الوقت- حين كان فيه آلاف اليمنيين يشيّعون جثامين شهداء الغارات الصهيونية في صنعاء، جاءت لحظة الانفجار السياسي والعسكري التي قلبت المعادلات، فقد ردّت صنعاء على العدوان الدموي الذي استهدف رئيس الوزراء الشهيد أحمد غالب الرهوي وثلة من وزرائه، بعمليتين نوعيتين، إحداهما بحرية ضد ناقلة نفط إسرائيلية في البحر الأحمر، والأخرى جوية ضد أهداف في فلسطين المحتلة.
هذه الضربات لم تكن مجرد ردٍّ عابر، بل حملت رسائل عميقة للكيان الصهيوني ولحلفائه الإقليميين، مفادها بأن اليمن لم يعد يقبل بدور الضحية، بل بات قادراً على تحويل جراحه إلى سلاح، ودماء شهدائه إلى وقود لمعركة الوعي والسيادة، صنعاء اليوم لم تدفن شهداءها في صمت، بل رفعتهم راياتٍ في وجه المعتدي، وأعلنت أن زمن الاستهداف بلا ثمن قد انتهى، وأن الشعب اليمني بما يملك من إرادة صلبة وصمود استثنائي، قادر على فرض معادلات جديدة في ميزان الردع الإقليمي.
جريمة استهداف البنية السياسية
الغارة الإسرائيلية الغادرة التي استهدفت الوزراء في صنعاء لم تكن عملاً عسكرياً تقليدياً، بل جريمة مدروسة قصدت ضرب العمود الفقري للدولة اليمنية، استشهاد رئيس الوزراء وعدد من وزرائه كشف أن الكيان الصهيوني لا يتردد في استهداف مؤسسات الحكم المدنية، متجاوزاً كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، هذه الجريمة لم تمس أفراداً فقط، بل مثّلت محاولة لاغتيال الإرادة السياسية لشعب كامل، لكن ما غاب عن حسابات العدو أن اليمن ليس ساحة رخوة يمكن كسرها بسهولة، بل ساحة مقاومة يتجدد منها الصمود كلما نزفت الدماء، الشهداء الذين ارتقوا في ذلك اليوم تحولوا إلى رموزٍ للوحدة الوطنية، وأصبح استهدافهم محفزاً لإعادة ترتيب الأولويات اليمنية، لقد حاولت تل أبيب أن توجه ضربة معنوية، فإذا بها تزرع بذور مقاومة أشد وأقوى.
البحر الأحمر ساحة جديدة للمواجهة
العملية البحرية التي استهدفت ناقلة النفط الإسرائيلية «اسكارلت ري» شكلت تحولاً استراتيجياً في مسرح الصراع، الضربة لم تأتِ في مياه قريبة من السواحل اليمنية، بل على بعد أكثر من 800 ميل بحري، قرب ميناء ينبع السعودي، وهو ما يعكس مستوى غير مسبوق من التطور في القدرات البحرية اليمنية.
الرسالة كانت واضحة: لا سفينة إسرائيلية آمنة، حتى وإن رفعت أعلاماً أجنبية أو حاولت التخفي وراء شركات عالمية، والأهم أن العملية وجهت إنذاراً مباشراً إلى الرياض، بأن تعاونها مع الكيان الصهيوني لن يمر بلا حساب، صنعاء أعلنت من خلال هذه الضربة أن البحر الأحمر لم يعد منطقة نفوذ مفتوحة للعدو، بل أصبح تحت أعين ورصد القوى اليمنية، وأن أي تسهيل للعدوان سيُقابل باستهداف مؤلم ومباشر، يعيد رسم حدود المعركة بما يليق بسيادة اليمن وصموده.
السماء ليست حكراً على العدو
لم تقتصر رسالة صنعاء على البحر، بل امتدت إلى الجو، فالعملية الثانية عبر الطائرات المسيّرة التي استهدفت فلسطين المحتلة أكدت أن اليمن قادر على إيصال صوته الناري إلى عمق الكيان الصهيوني، ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراض إحدى المسيّرات، فإن الرسالة وصلت واضحة: الحدود لم تعد عائقاً، والأجواء لم تعد محصورة في قبضة تل أبيب.
صنعاء كسرت حاجز الجغرافيا وأثبتت أن قدراتها الدفاعية والهجومية تجاوزت ما كان يتوقعه العدو وحلفاؤه، هذه العملية لم تكن مجرد طلقة تحذيرية، بل تأكيداً على أن يد اليمنيين تطال العدو حيثما كان، وأن زمن الهجمات بلا رد قد ولى، لقد أصبح الكيان الصهيوني مكشوفاً، ليس فقط من الشمال أو الشرق، بل أيضاً من الجنوب العربي، حيث يمن لا ينام ولا يساوم على دماء شهدائه.
اليمن بين الوعي والردع
العمليات اليمنية الأخيرة لم تكن مجرد ردود عسكرية، بل رسائل سياسية عميقة، هي إعلان أن اليمن لا يخوض معركته منفرداً، بل جزء من محور مقاومة واسع يرفض الهيمنة الصهيونية والأمريكية في المنطقة، من خلال البحر والجو، أرادت صنعاء أن تقول إن دماء قادتها ووزرائها لم تُهدر، بل تحولت إلى معادلة ردع جديدة، هذه المعادلة قائمة على مبدأ أن أي اعتداء سيقابَل برد سريع، قاسٍ، وموجّه بدقة، يربك حسابات العدو ويجعل تكلفة المغامرة أكبر بكثير من مكاسبها، كما حملت الضربات رسالة إلى الشعوب العربية: أن الكيان الصهيوني ليس أسطورة لا تُقهر، وأن الإرادة الشعبية إذا امتلكت العزم والإيمان، قادرة على كسر الغطرسة وإعادة التوازن للمعادلة، لقد وضعت صنعاء نفسها اليوم في قلب المواجهة الكبرى، لتعلن أنها حاضرة وبقوة في معركة الكرامة والسيادة.
في الختام، ما حدث في صنعاء لم يكن مجرد تشييع لشهداء، بل ولادة مرحلة جديدة من الصراع. الكيان الصهيوني الذي ظن أن اغتيال رئيس الوزراء اليمني ووزرائه سيكسر عزيمة الشعب، فوجئ بأن الرد جاء أسرع وأقوى مما توقع، من البحر الأحمر إلى فلسطين المحتلة، ارتسمت خريطة جديدة للردع اليمني، تؤكد أن صنعاء لم تعد مجرد ضحية تتلقى الضربات، بل لاعباً أساسياً يرسم حدود اللعبة، الرسائل وصلت إلى تل أبيب وإلى الرياض: اليمن حاضر، واعٍ، ومقاوم، لقد حاول العدو أن يفتح أبواب الجحيم على صنعاء، فإذا به يفتحها على نفسه، واليوم، يثبت اليمن للعالم أن الإرادة الحرة أقوى من الطائرات والصواريخ، وأن دماء الشهداء ليست نهاية الطريق، بل بدايته نحو معركة أشمل تُعيد للأمة كرامتها وتضع حداً لغطرسة الكيان الصهيوني.