الوقت- شهدت قرية مردة شمال سلفيت خلال الفترة الأخيرة تدمير نحو 61 دونماً من الأراضي الزراعية على يد الجيش الإسرائيلي، وفقاً لتقارير حماس، هذه الخطوة ليست مجرد حادثة عشوائية، بل تعكس نمطًا متكرراً من استهداف الأراضي الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية، وخاصة تلك القريبة من المستوطنات الإسرائيلية. الأراضي الزراعية لم تكن مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هي جزء من الهوية الفلسطينية الاقتصادية والاجتماعية، وفقدانها يضعف قدرة الأهالي على الاستمرار في حياتهم اليومية، ويزيد من الضغوط على المجتمع الفلسطيني، حماس ترى في هذا التدمير جزءاً من مخطط أوسع يهدف إلى تهويد المنطقة وتغيير الواقع على الأرض بما يخدم الأهداف الإسرائيلية.
تهويد الأرض: استيطان وضغط ديموغرافي
تتحدث حماس عن سياسة "التهويد" باعتبارها استراتيجية إسرائيلية متعمدة لتغيير طبيعة الضفة الغربية الديموغرافية والجغرافية، المستوطنات التي يتم بناؤها على أراضٍ فلسطينية، إضافة إلى هدم المنازل وتدمير الأراضي الزراعية، تؤدي إلى تقليص المساحات المتاحة للفلسطينيين، هذا التغيير يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية متصلة، ويزيد من عزلة المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، سياسات الضم هذه لا تقتصر على السيطرة على الأراضي فقط، بل تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الاجتماعي والثقافي، بما يضمن بقاء التفوق الإسرائيلي واستمرار النفوذ على الأرض.
تأثير التدمير على الاقتصاد المحلي
الأراضي الزراعية المتضررة تعتبر مصدر رزق رئيسي للعائلات في مناطق الضفة الغربية، وتهدمها يعني فقدان هذا المصدر الحيوي للدخل. يعتمد كثير من الفلسطينيين على الزراعة لتأمين احتياجاتهم اليومية ولتصدير بعض المحاصيل، وفقدان هذه الأراضي يضع المجتمع أمام تحديات اقتصادية كبيرة، هذا الضغط الاقتصادي يعمّق الهوة بين الفلسطينيين وفرصهم لإقامة دولة مستقرة، حيث يصبح التركيز على البقاء والمعيشة اليومية أكثر أهمية من التخطيط السياسي أو الاقتصادي على مستوى الدولة، في هذا السياق، يمكن اعتبار هدم الأراضي وسيلة لتقويض الأساس الاقتصادي الذي تقوم عليه فكرة الدولة الفلسطينية.
التحديات القانونية والسياسية أمام الفلسطينيين
يواجه الفلسطينيون تحديات كبيرة على الصعيد القانوني والسياسي بسبب سياسات التهويد والضم الإسرائيلية، الأراضي المتضررة تُسجل أحياناً ضمن ممتلكات الدولة الإسرائيلية أو تُخصص للمستوطنات، ما يجعل الدفاع القانوني عن الحقوق الفلسطينية صعباً ومعقداً. عدم وجود حماية دولية فعّالة يزيد من صعوبة الضغط على إسرائيل لتوقف هذه الإجراءات، كما أن الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية تحد من القدرة على تقديم موقف موحد. مواجهة هذه التحديات تتطلب تنسيقاً بين الفصائل الفلسطينية، دعم حقوقي دولي، وتحرك دبلوماسي فعال لضمان حماية الأرض الفلسطينية ومنع استمرار تهويد الضفة الغربية.
