الوقت - أثارت قضیة إستقالة رئیس الوزراء المصری، السید حازم الببلاوی خلال الأسابیع الماضیة و ألتی أعلن عنها بشکل مفاجئ، إستغراب الکثیر من الشعب المصری کما هی الحال بالنسبة للعدید من قادة دول العالم. حیث شهدت مصر تزامناً مع هذه الإستقالة العدید من الإضرابات من قبل الموظفین و عمّال مختلف الشرکات الحکومیة إحتجاجاً علی الظروف المعیشیة و الإقتصادیة السیئة التی شهدتها البلاد فی الآونة الأخیرة. کما سبقت هذه الإضرابات، إحتجاجات اُخری فی الاسبوع الذی سبق إستقالة السید الببلاوی من قبل عمّال قطاع النقل و المواصلات العام، الذی طالبوا من خلالها برفع رواتبهم التی لا تغطی أبسط إحتیاجاتهم المعیشیة حسب ما یقول هؤلاء المواطنیین المصریین.
من جهة ثانیة تأتی إستقالة الببلاوی فی ظل إتساع رقعة المظاهرات فی البلاد من قبل مؤیدی جماعة الإخوان المسلمین الذین یحتجون بشکل شبه یومی علی الإنقلاب العسکری ألذی أطاح من خلاله الجیش المصری بالرئیس السابق محمد مرسی. حیث أن جمیع هذه القضایا و الأزمات و ألتی یعتبر الجیش عنصراً أساسی فیها، جعلت الإمساک بزمام الإمور فی البلاد المضطربة أساساً، من قبل الببلاوی أمراً مستصعب حیث لم یبقی أمامه طریق سوی الإستقالة.
و قد أصاب نبأ إستقالة الببلاوی العدید من وکالات الأنباء الدولیة بصدمة کبیرة، و ذلک لسبب أنها لم تکن تتوقع سماع مثل هذا الخبر نظراً للظروف التی تمر بها مصر فی هذه الفترة. لکن فی المقابل نشرت بعض وسائل الاعلام الدولیة تقاریر أخری تحدثت من خلالها عن أن الببلاوی قد اُقیل من منصبه قبل أن یعلن إستقالته بنفسه بشکل رسمی.
و أوضح الببلاوی فی خطاب أثناء إعلان إستقالته أن حکومته و رغم جمیع الجهود التی بذلتها لتجاوز الأزمات التی تعانی منها البلاد، واجهت حکومته الکثیر من المشاکل الاقتصادیة الصعبة التی لم یکن بوسعه التفوّق علیها حیث أنها کانت عقبة أساسیة أمام إستمرار حیاة الحکومة ألتی کان یرأسها.
و أکد الببلاوی خلال هذه الکلمة أن عدد لیس بقلیل من المسؤولین الکبار أصبحوا غیر مکترثین بمصالح البلاد، بل أصبح همّهم ألوحید هو الوصول إلی المصالح الضیغة الشخصیة و الفئویة.
و تؤکد بعض التقاریر الواردة حول إستقالة الببلاوی أن هذه الإستقالة جاءت بعد لقاء مشترک حضره عدلی منصور الرئیس المؤقت للبلاد و الفریق أول عبدالفتاح السیسی قائد الجیش و وزیر الدفاع، حیث قال البعض عن هذا اللقاء أنه جری من أجل تنسیق الخطوات الأخیرة لأجل إعلان إستقالة حکومة الببلاوی بشکل رسمی.
خلال فترة قصیرة بعد ما أعلن الببلاوی إستقالتة رحّبت العدید من الأحزاب و التیارات المصریة من بینها حزب النور و الاحزاب العلمانیة و اللیبرالیة و حرکة 6 أبریل و حرکة تمرّد بهذه الإستقالة معبّرین عن عدم رضاهم تجاه سیاسة حکومة الببلاوی، إضافة إلی ذلک أتهم الببلاوی بالفشل من قبل هذه الأحزاب والتیارات المصریة و عدم النجاح فی تحقیق أمنیات الشعب المصری و الوعود التی قطعها علی نفسه.
