موقع الوقت التحليلي الإخباري | Alwaght Website

إن عملیات الجیش السوری فی شمال و شرق محافظة حلب الکبری و تحریر عدد من المدن و القری فی هاتین المنطقتین المحررتین یدل علی أن وقت تحریر مدینة حلب الإستراتیجیة قد اقترب.
من جهة أخری فإن ظهور ارتباط قادة المجموعات الإرهابیة المسلحة بشکل بامسؤولین الأمنیین فی الکیان الصهیونی إلی العلن یدل علی اشتداد حدة الأزمة التی تواجهها المعارضة المسلحة. فی الوقت نفسه فإن مقتل عدد من أبرز القادة المیدانیین للمجموعات المسلحة من بینهم «عبدالقادر صالح » أو کما یطلق علیه أتباعه حجی مارع یبین لنا من جهة مقدار تضرر هذه المجموعات الإرهابیة و من جهة أخری مدی التقدم الذی تحرزه القوات الحکومیة و الجیش السوری.
خلال الیومین الماضیین قام المراسل الصحفی لجریدة «ساندی تایم» بطباعة خبرین إلی جانب بعضهما؛ فقد کتب «روت شرکوک» مراسل هذه الجریدة أن عدداً کبیراً من قادة الألویة المسلحة من بینها «أحمد القنطاری» زعیم مجموعة «عمر المختار» فی منطقة جبل الزاویة قد تخلی عن هدف إسقاط النظام السوری و هو یقوم بجرائمه فقط مقابل أخذ الأموال من بعض الدول العربیة فی منطقة الخلیج الفارسی ثم یقوم بعد ذلک بالعیش فی قصور فخمة و یستخدم السیارات المرتفعة الثمن منتظراً تکلیفه بالمهمة التالیة.
کذلک أورد مراسل ساندی تایمز خبراً آخر نقلاً عن محطة تلفزیونیة ذات صلة بالکیان الصهیونی جاء فیه أن «أبو عدنان» و هو أحد قادة العناصر المسلحة فی سوریة قد قاما بملاقاة کل من یعقوب مارکی و مندی صفدی و هما مسؤولان فی الحکومة و البرلمان الإسرائیلی و قد تم اللقاء فی ترکیة. بعد هذا اللقاء أعلن الصفدی أن « إسرائیل ستتعاون مع أبو عدنان و بقیة قادة المجموعات المسلحة فی محاولة لتوحید المجموعات السوریة المسلحة». هذا فی الوقت الذی أصدر فیه المسؤولون الأمریکییون أمراً یقضی بمنع الإسرائیلیین عن إعلان موقفهم أو علاقتهم بالمجموعات المسلحة. إن هذین الخبرین یفضحان عمق الأزمة التی تمر بها المجموعات المعارضة لنظام بشار الأسد.
إن عملیات الجیش السوری خلال الأسبوعین الماضیین قد تمت بمنتهی الذکاء و علی عکس العامیین الماضیین فقد تم استهداف عناصر أکثر تأثیراً.إن مقتل عبد القادر الصالح الذی یعتبر من أهم قادة المجموعات الإرهابیة فی حلب دلیل علی تلک الحرکة الذکیة. فی بدایة الأزمة قام صالح بتشکیل لواء «أحرار مارع» و بهذا الشکل سیطر علی عدة مدن و قری فی الریف الحلبی. ثم عن طریق توزیع الأموال الطائلة استطاع أن یضم إلیه کافة المجموعات المسلحة و استطاع عملیاً السیطرة علی القسم الأکبر من مدینة حلب التی تعتبر أول مدینة إقتصادیة و اجتماعیة و ثانی مدینة سیاسیة فی سوریة.
لقد کان لصالح علاقات واضحة بحکومة أردوغان و أخوان المسلمین فی مصر و کان یمارس عمله کمسؤول رسمی لدرجة أن صلة الوصل بین الأخوان و حکومة مرسی و عبد القادر صالح هومعاون النائب العام للأخوان المسلمین «محمد فاروق طیفور». و فی الوقت نفسه فقد کان حلقة الوصل الرئیسیة بین المجموعات الإرهابیة السوریة و الإستخبارات الترکیة و قادة المجموعات المسلحة فی ترکیة. إن استغراق حرب القصیر ثلاثة أسابیع کان سببه إلی حد کبیر المقاومة الشرسة التی أبدتها قوات صالح المعروفة –بلواء التوحید-. بعد أن انهزمت مجموعته فی القصیر فی حمص توجهت إلی حلب و قد قُتل قبل أیام قلیلة شمال حلب علی ید الجیش السوری. مع مقتله اختفت معظم المجموعات المسلحة و الأشخاص الذین کانوا یعملون تحت إمرته کما تم تحریر قسم کبیر من مناطق الشمال الحلبی. مع تحریر هذه المنطقة أصبحت الحدود الشمالیة نوعاً ما بید الجیش السوری و تم إغلاق طرق المؤونة و المساعدات العسکریة و غیر العسکریة الترکیة التی کانت تصل للإرهابیین فی حلب بشکل واسع.
