الوقت- في قمة دولية عقدت في شرم الشيخ بتاريخ الـ 13 من أكتوبر 2025، برز مشهد استقبال القادة من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصورة فردية، قبل أن تُلتقط صورة جماعية ختاميّة، كأنما يُراد لهذا المشهد أن يكون عرضًا رمزيًا يُثبت أنّه المحور، وأن من يحضر إلى جانبه هو من “يعترف” بمركزيّته، هذا التصرّف يخالف عُرف الاجتماعات الدولية التي غالبًا ما تبدأ بصورة جماعية متوازنة تعكس المساواة الرمزية بين الدول، وليس مثل طابور احترام يُواجه الواحد تلو الآخر أمام كاميرات الإعلام، ما يثير سؤالًا عميقًا: هل الدول التي قادت ذلك المشهد اختارت أن تُظهر التبعية الرمزية للرئيس الأمريكي، أم إنها استُغرِقت في “لعبة الظهور السياسي” أكثر من مصلحة شعوبها؟
إيران ترفض الذهاب
المفارقة المهمّة أن إيران اتخذت قرارًا مغايرًا تمامًا؛ لم ترضخ لهذا العرض الرمزي من الانخراط في مشهد يُبنى على الصورة الفردية مع ترامب، معتبرة أن مثل هذا المشهد يُمَثّل قبولًا ضمنيًّا بمركزية أمريكا في صياغة المصالح والتسويات، حتى لو كانت القمة تدّعي أنها اجتماع من أجل السلام أو إعادة الإعمار في غزة، هذا الموقف لا ينبع من رفض السّلام أو المساعدة، بل من رفض أن تُستخدم دولة كجزء من عرض إعلامي يرسّخ هيمنة دون مساءلة حقيقية.
الأبعاد المصلحيّة وراء الابتسامات المصوَّرة
الدول التي خاضت هذا “الطابور” لديها مبرّرات عملية: الحاجة إلى التمويل، الرغبة في ضمان إعادة الإعمار، الرغبة في تحسين صورتها الدولية، والقلق من أن تُترك خارج تشكيل التحالفات الجديدة التي يُراد أن تُركّب حول الولايات المتحدة، إلّا أن هذه المبرّرات لا تُبرّئ المشهد من كونه يُسهم في تعزيز انطباعات بأن بعض الدول “تُساوم” على رمزيّاتها من أجل المنافع الفورية، وربما تُقوّض استقلاليتها في المدى المتوسط إذا لم تحرص على شروط واضحة في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.
كيف يُعاد تشكيل النفوذ من خلال الصور؟
الصور الفردية مع رئيس أمريكي تُشكل مادة إعلامية ثمينة، تُستخدم في الحملات السياسية الداخلية والخارجية، لإظهار أن الدولة “قريبة من القرار العالمي”. في حين أن الصور الجماعية التي تُختتم بها القمم غالبًا ما تُستخدَم لتلطيف المشهد، لكنها لا تُغَيّر الانطباع الأول، وخاصة عند الإعلام المعني: “من ابتعد، من اقترب، من قيل أنه تهاوى مقابل صورة”، من هذا المنطلق، يُمكن اعتبار ما جرى في شرم الشيخ ليس مجرد خطأ بروتوكولي أو اختيار عشوائي، بل عملية مدروسة لإعادة رسم رمزية الزعامة العالمية، حيث يُراد من خلال وسائل الإعلام أن يُصبح ترامب هو نقطة الانطلاق السياسية أمام جمهور العالم.
إيران ليست “المختفية” بل صاحبة قرار
يُعدّ موقف إيران الرافض للمشاركة أو التصوير الفردي بجانب ترامب موقفًا لا يقلّ أهمية عن حضور القمم بقدر ما يُمثّل إعلانًا: أن السلام وإعادة الإعمار لا يتمّان عبر مشاركات تبدو للعيان وكأنها شهادات قبول ضمنيّة بالترتيب الدولي الذي تُشوّقه أمريكا، إيران، من منظورها، لا ترغب في أن تُستخدم في ما يُشبه “الاستعراض السياسي” بينما القرارات المصيرية تُتّخذ خارج الأضواء، بعيدًا عن المحاسبة والشفافية، هذا الموقف يُظهِر قوة بديلة: أن رفض العرض الرمزي يمكن أن يكون أحيانًا أكثر تأثيرًا من القبول الذي قد يُشكّل سطوة جديدة على السيادة والكرامة.
نقد المبادرات التي تفتقر للتنفيذ
واحد من أبرز الانتقادات التي تُوجَّه للحدث هو أن البيان المشترك الذي صدر لم يُقدّم حتى الآن آليات تنفيذ واضحة أو تمويلًا مضمونًا أو جدولًا زمنيًا معيّنًا يُمكن محاسبته، الصورة الرمزية والصورة الإعلامية قد تُخفّف من ضغط الأزمات، لكن لا يُمكن لها أن تستبدل العمل الميداني، الدول التي قبلت الظهور في الطابور الرمزي مع ترامب عليها أن تُطرح عليها أسئلة داخلية وخارجية: ماذا قدمتم فعلاً لغزة بعد القمم؟ وهل تضمنتم أن يُنفَّذ التمويل؟ وهل حصّلتُم ضمانات لاستقلالية القرار في اختيار الشُركاء والمقاولين؟ أم إن بعضكم وافق على أن يكون “ضحية صورة” مقابل وعود غير محققة حتى الآن؟
من “الصورة” إلى المضمون
إنّ ما جرى في شرم الشيخ ليس حادثًا بريئًا يُمكن تجاوزه بابتسامة جماعية؛ بل هو فصل جديد في “سياسة الظهور” التي تستثمرها الدول الكبرى لإظهار نفوذها، وضغطها، وفرضها للمنهج، إيران في هذا السياق اختارت أن تُخالف هذا المنهج الرمزي، أرضاءً لمبدأ الكرامة والشرعية، هذا الموقف قد يُكلفها في بعض التفاعلات الدولية، لكنه يكسبها في الرأي الداخلي وفي سجلها السياسي موقفًا يستطيع أن يُذكَّر به: أن هناك من لا يقبل الخضوع ، حتى إن كان ذلك مقابل بعض المكاسب المؤقتة، الدول التي شاركت يجب أن تشرح لشعوبها: هل صورها مع ترامب كانت تمتلك مضمونًا؟ وهل تلك الصور ستُترجَم إلى تحسين فعلي في حياة المدنيين؟ وهل ضمنت مصالحها دون أن تُفرّط في رمزية سيادتها؟