الوقت ـ لو لم یکن التدخل الاجنبی فلم تکن قد استمرت الازمة السوریة الی هذا الحد، ولتمکنت اطراف الخلاف من انهاء صراعها خلال فترة وجیزة، لکن التدخل الاجنبی فی هذه الازمة ادی الی استمرارها لکل هذا الوقت. دول من الجوار و جهات اجنبیة صبت الزیت علی نار الفتنة فی سوریا وقامت بمجازر راح ضحیتها مئات الآلاف من السوریین.
الدول التی تتدخل فی الازمة السوریة لغرض اطالة هذه الازمة ولیس لحلها تبحث عن مصالحها غیر الشرعیة التی تری الوصول الیها یتحقق من خلال تضعیف النظام السوری وتعزیز مکانة الجماعات الارهابیة التی تقاتل النظام السوری. خلال الاعوام الثلاثة الماضیة عقدت العدید من المؤتمرات کان ابرزها مؤتمر جنیف الاول والثانی بهدف ایجاد حلول لانهاء الازمة السوریة کما ادعت الدول المشارکة فیها، لکن انتهت جمیع هذه المؤتمرات دون جدوی ان لم تکن قد زادت الخلافات واججت الصراعات الداخلیة. ویعود سبب فشل هذه المؤتمرات لانها عقدت فی الحقیقة من اجل تضعیف الحکومة السوریة الشرعیة وممارسة الضغوط علیها لارکاعها امام الجماعات المسلحة التی تقتل وتفتک فی المجتمع السوری وبکل شراسة.
طبعا سوریا لم تکن لوحدها فی صراعها مع الجماعات المسلحة ولدیها حلفاء اقویاء خاصة ایران وروسیا وحزب الله الذی یقاتل الی جنب القوات السوریة ضد الجماعات الارهابیة. هذه الجهات القویة لم تسمح بسقوط سوریا علی الاطلاق وظلت تدعم الجیش السوری الباسل بشتی الطرق. مما ادی هذا الدعم من حلفاء سوریا الی افشال جمیع المخططات التی تم رسمها من قبل امیرکا والسعودیة وقطر وکذلک ترکیا باعتبارهم الجهات المهمة الداعمة للارهاب الذی یقاتل فی سوریا. ولهذا لم نری ای حماس من قبل الجهات الخارجیة لعقد مؤتمرات جدیدة کما کان فی بدایة الازمة السوریة.
وفی هذا السیاق اعلن الرئیس السوری بشار الاسد وخلال لقائه بالمبعوث الخاص الاممی بسوریا خلال الایام الماضیة، حیث اکد الاسد للمبعوث الاممی أن علی المعارضة ان تأتی لسوریا ان ارادت الحوار ولم یکن هنالک مؤتمر جنیف 3، وکذلک اوضح الاسد خلال هذا اللقاء ان الحکومة السوریة ستعطی المعارضة التضمینات اللازمة والمطلوبة لغرض المشارکة فی جلسات الحوار داخل سوریا. طرح هذه الفکرة من قبل الحکومة السوریة بان یکون الحوار لحل الازمة السوریة داخل اراضی هذا البلد یعتبر عنصرا مهم لحل الازمة بشکل جذری. وذلک لسبب ان الحوارات التی جرت خارج سوریا کان معظمها یسیر وفقا لاجندة خارجیة ولم یکن الهدف الرئیسی من عقدها حل الازمة بقدر ما تکون بهدف اضعاف النظام السوری کما اسلفنا.
وإذا ما ارادت المعارضة حل الازمة حقا فعلیها المجیئ الی سوریا بعد ما حصلت علی التضمینات التی تضمن سلامة ممثلیها والجلوس مع النظام علی طاولة واحدة وعلی الارض السوریة ولیس ارضا اجنبیة. بالطبع الحکومة السوریة منفتحة ولم تکن متشددة وهی علی اتم الاستعداد لانهاء الصراع الذی اضر بالبلد کثیرا، واعلنت الحکومة السوریة اکثر من مرة انها ستوافق علی جمیع الحلول التی تطرح لغرض حل الازمة بشکل جذری. لکن للاسف کانت الاشکالیة الکبیرة التی افشلت المساعی السابقة فی سیاق انهاء الازمة السوریة تاتی بسبب انصیاع المعارضة الی الارادة الغربیة والعربیة التی ترید تدمیر سوریا نهائیا.
الحکومة السوریة اجرت حوارات ناجحة خلال الفترة الماضیة مع جهات داخلیة وتوصلت الی حلول مرضیة وانهت الصراعات المسلحة الدائرة فی بعض المناطق السوریة وکان النجاح یعود لسبب ان الحکومة وهذه الجهات کانوا یبحثون عن الحلول ولم یکونوا تحت وصایا خارجیة. فلهذا توصلوا الی حلول وانهوا خلافاتهم. ومن خلال هذه التجربة الناجحة عرف السید بشار الاسد ان الحوار فی الخارج لا جدوی فیه بل کان دائما مؤججا للصراع السوری، فلهذا اکد الاسد ان یکون الحوار داخل سوریا وبعیدا عن ای تدخل اجنبی. واذا ما اجری هذا الحوار داخل سوریا فانه دون شک سیصل الی حلول ترضی جهتی الخلاف وخلال فترة وجیزة.
المعارضة السوریة التی تقیم فی الخارج هی رهینة بید الجهات المضیفة لها، والدول التی تصرف المال علی هذه المعارضة ترید ان تحصل من خلال هذه المعارضة علی اهداف معروفة، لذا معارضة الخارج لا تستطیع اخذ قرارات مستقلة دون موافقة الدول المضیفة لها، حیث ان هذه القضیة کانت دائما العائق الکبیر الذی منع حل الخلافات بین المعارضة والحکومة السوریة.
لکن عند ما تجری الحوارات فی سوریا عندها سیکون جهتی الخلاف (الحکومة والمعارضة) غیر مدینین الی ای جهة لانهم یناقشون خلافاتهم علی ارض وطنهم. کما یمکن للمعارضة فی حال وافقت علی المشارکة فی الحوار داخل سوریا تحسین صورتها لدی الشعب السوری، باعتبار انها ستوکد مساعیها الی اخراج الشعب السوری من الازمة التی یعانی منها وستکون بعیدة عن الاتهامات بانها خائنة وعمیلة الی جهات خارجیة، خاصة الکیان الصهیونی. لکن وفی حال لم توافق المعارضة السوریة علی المشارکة فی الحوار داخل سوریا کما اکد بشار الاسد، عندها سیتضح اکثر من ای وقت مضی بان هذه المعارضة لا تسعی الی حل الازمة السوریة بل ترید اطالتها وفقا لاجندة خارجیة معروفة.