الوقت- قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القيام بزيارة رسمية إلى واشنطن في الـ 18 من نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تأتي هذه الزيارة في أعقاب زيارة ترامب للرياض في مايو/أيار 2015، والتي أشاد خلالها ترامب بالإصلاحات الاقتصادية السعودية وأعلن استعداده لتوسيع التعاون الأمني والتكنولوجي بين البلدين.
يأمل مسؤولو البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاقيات رئيسية في مجالات الأمن والطاقة والاستثمار خلال هذه الزيارة، من شأنها تعزيز مكانة السعودية كشريك رئيسي في سياسة ترامب الإقليمية، والأهم من ذلك، أن الرياض تسعى جاهدة للضغط على واشنطن للموافقة على شراء طائرات الشبح المقاتلة من طراز F-35A Lightning II، وهي صفقة تعطلت في عهد إدارة بايدن السابقة، أعلن ترامب استعداده للمضي قدمًا في الصفقة، واصفًا إياها بـ"خطوة كبيرة للصناعة العسكرية الأمريكية".
حذّر محللون إسرائيليون من أن الصفقة - التي تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات - قد تُقوّض التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"، والذي كفله القانون الأمريكي لعقود.
كما يعمل الجانبان على اتفاقية دفاعية مماثلة لاتفاقية التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وقطر لعام 2014، والتي تتضمن ضمانات أمنية متبادلة وتوسيع حقوق الوجود العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية.
وقال مسؤولون إنه من الممكن توقيع الاتفاقية خلال الزيارة، ما يُنشئ إطارًا دفاعيًا يُشبه حلف شمال الأطلسي (الناتو) المُصغّر في الخليج، ويقول المؤيدون إنها ستردع الهجمات الإيرانية واليمنية.
ومن المتوقع أيضًا أن يدفع ابن سلمان نحو صفقة نووية مدنية بموجب المادة 123 من الدستور الأمريكي، التي تسمح للشركات الأمريكية بالمشاركة في برنامج الطاقة النووية المدنية السعودي.
وتشمل مطالب السعودية تخصيب اليورانيوم بشكل محدود، وهي قضية عارضتها الإدارات الأمريكية السابقة، مع ذلك، أبدى ترامب استعداده لإعادة النظر في الشروط، مدعيًا أن المشروع يُعزز أهداف رؤية السعودية 2030 في تنويع الاقتصاد، من ناحية أخرى، لا تزال هناك مخاوف مستمرة لدى القادة الإسرائيليين بشأن انتشار التقنيات النووية في دول المنطقة.
ستشمل المحادثات أيضًا التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، ومشاريع البنية التحتية، وتنويع مصادر الطاقة، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات المشتركة عشرات المليارات من الدولارات، وقد ربط ترامب هذه البرامج بأجندته الاقتصادية، شعار "أمريكا أولًا"، وشدد على مبدأ المعاملة بالمثل ومشاركة القطاع الخاص في المشاريع الكبرى.
الأسلحة الأمريكية ومفهوم الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"
من الأسباب الأساسية لدعم أمريكا ودعمها المطلق للصهاينة الاستراتيجية السياسية للبيت الأبيض تجاه هذا الكيان، والتي تتجلى بشكل خاص في مبادئ السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني، وهي "مفهوم الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".
يُعد مفهوم الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" أحد المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني، والتي تبلورت على مدى العقود الماضية، وترسخت في القوانين والسياسات الأمريكية.
تعني هذه السياسة ضمان تفوق هذا الكيان على الدول الأخرى في منطقة غرب آسيا من حيث التكنولوجيا والأسلحة والقوة العسكرية.
تتجذر سياسة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تعززت تدريجيًا منذ قيام الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨، إلا أن هذا المفهوم تبلور تحديدًا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بعد الحروب العربية الإسرائيلية (مثل حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ وحرب يوم الغفران عام ١٩٧٣).
أهداف قانون الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"
تسعى سياسة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية وسياسية محددة:
- ضمان أمن الكيان الصهيوني
من وجهة النظر الأمريكية، يحتاج الكيان الصهيوني إلى قوة عسكرية عالية وقوية نظرًا لموقعه الجغرافي وصراعاته العديدة مع الدول المجاورة (مثل إيران أو محور المقاومة)، يضمن التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد هذه التهديدات.
