الوقت- تشهد الساحة السورية في الآونة الأخيرة تصعيداً خطيراً بين الفصائل الإرهابية التي تتقاسم مناطق النفوذ، حيث دخلت خلافاتها مرحلة أشد قسوة من أي وقت مضى، فبعد سنوات من القتال ضد الدولة السورية ومحاولة السيطرة على الأراضي، باتت هذه الفصائل اليوم تتصارع فيما بينها على المال والموارد، وخصوصاً حقول النفط والمناطق الاستراتيجية التي تمثل شرياناً حيوياً لتمويل أنشطتها.
الاشتباكات الدائرة لم تعد مجرد مناوشات محدودة، بل تحولت إلى مواجهات مسلحة واسعة تهدف إلى إقصاء المنافسين وإحكام السيطرة الكاملة على مناطق بعينها، هذه التطورات تكشف عن عمق الانقسام الداخلي الذي يهدد بإنهاء وجود بعض الفصائل أو ابتلاعها من قبل أخرى أكثر قوة وتنظيماً.
النفط محرك أساسي للصراع
لا يخفى أن السيطرة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها النفط، تمثل العامل الأكثر حسماً في الصراع بين الجماعات المسلحة، فالمناطق الغنية بالنفط شمال وشرق سوريا تحولت إلى ساحة صراع مفتوحة، حيث يسعى كل فصيل للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من العوائد عبر تهريب النفط إلى دول الجوار، هذه التجارة غير المشروعة باتت تشكل مورداً رئيسياً لتمويل العمليات العسكرية، وشراء الأسلحة، وضمان ولاء المقاتلين.
من هنا يمكن فهم شراسة المعارك الحالية، فهي ليست مجرد صدامات عابرة بل صراع وجودي يتعلق بقدرة هذه الجماعات على البقاء والاستمرار، وفي ظل الحصار الدولي والضغط العسكري، أصبحت السيطرة على برميل النفط الواحد تعني الكثير، بل قد تحدد مستقبل الفصيل المسلح نفسه.
خلافات القيادات وتفكك البنية الداخلية
العامل الآخر الذي يفسر احتدام الصراع هو الانقسام داخل البنية القيادية لهذه الجماعات، فبعد أن تمكن أحد الفصائل من السيطرة على مساحات أوسع من المدن الاستراتيجية، شعر منافسوه بالتهديد المباشر لمصالحهم، ما دفعهم إلى التحرك بقوة لاستعادة النفوذ المفقود، هذا الانقسام يعكس طبيعة هذه التنظيمات التي تقوم على الولاء الشخصي والهيمنة الفردية، حيث يسعى كل قائد إلى تكريس سلطته الخاصة بعيداً عن أي إطار تنظيمي متماسك.
وما يزيد الأمر تعقيداً أن هذه الخلافات لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد إلى التوزيع غير العادل للموارد المالية والنفوذ المحلي، وبالتالي فإن الصراع الحالي يحمل في طياته أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية، وليس مجرد مواجهة عسكرية بحتة.
التعتيم الإعلامي ودور القوى الخارجية
من اللافت أن هذه المواجهات الدموية تجري في ظل تعتيم إعلامي كبير، حيث تحرص بعض القوى الدولية والإقليمية على منع تسليط الضوء عليها، الهدف من هذا التعتيم هو إبقاء الرأي العام بعيداً عن حقيقة ما يجري داخل الأراضي السورية، ومنع كشف الانهيار الداخلي لهذه التنظيمات التي طالما قُدّمت على أنها قوى متماسكة وفاعلة.
هذا التعتيم لا يخدم سوى استمرار الفوضى وتمديد عمر الأزمة، إذ يحجب الحقائق عن المجتمع الدولي، ويعطي المجال للفصائل كي تواصل صراعاتها بعيداً عن أي محاسبة أو ضغط، ومن هنا يمكن القول إن بعض الأطراف الخارجية ترى في هذه الفوضى فرصة لإبقاء سوريا في حالة ضعف وانقسام، بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا
التطورات الأخيرة تحمل تداعيات بالغة الخطورة على مستقبل سوريا والمنطقة ككل، فمن جهة، فإن استمرار هذه الصراعات الداخلية قد يؤدي إلى مزيد من تدمير المدن والبنية التحتية، وإلى تهجير السكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم وسط نيران متقاطعة، ومن جهة أخرى، فإن تآكل هذه الجماعات من الداخل قد يفتح الباب أمام تحولات جديدة في موازين القوى على الأرض.
احتمال تفكك بعض الفصائل أو اندماجها تحت قيادة موحدة يظل قائماً، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية الخطر، بل قد يؤدي إلى ظهور تشكيلات أكثر تشدداً ووحشية، تسعى لتعويض خسائرها عبر تصعيد الهجمات الإرهابية ضد المدنيين.
قراءة تحليلية للمشهد الراهن
إن ما يحدث اليوم بين الفصائل الإرهابية في سوريا ليس سوى انعكاس طبيعي لبنية هشة قائمة على المصالح الضيقة والولاءات المتقلبة، فغياب مشروع سياسي واضح، وافتقاد أي رؤية لبناء دولة أو إدارة مجتمع، يجعل هذه التنظيمات عاجزة عن تجاوز الخلافات الداخلية.
من منظور تحليلي، يمكن القول إن الصراع الحالي يمثل مرحلة جديدة من الحرب في سوريا، مرحلة لا تتعلق بمواجهة الدولة السورية وحدها، بل بحروب داخلية بين الفصائل نفسها، وهذا يعزز فرضية أن هذه الجماعات، مهما حققت من تقدم ميداني مؤقت، ستظل عاجزة عن الحفاظ على وحدتها واستمراريتها.
صراع ينهك الجميع
الاقتتال الداخلي بين الجماعات الإرهابية في سوريا ليس مجرد تفصيل عابر في المشهد، بل هو تحول جوهري قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة، فبينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من دمائهم وأمنهم واستقرارهم، تستنزف الفصائل مواردها في صراع عبثي على السلطة والثروة.
قد يرى البعض أن هذا الاقتتال يصب في مصلحة إضعاف الإرهاب على المدى البعيد، غير أن الواقع يؤكد أن استمرار الفوضى دون حلول سياسية شاملة سيبقي سوريا ساحة مفتوحة للصراعات والتدخلات الخارجية، إن ما يجري اليوم هو تحذير واضح من أن غياب الاستقرار الحقيقي يترك المجال دائماً لحروب جديدة، حتى لو كانت بين الحلفاء السابقين أنفسهم.