الوقت – في ظل تصاعد الأحداث والاشتباكات العنيفة في قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية التي أصبحت على حافة الانهيار، وجه اللواء محمد عبد الواحد، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق وخبير الأمن القومي، رسالة قوية ومباشرة تحذر من المخاطر الكبرى التي تنذر بها الخطوات الإسرائيلية الأخيرة.
جاءت هذه الرسالة في وقت حساس للغاية، عقب موافقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، المعروف بـ"الكابينت"، على خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة الاحتلال التدريجي لقطاع غزة، الأمر الذي أثار موجة من القلق والتنديد داخل الأوساط العربية والدولية على حد سواء.
وقد عبّر عبد الواحد في منشوره عبر حسابه الرسمي على فيسبوك عن موقفه الرافض لما وصفه بـ"قتل وتجويع سكان غزة" بحجة مكافحة حركة حماس التي ترتبط فكرياً وإيديولوجياً بجماعة الإخوان المسلمين ومرتبطة سياسياً بإيران، مؤكدًا أن هذا العداء الأيديولوجي لا يبرر أبداً أن يتحول إلى دعم مباشر أو غير مباشر لعمليات الاحتلال الإسرائيلي التي تزهق أرواح المدنيين الأبرياء، وتعزز معاناة أكثر من مليوني نسمة يعيشون في القطاع المحاصر منذ سنوات.
وأضاف عبد الواحد بحسم أن "إذا ضاعت غزة، ضاع الشرف"، معبراً عن أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي أو عسكري فحسب، بل تمثل قضية شرف وكرامة إنسانية، وأن المأساة التي تلحق بغزة هي مأساة لكل العرب والمسلمين، وكل من يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة.
يتزامن هذا التحذير مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى بين المدنيين، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية، ما فاقم من الوضع الإنساني الذي يعاني أصلاً من حصار خانق ومن نقص في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.
وتأتي هذه التطورات وسط جدل إسرائيلي داخلي محتدم حول جدوى التصعيد العسكري، حيث يرى بعض القيادات أن إعادة الاحتلال لن تؤدي إلا إلى مزيد من المقاومة والعنف، فيما يتمسك نتنياهو باستراتيجية تستخدم القوة كوسيلة للضغط على حماس ودفعها للاستسلام أو إضعافها بشكل جذري. في ظل هذا المشهد المتأزم، يبرز موقف عبد الواحد كنداء إنساني سياسي يدعو إلى التروي والتفكير خارج منطق الحرب والعنف، ومطالبة بوقف نزيف الدم الفلسطيني الذي لا يبدو له نهاية في الأفق القريب.
الرسالة تعكس كذلك موقفاً عربياً مؤلمًا حيث لا يزال الكثير من الحكومات العربية في حالة تردد وعدم وضوح تجاه الأزمة، بينما يستمر المدنيون في غزة في تحمل أثمان الصراعات التي لا يملكون فيها سوى الصبر والأمل في السلام. كما يسلط عبد الواحد الضوء على خطورة الانجرار وراء خطاب الكراهية والعداء الذي يستخدم لتبرير دعم سياسات الاحتلال، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية والإنسانية التي تشكل أساس المجتمعات العربية والإسلامية.
ويدعو في الوقت ذاته إلى ضرورة البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية تحفظ حقوق الفلسطينيين وتوقف مسلسل العنف المستمر، دون أن يتحول الصراع إلى حرب إبادة تشكل وصمة على ضمير الإنسانية. من خلال هذه الرسالة، يقدم عبد الواحد نموذجاً للمسؤولية الوطنية التي يجب أن يتحلى بها القادة والمفكرون، إذ لا يكفي أن ترفض حماس أو تهاجم أيديولوجيتها، بل يجب أن يكون هناك موقف ثابت من انتهاكات حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة الشعوب.
كما يسلط الضوء على أن دعم إسرائيل في قتل وتجويع المدنيين ينسف أي قدرة على تحقيق السلام ويشعل المزيد من الكراهية والتطرف، ما سيؤدي في النهاية إلى تفاقم الأزمة التي تستهدف الجميع. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، يبدو أن الأزمة في غزة تدخل مرحلة جديدة أكثر خطورة، حيث من المتوقع أن تستمر عمليات الاحتلال التدريجي، ما قد يؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان وتفاقم الأوضاع الإنسانية إلى مستويات كارثية. وتؤكد مصادر مثل قناة الجزيرة (الجزيرة، 2025/08/10) أن المجتمع الدولي يتابع بقلق شديد هذا التصعيد، مع دعوات متكررة لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية تسمح بإغاثة المدنيين.
كما أصدرت عدة منظمات حقوقية دولية بيانات تستنكر انتهاكات حقوق الإنسان وتدعو إلى مساءلة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في القطاع. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية الدور المصري والإقليمي في محاولة احتواء الأزمة، حيث تُعتبر القاهرة شريكاً أساسياً في الوساطات التي تهدف إلى تهدئة الوضع وفتح قنوات حوار بين الأطراف المختلفة، حفاظًا على الاستقرار في المنطقة بأسرها.
الرسالة التي وجهها عبد الواحد تُبرز أيضاً حجم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، حيث أن استمرار الأزمة وعدم حلها بصورة عادلة يهدد السلم والأمن، ويؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها. يمكن القول إن هذه الرسالة تحمل في طياتها دعوة واضحة للضمير العربي والعالمي للالتفات إلى معاناة غزة، وتذكير بأن الحلول الأمنية والعسكرية لن تؤدي إلى سلام دائم، بل قد تؤجج النار وتدفع المنطقة إلى دوامة عنف لا نهاية لها.
في الختام، لا يمكن تجاهل الأبعاد الإنسانية التي تحيط بالقضية الفلسطينية، فكلما طال أمد الصراع وتصاعدت العمليات العسكرية، زاد المعاناة البشرية وأصبح تحقيق السلام أكثر بعدًا. ومن هنا، يصبح من الضروري أن يتبنى المجتمع الدولي موقفًا متوازنًا يراعي الحقوق المشروعة للفلسطينيين ويحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيدًا عن منطق القوة والتدمير الذي لا يؤدي إلا إلى نتائج كارثية. إن "إذا ضاعت غزة، ضاع الشرف" ليست مجرد عبارة عابرة، بل هي حقيقة مُرّة يجب أن تذكر الجميع بأن الكرامة الإنسانية يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات السياسية، وأن العدالة والسلام لا يمكن تحقيقهما إلا بالحوار والاحترام المتبادل.