الاستجابة الفلسطينية والمقاومة
حماس واصلت تحذيراتها من استمرار هذه السياسات، ودعت إلى تصعيد المقاومة على المستويين الشعبي والسياسي. من وجهة نظرها، عدم مواجهة هذه السياسات يعني السماح لـ"إسرائيل" بالسيطرة على المزيد من الأراضي وتهويدها بشكل نهائي. المقاومة في هذا السياق ليست بالضرورة عنفاً، بل تشمل الدفاع عن الأراضي، الدعم القانوني للفلسطينيين، وحماية المجتمعات المتضررة، هذه الاستراتيجية تعكس إدراك حماس أن أي خطوة تجاه إقامة دولة فلسطينية لن تنجح إذا لم يكن هناك مقاومة فعالة ضد محاولات ضم الأراضي وتهويدها، ما يجعل الصراع على الأرض محور استمرار القضية الفلسطينية.
التأثير النفسي والاجتماعي على الفلسطينيين
هدم الأراضي الزراعية وتوسيع المستوطنات لا يؤثر فقط على الجانب الاقتصادي، بل له آثار نفسية واجتماعية عميقة على الفلسطينيين، فقدان الأرض يُضعف الشعور بالاستقرار ويزيد القلق من المستقبل، وخصوصاً للأجيال الجديدة.
الانقسامات في المجتمعات المتضررة بين من يهاجر ومن يبقى تزيد من صعوبة الحياة اليومية، ويضعف قدرة الأسر على التخطيط طويل الأمد، هذا الواقع يعكس تأثير الاحتلال على البنية المجتمعية الفلسطينية، حيث يصبح الحفاظ على الهوية والارتباط بالأرض تحدياً مستمراً، ويزيد من الحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي لمواجهة التهجير والضغط المستمر من السياسات الإسرائيلية.
تأثير المستوطنات على فرص إقامة دولة فلسطينية
المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية تشكل عقبة كبيرة أمام إقامة دولة فلسطينية متصلة. البناء المستمر للمستوطنات والطرق المخصصة لها، بالإضافة إلى تدمير الأراضي الزراعية، يقلل المساحات الصالحة للحياة الفلسطينية، ويعزل القرى والمدن عن بعضها البعض.
هذا التحدي الجغرافي يعقد الخطط السياسية لإقامة دولة فلسطينية قادرة على السيطرة على أراضيها، ويجعل فكرة الدولة المستقبلية غير قابلة للتنفيذ إلا بمفاوضات شاملة وحماية دولية قوية، في ظل استمرار هذه السياسات، يبدو أن الفجوة بين الواقع على الأرض والأحلام الوطنية الفلسطينية تتسع.
مخاطر الصمت الدولي والتداعيات المستقبلية
صمت المجتمع الدولي أو عدم فرض ضغوط قوية على إسرائيل لتوقف سياسات التهويد والضم يمكن أن يكون له تداعيات بعيدة المدى، استمرار تدمير الأراضي الزراعية وبناء المستوطنات يعني أن أي اتفاق سياسي محتمل لإنشاء دولة فلسطينية سيواجه تحديات جغرافية واقتصادية كبيرة.
حماس ترى أن الوقت حاسم، وأن أي تأخير في التصدي لهذه السياسات سيؤدي إلى تغير دائم في الواقع الفلسطيني، بحيث تصبح إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة أكثر صعوبة، لذلك، التحرك المحلي والدولي العاجل أصبح ضرورة للحفاظ على الأرض الفلسطينية ومنع تدمير أسس الدولة المستقبلية.
روح المقاومة الفلسطينية: صمود يتجاوز التحديات
على الرغم من كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تظل روح المقاومة الفلسطينية جوهر الصمود على الأرض وحماية الهوية الوطنية، هذه الروح تتجلى في التمسك بالأرض، الدفاع عن الحقوق، والاستمرار في الحياة رغم الضغوط المستمرة من سياسات التهويد والضم.
المقاومة ليست مجرد مواجهة مباشرة، بل تشمل التلاحم المجتمعي، التعليم، الثقافة، والعمل القانوني والسياسي لتثبيت الوجود الفلسطيني، إنها رسالة واضحة للعالم بأن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وأن حلم الدولة المستقلة والحياة الكريمة سيبقى حاضراً، مستندًا إلى إرادة قوية وعزيمة لا تلين أمام محاولات تغييب الأرض والهوية.