بغض النظر عن ذلک فإن السیطرة علی قسم من الحدود السوریة الشمالیة هو أمر بالغ الأهمیة، فی نفس الوقت فإن سیطرة الجیش السوری علی شمال حلب هو دلیل واضح علی قرب زمن تحریر حلب. کذلک و قبل یومین قامت قوات الجیش بعملیات هاجمت فیها المنطقة الواقعة شرق حلب و حررت العدید من المدن و من بینها تیاره. إن سیطرة الجیش أیضاً علی شرق حلب یدل علی أن الجیش أولاً قد قام بقطع و إضعاف ارتباط الإرهابیین فی الرقة و حلب مع بعضهم کما أنه من جهة أخری قام بمحاصرة المسلحین الموجودین فی شمال حلب. مع هذا الوصف و نظراً لقطع العلاقة بشکل کامل بین المجموعات الإرهابیة فی المنطقتین الجنوبیة و الغربیة من حلب یجعل مدینة حلب کلها تقع تحت حصار الجیش السوری و هذا معناه بدایة العد العکسی لتحریر حلب. إن تحریر حلب سیتبعه بالتأکید تحریر الرقة و إدلب و دیر الزور و سیزلزل أرضیة الإرهاب فی سوریة و سیجعل منه ضعیفاً و قابلاً للسیطرة بشکل کبیر.
إن هزیمة الإرهابیین فی سوریة قد أقلق الدول الداعمة لهم بشدة. من جهة عندما تکون السعودیة و ترکیة و الکیان الصهیونی فی صف التحالف الخاسر فعلیهم أن یقبلوا عواقب مواجهتهم للتحالف المنتصر و هذه الأفضلیة معناه انتصار محور المقاومة بحیث أن کفة المقاومة سترجح هذه المرة أکثر من ذی قبل. إن آثار هکذا موضوع یمکن مشاهدتها بشکل واضح فی لبنان و العراق و الأراضی المحتلة أی فلسطین و البحرین و السعودیة و ترکیة کما أنها قابلة للتوقع، فی هذا السیاق بإمکان ترکیة أن تقلل من تبعات هزیمة التحالف الخاسر و ذلک من خلال تصحیح مسارها و تقاربها من إیران. الموضوع الآخر هو أن انهزام الإرهابیین سیرتد علی دولهم. إن الأشخاص الذین کانت لدیهم تجربة حمل السلاح لن یرضوا ثانیة أن یعاملوا کمواطنین عادیین. هنا إما یجب علی الغرب أن یعترف بهم و بحقوقهم بشکل رسمی کمواطنین أو أن یجهز نفسه لمواجهة دمویة معهم.
هناک عواقب أخری لهزیمة الإرهاب ستترتب علی أوروبا. لم یدعم الأوروبیون إرهابیی سوریة فقط بل قدموا لهم التدریب و التسلیح و التنظیم و المعلومات اللازمة فهم بذلک شرکاء لهم لأنهم کانوا یسهلون الأمور لإرسال مواطنیهم المجرمین إلی سوریة لدرجة أنه یمکن القول أن عدد الإرهابیین الذین تم إرسالهم من أوروبا قد تجاوز آلاف الأشخاص. لکی تتمکن أوروبا من السیطرة علی عواقب دعمها للإرهاب فی سوریة قامت بلعبة ذات عدة وجوه. من جهة تسعی أوروبا من خلال معارضة إقامة «جنیف2» الحصول علی مکتسبات و لو کانت قلیلة لترمم فیها إحباط الأوروبیین من وکالات الإستخبارات و المؤسسات السیاسیة للحکومات الأوروبیة. علی أی حال فإن هذا الموضوع بلا جدوی لأنه و بالتأکید فإن الحکومة التی استطاعت خلال ثلاث سنوات أن تحمی مدنها من حرب الجبهة المشترکة «الغربیة العربیة العبریة للإرهاب» و تخرج من ذلک فإنها لن تقدم أیة تنازلات فی مؤتمر جنیف و لیس لدیها أی قلق من فشل المفاوضات. من جهة أخری فقد بدأت منذ ثلاثة أشهر الإتصالات بین الدول الأوروبیة مع الحکومة السوریة من أجل إعادة العلاقات الدیبلوماسیة إلی وضعها العادی کما کانت فی السابق کما أن بعض السفراء قد عادوا إلی دمشق، إن قیام أوروبا بهذا الأمر قبل الإعلان الرسمی لهزیمة الإرهاب فی سوریة یهدف إلی إخفاء دورها الذی لعبته فی هذا الإرهاب خلال ثلاث سنوات و أن یتم تقدیمها إذا أمکن کطرف یواجه الإرهاب!و هذا لن ینفع أیضاً لأن دعم الدول الأوروبیة للإرهاب کان واضحاً جداً لدرجة أنه لا یمکن إخفاؤه. لا شک فی أن الأوروبیین و کما جرت العادة عندما تصل إلی أنوفهم رائحة الهزیمة فإنهم یستعینون بأصدقائهم و حلفائهم من أجل الوساطة و قد أوکلوا متابعة هذا الأمر للعرب.
