الوقت- منذ إعدام الشيخ النمر وما تبعه من أحداث لازالت الرياض ترفع من حدة مواقفها المعادية لطهران مستغلةً الهجوم على سفارتها في طهران لتبرز عداءها للعلن ولتشكل حلفًا عربيًا ضد طهران، ورغم محاولات طهران ودعواتها المستمرة للتهدئة وتجنب النزاع، إلا أن أصحاب القرار في الرياض امتنعوا عن السماع واصروا على سياسة تفريغ الغضب التي تجلت باستهداف السفارة الإيرانية في صنعاء من قبل قوات العدوان الذي تقوده السعودية.
خطوة استهداف السفارة الإيرانية بالصواريخ تعتبر جريمة في القانون الدولي، وهذه الجريمة لا يمكن للسعودية أن تعتبرها بمثابة "القصاص"، فالهجوم على السفارة السعودية في طهران جاء نتيجة هجوم شعبي رفضته كل الجهات الإيرانية وأدانته الحكومة، في حين تم استهداف السفارة الإيرانية من قبل قوات تأتمر بأوامر رسمية وتقودها جهات حكومية، كما أن الأمن الإيراني اعتقلت قرابة 40 شخصًا مرتبطين بالهجوم وأحالتهم إلى القضاء، ناهيك عن أن طهران طرحت على لسان أكثر من مسؤول احتمالية ضلوع جهات أجنبية في الهجوم الذي حصل.
من الطبيعي أن الرياض لا تستطيع الإجهار باستهدافها للسفارة الإيرانية، وذلك حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية الكبيرة في المحافل الدولية، وهذا ما يفسر نفي حكومة السعودية لهذه الحادثة، كما أنها لاترغب في الانتحار السياسي بإعلانها استهداف السفارة الإيرانية، وهي تحاول التصرف بشكل لا يظهر غضبها الذي دفعها إلى نصب العداء لإيران والغضب منها وعلى وقع الغضب الذي بات مسيطرًا على السياسة السعودية، اتخذت الرياض قرارًا بمواجهة طهران، وكل خطواتها تتم بهذا الاتجاه، فمن إعدام الشيخ النمر، إلى قطع العلاقة السياسية بين البلدين، مرورًا باستمرار العدوان على اليمن وقطع الهدنة، بالإضافة إلى حادثة منى التي راح ضحيتها الدبلوماسي الإيراني غضنفر ركن آبادي، والكثير من الأفعال التي تحاول السعودية من خلالها التجييش ضد إيران وإغضابها، وإلا ماذا يمكن تفسير اتصال الملك السعودي سلمان بالرئيس النيجيري وتقديم التهنئة له بعد الهجوم على الشيخ الزكزاكي وأتباعه، وهنأ الملك سلمان الرئيس النيجيري بالقضاء على من أسماهم "إرهابيين"!.
غضب السعودية من إيران يأتي بعد فشل السياسات السعودية في المنطقة، ومنذ بدء الأحداث السياسية والعسكرية في الوطن العربي حاولت السعودية فرض نفوذها من خلال المال والسلاح، فسلحت ودربت ودعمت جماعات مسلحة في بلدان عدة كسوريا والعراق، وحاولت نشر سلطتها في المنطقة من خلال هذه الجماعات، ولكن السعودية صُدمت في الآونة الأخيرة بسبب فشل هذه الجماعات التي كان من المفترض أن تقوي السعودية لا أن تلصق بها تهمة دعم الإرهاب، كما أن أمريكا بدأت تتخلى عن الرياض في الساحات الدولية وخاصة في سوريا والعراق التي أصبح حل أزمتهم بيد موسكو وواشنطن وطهران وخرج السعوديون صفر اليدين، ليضاف هذا الفشل إلى فشلها الذريع في اليمن.
وفي هذا السياق يعتبر الاتفاق النووي بين طهران والدول الست من أسباب غضب الرياض وانزعاجها، وما أفقد السعودية أعصابها أن واشنطن لم ترد على تحذيرات الرياض من تبعات هذا الاتفاق، ولهذا عمدت السعودية إلى إخفاض أسعار النفط بشكل جنوني أملاً منها بضرب الاقتصاد الإيراني قبل أن ينعشه الاتفاق النووي، ولكنها أيضًا فشلت إذ اضطرت إلى رفع أسعار المحروقات في الداخل دون أن تتأثر إيران.
كل هذه الأمور التي أغضبت الرياض يمكن إدراجها تحت عنوان "فقدان السيطرة" والذي لا يقتصر على المنطقة فحتى الداخل السعودي أصبح مقلقًا للسلطات السعودية التي باتت تخشى وصول موجة الصحوات إلى داخلها، ولهذا أقدمت على إعدام الشيخ النمر بشكل سريع رافضة تسليم الجثة لذويه خشيةً من اشتعال احتجاجات تطيح بالأسرة الحاكمة التي تعيش حالة ضياع في الساحة السياسية، ولهذا فإنها تحاول إفراغ غضبها من إيران التي بسكوتها تضيف غضبًا إلى غضب السعوديين.
سياسة السعودية وتصرفها بشكل جنوني يطرح احتمالين، الأول أن السعودية تحاول صنع مبررات كافية للدخول في حرب مع طهران، وهذا القرار خاطئ وغير مدروس، فواشنطن لم تتجرأ طوال عقود من الزمن على مهاجمة طهران، ومن البديهي أن الرياض التي خسرت في اليمن لن تتمكن من الفوز في أي معركة مع إيران، والاحتمال الثاني أن الرياض تسعى جاهدة إلى إغضاب طهران لدفعها إلى اتخاذ قرارات خاطئة تدان عليها دوليًا، وهذا أيضا لن يحصل فالمسؤولون الإيرانيون لا يتصرفون بهذا الشكل وليسوا في صدد مواجهة دولة كالسعودية.
في النهاية يمكن التأكيد أن الغضب الذي بات يسيطر على قرارات السعودية وسلوكها لن ينعكس سلبًا إلا على السعودية التي ستجد نفسها وحيدة بعد أن يتخلى عنها الجميع، وسيجد آل سعود أنفسهم مرفوضين من شعبهم ومن المجتمع الدولي، وعندها سيقلب التاريخ صفحتهم معنونًا لمستقبل جديد في شبه الجزيرة العربية عنوانه ما أشبه ماضي صدام حسين بمستقبل آل سعود.