بعد ذلک تم تکلیف "ابراهیم محلب" الذی کان یشغل منصب وزیر الإسکان فی حکومة الببلاوی بتشکیل الحکومة الجدیدة من قبل عدلی منصور الرئیس المصری المؤقت بعد ما أعلن الببلاوی إستقالته لکی یشکّل حکومة جدیدة تقوم بإدارة شؤون البلاد أثناء الفترة المتبقیة حتی إجراء الإنتخابات الرئاسیة و تشکیل حکومة رسمیة للبلاد من المفترض أن تخرج من رحم صنادیق آراء الناخبین المصریین.
لکن السؤال المهم هو کیف ستعمل حکومة محلب الذی یعتبر من المقربین فی نظام حسنی مبارک خاصة بالنسبة إلی جمال نجل حسنی مبارک، إضافة إلی ذلک قام محلب بـ إبقاء العدید من وزراء الحکومة السابقه، و عزل عدد آخر من الذین یتمتعون بشعبیة کبیرة لدی الشارع المصری من بینهم حسام عیسی و الدکتور أحمد البرعی و کمال أبو عیطه. حیث أثارت هذه الخطوات غیر المدروسة أو المتعمدة من قبل محلب غضب شریحة کبیرة من الشارع المصری بعد ساعات قلیلة من إعلان حکومته الجدیدة.
بالطبع أن الشعب المصری لا یوافق علی عودة فلول نظام مبارک حتی فی حال تغییرت شعاراتهم و أصبحوا یهتفون بشعارات الشارع المصری. بل أن هذا الشعب هو بحاجة إلی من یستطیع التضحیة بمصالحه الشخصیة خدمة لأهداف الشعب المصری العلیا، و تأتی فی مقدمتها التنمیة الإقتصادیة و تحقیق الأمن و الاستقرار فی البلاد و التخلص من ترکة الفساد و التخلّف التی خلّفها نظام حسنی مبارک.
فی سیاق متصل أعتبر العدید من المراقبین، إستقالة الببلاوی علی أنّها تعبّد الطریق أمام عبدالفتاح السیسی لتقدیم ترشیحه لدخول معترک الإنتخابات الرئاسیة المقبلة، بالرغم من ادعاءات صحیفة «الجزیرة» السعودیة ألتی أکدت من خلالها نقلاً عن مصادر مقربة من السیسی أنه لا ینوی الترشح للإنتخابات الرئاسیة القادمة.
بالإضافة إلی جمیع هذه القضایا التی تناقلتها وسائل الإعلام الدولیة حول إستقالة الببلاوی، یعتقد عدد آخر من المتابعین للشأن المصری أن أسباب هذه الإستقالة تعود إلی النفوذ والتدخلات الأجنبیة لبعض الدول الغربیة و کذلک العربیة من بینها العربیة السعودیة و الولایات المتحدة الأمریکیة فی شتی شؤون البلاد، خاصة القضایا الأمنیة، مما أدی ذلک الی نتائج خطیرة علی الأمن القومی المصری کما یقول النائب السابق فی البرلمان المصری السید «یاسر القاضی».
لابد من الإنتباه الی هذه النقطة المهمة أن من یحکم مصر فی هذه الفترة هی الأجهزة الأمنیة و خاصة الجیش بقیادة عبدالفتاح السیسی، مما لا تبقی هذه القضیة شکاً أن إستقالة الببلاوی أتت بأمر من القیادات العلیا فی الجیش المصری و علی رأسهم عبدالفتاح السیسی. إضافة إلی ذلک یجب أن لا ننسی أن الجیش المصری هو من أطاح بالحکومة المصریة السابقة برئاسة محمد مرسی و عرّف عن نفسه أنه هو من أنقذ البلاد من الفوضی التی شهدتها مصر قبل الإطاحة بالحکومة السابقة.
هنالک قضایا رئیسیة اخری من بینها تدهور الظروف الإقتصادیة بدء من إرتفاع البطالة فی البلاد، وصولاً إلی إنقطاع الماء و الکهرباء والغاز فی العدید من المدن، قد ساهمت بشکل أو بآخر فی إستقالة الببلاوی و تنحّیه عن رئاسة الحکومة المؤقته التی شکلها الجیش المصری.