- الردع الإقليمي من خلال الأسلحة الحديثة
يُمثل التفوق العسكري لـ"إسرائيل" عاملاً لردع الهجمات المحتملة، ويرى قادة البيت الأبيض أن هذه السياسة تُمكّن الصهاينة من منع الحرب دون الحاجة إلى صراعات واسعة النطاق، كما أنه من الضروري ألا تمتلك أي دولة في المنطقة هذا المستوى الحديث من الأسلحة.
- تعزيز التحالف الاستراتيجي
تنظر الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني كحليف رئيسي في غرب آسيا، يؤدي الدعم العسكري لهذا الكيان إلى تعزيز القوة العسكرية الصهيونية في المنطقة، وبالتالي يمنح الولايات المتحدة فرصة ممارسة نفوذ استراتيجي واسع في المنطقة.
- توازن مبيعات الأسلحة
تبيع الولايات المتحدة أيضًا أسلحةً لدول عربية مثل السعودية والإمارات ومصر، لكنها تُحافظ على خطوط حمراء واضحة في هذا الصدد حتى يومنا هذا، يضمن قانون التفوق العسكري النوعي (QME) أن تتم هذه المبيعات بطريقة تحافظ على التفوق العسكري للكيان الصهيوني.
لماذا يقلق الصهاينة من زيارة ابن سلمان؟
كما ذُكر سابقًا، فإن المعيار الأهم لصفقات الأسلحة الأمريكية في منطقة غرب آسيا حتى الآن هو الحفاظ على التفوق العسكري للكيان الصهيوني نظرًا لامتلاكه أحدث تقنيات الأسلحة، بما في ذلك مقاتلات الجيل الخامس، وهي تقنيات لا تتوافر في أي دولة أخرى في المنطقة، لذا، إذا امتلكت حكومة أخرى في المنطقة مثل هذه الأسلحة الحديثة (بما في ذلك مقاتلات F-35)، فعلى الصهاينة أن يقلقوا بشأن عواقب مثل هذا الحدث، لأنه يوجد الآن طرف منافس في هذا المجال.
ردًا على نشر خبر محاولة السعودية شراء مقاتلات إف-35 من الولايات المتحدة، كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت أن هذه الخطوة تُمثل اتفاقًا غير مسبوق من واشنطن لتزويد السعودية بأحدث الطائرات المقاتلة. وأضافت الصحيفة الصهيونية إن الاتفاق يأتي في إطار اتصالات مكثفة تسعى من خلالها السعودية إلى توقيع اتفاقية دفاعية شاملة مع الولايات المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن هذه الخطوات تُمثل تغييرًا جذريًا في السياسات الأمريكية المُعتادة على مدى العقود الماضية، والمتمثلة في عدم بيع طائرات مقاتلة متطورة للدول العربية التي لم تُطبّع علاقاتها علنًا مع تل أبيب.
إن أكبر مشكلة تواجه الصهاينة هي فقدانهم تفوقهم العسكري في المنطقة. ومن القضايا الرئيسية التي يُناور بشأنها قادة هذا الكيان ضد دول المنطقة التفوق العسكري. في الواقع، إن أبرز ما يُظهره الصهاينة أمام شيوخ المنطقة هو الأسلحة الحديثة التي تحلم بها الحكومات العربية، والتي لم يُحقق البيت الأبيض هذه الأمنية حتى اليوم.
هناك مسألة أخرى تتعلق بتعريض خطط الكيان الصهيوني، بما في ذلك خطط "إسرائيل الكبرى"، للخطر. فلتنفيذ مشاريعهم العدوانية، يحتاج الصهاينة إلى وضع تعجز فيه الدول المستهدفة عن المقاومة، كما يحدث اليوم في سوريا.
ووفقًا لمصادر سورية رسمية، فإن السبب الرئيسي لعدم رفع العقوبات عن البلاد بشكل كامل هو اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ما يمنع جيش هذا البلد من إعادة بناء نفسه ومقاومة عدوان جيش الكيان الصهيوني.
يُقدّر بعض الخبراء حاليًا أن تلبية مطالب دول مثل السعودية وتركيا بتسليم طائرات مقاتلة حديثة أمر مستبعد للغاية، لأن قادة الولايات المتحدة يدركون جيدًا أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى إضعاف أسلحة حليفهم الأمني الأهم، الكيان الصهيوني، وهم غير متأكدين من أن هذه الطائرات المقاتلة لن تُستخدم أبدًا ضد الكيان الصهيوني.
