"دونالد ترامب"، المرشح الجمهوري في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، كان قد أكد أنه غير نادم على تصريحاته الأخيرة ضد المسلمين والتي أثارت جدلاً واسعاً داخل وخارج الولايات المتحدة. وهو الذي كان قد صرَّح في 7 كانون الأول من العام 2015، إلى وقف دخول المهاجرين المسلمين إلى أمريكا، متهماً إياهم بالإرهاب. لكن يبدو أن ذلك لم يَشفِ غليل الرجل الذي تبدو عليه جيداً علامات التعصُّب واحتقار الآخر. الأمر الذي جعله يطرد امرأةً مسلمة كانت في مؤتمره الإنتخابي الأخير. فماذا في الواقعة التي انشغل العالم بالحديث عنها؟ وكيف يمكن قراءة مخاطرها؟
حادثة طرد المرأة المسلمة:
على الرغم من أن المرأة "روز حميد" والتي طُردت من المؤتمر الإنتخابي للمرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأميركية "دونالد ترامب" في ولاية كارولينا الجنوبية، كانت قد قالت بأن هدفها من الحضور كان إظهار المسلمين على حقيقتهم وأنهم ليسوا مخيفين، الا أن "ترامب" أكد بعد طرد "حميد" أن هناك كراهية عميقة الجذور من قبل المسلمين له وللأمريكيين. وهو الأمر الذي يُعتبر محاولةً جديدة من المرشح الأمريكي، للعب على الوتر الطائفي والقومي، لأهدافٍ إنتخابية. في وقتٍ تُثبت فيه الأحداث أنه رجلٌ إنتهازيٌ يُشكل خطراً على المجتمع الأمريكي لا سيما في حال فوزه بالإنتخابات.
من جهةٍ أخرى فقد أكدت "حميد" أنها تعتقد بأن أكثر مؤيدي ترامب لا يعرفون عن الإسلام أي شيء، بل هم ضحية الترويج الإعلامي الأمريكي. مُشيرةً الى اعتقادها أن ترامب يعرف حقيقة المسلمين، إنما يقوم بالتحريض عليهم، للحصول على الإهتمام وزيادة حظوظه الأنتخابية.
إلى ذلك فقد طالب مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية من "ترامب" تقديم اعتذار علني بعد طرد حميد. وقال مديره نهاد عوض إنه تمت الإساءة لصورة السيدة المسلمة بطردها من مؤتمر ترامب، وأرسلت رسالة سيئة جدا للمسلمين الأميركيين وجميع الذين يُقدرون عادات وتقاليد وتنوع بلادنا.
كيف يمكن قراءة ما جرى؟
لا بد من وضع الأمور في نصابها، من أجل الوصول للنتائج الحقيقية، وفهم الخلفيات والدلالات للحادثة الخطيرة. وهنا نُشير للتالي:
- لا يمكن التغاضي عن الخلفية الصهيونية التي ينطلق منها المرشح الجمهوري. وهنا فلا بد من القول أنه يعبر عن المسار الطبيعي الذي تنتهجه الصهيونية في تعاطيها مع المسلمين. في حين يكمن الخطر في وصول رجلٍ كهذا الى سدة الحكم.
- من جهةٍ أخرى فإن التصرف الذي قامت به المرأة يوصل رسالةً لجميع المراقبين، تقول بأنه وعلى الرغم من الكلام الذي قاله ترامب عن الإسلام، فإننا كمسلمون مستعدون لإثبات عكس ذلك. ولعل ذلك استفز المرشح الأمريكي، والذي يبدو أنه لا يحترم اللغة السلمية والعقلانية.
- وهنا لا بد من الإشارة الى التغاضي الواضح من قبل السلطة الأمريكية، عن هذا الموضوع. فبعيداً عن الحادثة، هل يمكن التبرير لما يصدر من تصريحات تنتهك حرمات المسلمين، أو بالحد الأدنى تمس بعددٍ من المواطنين الأمريكيين؟ فأين هي دولة الديمقراطية من حقوق هؤلاء المدنية؟
- وفي السياق نفسه، ألا يجب أن يكون هناك سقفٌ للسياسات التي يستخدمها المرشحون للإنتخابات الأمريكية. أم أنه يحق للمرشح أن يخرق القوانين والأعراف، وينتهك حرمات الآخرين؟
إذن، أثبتت أمريكا أنها دولةٌ كاذبةٌ لا سيما فيما يتعلق بإحترام حقوق الإنسان. فالإسلام والمسلمون في العالم ليسوا بحاجةٍ لواشنطن أو للمرشح ترامب من أجل أن يُقيم لهم أي قيمة. وليس صحيحاً أن الرجل بفعلته مسَّ كرامة المرأة المسلمة، بل إن الحقيقة أن العالم رأى الفرق بين التعاطي الأخلاقي للنموذج الإسلامي، وبين التعاطي الإنتهازي والبشع لمن يمثل الصهيونية.
لكن الخروج عن المألوف هو الأمر الذي يستحق الوقوف عنده. وهنا لسنا مُستغربين للسلوك الأمريكي القائم على التحريض وانتهاج المسارات المليئة بالتعصب والقومية. لكن الأمر الذي يلفت النظر، هو أن التحريض والتعصب للدين أو للقوم، أصبح من ضمن برامج المرشحين في الإنتخابات الأمريكية. فهل أصبحت هذه سياسة مُلحة في واشنطن؟ وهل يُدرك مثال الإنتهازية "دونالد ترامب"، أن كل ذلك سيرتد على الداخل الأمريكي لا سيما من قبل الأصوات التي يمكن أن تكون مُتطرفة ولا تمت للإسلام بصلة، بل تدعي الإسلام فقط؟
لقد أحب "دونالد ترامب" أن يكون صريحاً، ويُخبر العالم بالوجه الحقيقي للصهيونية الأمريكية التي تحكم مراكز القرار في واشنطن. لكن النتيجة هي في الحقيقة، حملةٌ واضحةٌ ضد المسلمين، من أجل بث الفتنة ودفعهم نحو المجهول. في حين يتساءل الكثيرون عن غياب السلطة والمحاسبة في دولةٍ تعتبر نفسها سيدة الديمقراطية في العالم. فقد انتهك ترامب حقوق المسلمين المدنية في الدولة التي تعتبر نفسها مسؤولةً عن الديموقراطية في العالم. فهل من مُحاسب؟