المناطق ذات الأغلبية الكردية، بعد أن عجزت عن حفظ السلم الأهلي الذي تعرض ويتعرض لهزات تراجيدية كبيرة بين الحين والآخر.
ومنذ تموز/ يوليو 2015 لقي أكثر من مائة مواطن كردي مصرعه على يد القوات التركية، وتم فرض حالة الطوارئ ومحاصرة العديد من المدن الكردية من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التركية. كما تم قطع الماء والكهرباء عن بعض هذه المدن ما أدى الى تعرض الكثير من ساكنيها لأمراض مختلفة بسبب البرد الشديد وقلة الإمكانات.
وقبل أيام قمعت السلطات التركية مظاهرة نسوية في ميدان "جلاطة سراي" وسط مدينة "إزمير" غربي البلاد، رفعت خلالها شعارات مناهضة لسياسة حكومة العدالة والتنمية المتبعة ضد الأكراد. وإعتقلت الشرطة التركية عشرات النساء من أنصار حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي أثناء تنظيمهن هذه المظاهرة التي تزامنت مع إحتجاجات الذكرى السنوية لمقتل ثلاث ناشطات كرديات في يناير 2013 في العاصمة الفرنسية باريس.
كما قمعت الشرطة التركية تظاهرة لطلاب أكراد في جامعة "كوجالي" جنوب شرق البلاد في ذكرى مذبحة "أولوديري" الشهيرة التي راح ضحيتها مئات الأكراد جراء غارة نفذها سلاح الجو التركي عام 2011 إستهدفت مدنيين قرب بلدة أولوديري. وقالت أنقرة في حينها بأن توجيه الغارة جاء بسبب معلومات إستطلاعية خاطئة.
وتحذر السلطات التركية الأكراد باستمرار من مواصلة الإحتجاجات تحسباً من أعمال فوضى وإضطرابات، وتقوم بين الحين والآخر باعتقال الكثير منهم جراء رفضهم الإنصياع لأوامرها.
في الخلاصة؛ يمكن القول إن حكومة أردوغان لم تعد مهتمة بالتوصل إلى تسوية سياسية للصراع مع الأكراد، لاعتقادها بأنها تتمكن من خلال الاضطرابات أن تضمن تأثيرها وأن تتجنب حزب "الشعوب الديمقراطي" الذي أصبح يشكل خطراً عليها، خصوصاً بعد حصوله على أصوات كثيرة في الإنتخابات البرلمانية التي جرت في شهر حزيران/ يونيو 2015 وساهم من خلال ذلك في جعل حزب العدالة والتنمية يخسر أغلبيته المطلقة في البرلمان التركي.
ورغم ذلك لم يبد المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والإنسانية ردود فعل مناسبة تجاه الإنتهاكات التركية ضد الأكراد، ولم تتخذ الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أي إجراءات للحدّ من تكرار هذه الإنتهاكات، ما يثير جملة من التساؤلات حول سبب هذا السكوت المريب من قبل دولٍ تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
ولم يقتصر الموقف الغربي على الصمت إزاء هذه الإنتهاكات؛ بل تعداه لتبرير ما تقوم به السلطات التركية تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني. ووصل الأمر الى أن ترفض المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طلباً تقدم به عدد من الناشطين الأكراد لإنهاء حالة الطوارئ في المدن الكردية التركية.
ويعتقد المراقبون أن هناك أسباباً تقف وراء الصمت الغربي إزاء الإنتهاكات التركية بحق الأكراد يمكن إجمالها بما يلي:
1 - تعلم الدول الغربية أن المسألة الكردية هي قضية شائكة في الشرق الأوسط، فلهذا لم تكن جادة في حل هذه المسألة، ليس هذا فحسب؛ بل ترى الكثير من هذه الدول أن بقاء الأزمة الكردية في هذا البلد على حالها يمكن أن يخدم مخططاتها ومصالحها في عموم المنطقة، خصوصاً في تركيا حيث النسبة الأكبر من عدد الأكراد.
2- حاول الغرب إستغلال المسألة الكردية في تركيا بين الحين والآخر من خلال الضغوط الإعلامية، لإثارة مشاعر الكراهية بين الأكراد وغيرهم من القوميات لاسيّما الأتراك، وعرقلة أي اتفاق ينهي الصراع الكردي مع الحكومة التركية.
3 - بعد الفشل الأمريكي في إستخدام الورقة الكردية في تأجيج المشاكل في تركيا، حاولت بعض الدول الغربية ومن بينها ألمانيا أخذ نفس الدور الأمريكي في التدخل بالشأن الكردي، بحجة أن الألمان والأكراد من أصل آري واحد. ولازالت برلين تعتقد أنها تستطيع التدخل في الشأن الكردي التركي، سواء بأهداف خاصة بها أو بأهداف مشتركة مع الإتحاد الأوروبي، أو بأهداف مشتركة مع المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية.
هذه الأسباب وغيرها هي التي دعت الغرب لغض الطرف عن الإنتهاكات التي ترتكبها حكومة أنقرة ضد الأكراد، لكن يبقى التساؤل قائماً: هل ستستمر الدول الغربية بهذه السياسة المزدوجة تجاه حكومة أردوغان أم ستضرب الأكراد عرض الحائط إذا ما إقتضت مصالحها ذلك، كما فعلت في مناطق أخرى من العالم، وهو أمر ليس غريباً عن السياسة البراغماتية التي تنتهجها هذه الدول منذ عقود خصوصاً في الشرق الأوسط، ولازالت تكررها باستمرار متى ما إقتضت الحاجة لذلك.