الظروف السیئة و الإحتجاجات التی شهدتها الساحة المصریة قبل الإطاحة بالحکومة السابقة، کانت أهم ذرائع الجیش المصری لقیامه بإنقلاب عسکری دموی علی حکومة محمد مرسی، لکن ألیوم مصر تعانی من نفس المشاکل لا بل حسب إعتقاد الکثیر من الخبراء أصبحت تعانی البلاد من مشاکل أصعب مما کانت علیه زمن الحکومة السابقة، إذاً الإنقلاب العسکری لیس فقط لم یحل مشاکل الشارع المصری فحسب، بل زاد الطین بلة و أدی الی مقتل الآلاف من الرجال و النساء فی البلاد. لهذا ألیوم لم نسمع أی من المسؤولین المصریین یتحدث علی أن الظروف الإقتصادیة قد تحسنت بعد الانقلاب العسکری، بل علی العکس من ذلک أصبح الجمیع متشائم مما ستؤل إلیه الإمور فی المستقبل وعلی رأس هؤلاء عبدالفتاح السیسی کما صرح بذلک خلال الأیام الماضیة، أن تحسین الأوضاع الاقتصادیة فی البلاد تحتاج لعدة عقود من الزمن.
الإنقلاب علی حکومة محمد مرسی و سحق جماعة الاخوان المسلمین بالرغم من دورها الرئیسی فی المجتمع المصری و شعبیتها الواسعة التی تصل الی عشرات الملاین، لم تحل مشاکل المصررین کما کان یروج أصحاب هذه الفکرة، من هنا یعتقد المراقبین أنه من غیر المستبعد أن یثور الشارع المصری مرة أخری علی الجیش المصری بإعتباره هو من قام بالإنقلاب العسکری علی الرئیس السابق محمد مرسی، خاصة بعد ما أعلنت حکومة الببلاوی عجزها عن حل أزمات البلاد فی شتی المجالات. لهذا السبب الجیش المصری الیوم یحس بخطر کبیر، یهدد مستقبله لیس فقط من قبل أنصار جماعة الإخوان المسلمین فحسب بل من قبل العدید من الحرکات و التیارات الاخری.
و فی الحقیقة فشل حکومة الببلاوی التی شکلها العسکر لم یکن أمر مستبعد، لأنه للاسف الشدید لم یعرف الشارع المصری خیراً من الحکومات التی شکلتها الآلة العسکریة فی مصر طیلة العقود الماضیة خاصة فی زمن حسنی مبارک و الذی کان یعتبر العسکر الید الیمنی لتنفیذ جمیع سیاسات حسنی مبارک تجاه الشعب المصری.
هنا یجب علی العسکر أن یفهم جیداً أن هذه المرة إذا ما إندلعت ثورة فی البلاد فإنها ستکون عارمة بکل معنی الکلمة لأن من سیشارک فیها لیس فئة محددة کالإخوان المسلمین بل ستکون بمشارکة کافة أطیاف الشعب المصری، کما حصل لنظام مبارک فی ثورة الـ 25 من ینایر عام 2011.
لذلک بعد ما أصبح العسکر یدرک هذه الحقیقة جیداً أن الشارع المصری یتجه نحو ثورة أخری، حاول من خلال التضحیة بحازم الببلاوی و إقالة حکومتة، إمتصاص غضب الشارع المصری و تسکین آلامه إلی حد ما.
إذاً علی الجیش المصری أن یعلم جیداً أن إستبدال حکومة الببلاوی بحکومة أخری لا فرق بینها و بین حکومة الببلاوی ألتی أعلنت إستقالتها قبل أسابیع لا طائل منه لحل أزمات البلاد و بناء علی هذا فمن الأفضل للجیش قبل فوات الأوان أن یضع حداً لکبح الحریات العامة فی البلاد و توفیر الأرضیة اللازمة لتحقیق المصالحة الوطنیة المبتنیة علی الإرادة الشعبیة، دون التأثیر برغبات الدول الاخری خاصة الولایات المتحدة الامریکیة و المملکة العربیة السعودیة.