قبل یومین قام «صدام الجمل» و هو أحد العناصر المؤثرة فی «جبهة النصرة» -بدعم سعودی- بتسریب فیلم إنترنیتی حیث ظهر فیه إقامة اجتماع حضره بعض قادة المجموعات المسلحة فی شرق و شمال سوریة مع أمیر أحد الدول الخلیجیة و المسؤولین الأمنیین لبعض الدول العربیة المطلة علی الخلیج الفارسی و دولة جارة لسوریة- کما قلنا سابقاً هی إسرائیل-. حیث أظهر المجتمعون قلقهم من سیر العملیات فی سوریة کما شجعوا المجموعات المسلحة علی مقاومة الجیش السوری و الصمود فی وجهه.
إن نهایة الأزمة السوریة هو أمر مؤلم للغرب. لأن هزیمة جبهة کاملة من أمریکا حتی أوروبا و ترکیة و الکیان الصهیونی هو أمر معناه الإعتراف بالعجز لا أکثر. یجب علی الأمریکیین أن یعترفوا أنهم لم یستطیعوا توجیه أزمة أنفقوا علیها کثیراً باتجاه الأهداف التی کانوا یریدونها. علی أمریکا أن تقر بأنها لا تمتلک المقدرة علی إدارة أزمة و علی أوروبا أن تقبل بإن التحالف مع أمریکا و أتباعها فی المنطقة لن ینتهی بالفوز و إن هذا الأمر یضر بمصالحهم الهامة. فی نهایة هذه الأزمة علی ترکیا الإعتراف أن الوقوف فی مواجهة محور المقاومة لا فائدة منه و أن استخدامها لأمریکا و أوروبا و الکیان الصهیونی لن یعوض النقص الجیوسیاسی الذی تعانی منه.
علی ترکیا أن تفهم أنها لا تستطیع العبور من سد ثلاث دول متحدة هی سوریة و إیران و العراق، کما لیس باستطاعتها تجاهل19 ملیون کردی و 23 ملیون علوی و 40 ملیون سنی من مواطنیها و کلهم محبون لأهل البیت(ع) و مؤیدون لإیران. إن التجربة السوریة یجب أن تُفهم أردوغان أن نظریة « العثمانیة الجدیدة» لن تلق النجاح داخل ترکیة و لا فی المنطقة و لا حتی علی مستوی العالم،و من هنا علی أنقرة أن تعید تقویة موقعها فی المنطقة باعتبارها جزءاً منها. إن أحداث سوریة یجب أن تُفهم کافة العرب المتحالفین مع الغرب أن الوقوف فی مواجهة محور المقاومة برغم الدعم الغربی الکبیر و التجهیز اللوجیستی لن یصل إلی نتیجة. و علی هؤلاء القادة العرب أن یفهموا أن المواجهة العسکریة و الأمنیة مع جبهة المقاومة تزید من قوة المقاومة . ألم یکن قبل هذه الأزمة لا یوجد و لا عنصر دفاع وطنی و قد بلغ عددهم الآن مائة ألف شخص و هذا معناه انضمام جیش جدید إلی جیوش المقاومة، أو لم یقوم العراقیون بإرسال قواتهم إلی ساحة المعرکة للدفاع عن حرم أهل البیت(ع) فی سوریة کما أن حماساً جدیداً قد خُلق فی إیران فیما یخص الأزمة السوریة کما أن کافة صفوف المقاومة أصبحت أکثر انسجاماً فی کل هذه المراحل. الآن و بعد مضی ثلاث سنوات ما الذی حصل علیه العرب و الغرب و ترکیة؟ من الآن و صاعداً فإن کل من السعودیة و قطر و ترکیة و فرنسة و إنکلترا و أمریکا ستصحو علی کابوس انفجار فی نقطة حساسة من عاصمتها قد قام به أحد الأشخاص الذین دربتهم و علمتهم و هذا هو التفسیر الواقعی للآیة الکریمة « ومکروا و مکر الله و الله خیر الماکرین»
المصدر: قدس أونلاین