الوقت- في خضمّ العدوان المستمر على غزة، تتكشف ملامح أزمة حقيقية تعصف بالكيان الصهيوني؛ أزمة ليست عسكرية فقط، بل سياسية وأخلاقية، فبينما يحاول قادته تسويق رواية "الانتصار الوشيك"، يقرّ محللون صهاينة، مثل آفي يسسخاروف، أن ما يجري ليس سوى دمار متواصل بلا هدف حقيقي، وأن قادة المقاومة لن يرفعوا الراية البيضاء.
هذه الاعترافات تفضح أن ما يُقدَّم للرأي العام الصهيوني مجرد وهم، وأن الاحتلال عالق في حرب استنزاف ستنعكس عليه داخليًا وخارجيًا، المقاومة، بثباتها، لا ترد على القصف بالصواريخ فقط، بل بتفكيك أسطورة القوة الصهيونية، وتحويل الحرب إلى عبء استراتيجي على عدوها.
المقاومة تتحدى أوهام الردع
رغم الجهود الهائلة التي يبذلها جيش الاحتلال لتحويل غزة إلى ساحة خراب، لم تنكسر المقاومة، بل ازدادت صمودًا، تصريحات يسسخاروف بأن "قادة حماس لن يستسلموا ولن يرفعوا الراية البيضاء" تكشف أن العدو نفسه يدرك استحالة تحقيق أهدافه، فالمقاومة لا تقاتل فقط دفاعًا عن أرضها، بل تخوض معركة وعي عنوانها أن القوة الغاشمة لن تفرض استسلامًا.
كل مبنى يُهدم وكل حيّ يُمحى من الخريطة يتحول إلى وقود جديد لعزيمة الفلسطينيين، بينما تتكبد قوات الاحتلال خسائر متواصلة في الأرواح والمعدات، بل إن بعض الجنود الصهاينة، وفق تقارير إعلامهم، وصلوا إلى حافة الانتحار بسبب الصدمات النفسية، هذه الحقائق تعكس فشل العقيدة العسكرية الصهيونية القائمة على الردع والدمار الشامل، وتؤكد أن المقاومة نجحت في استنزاف العدو نفسيًا وعسكريًا.
الدمار الذي أراد الاحتلال أن يكون وسيلة لتركيع غزة، أصبح شاهدًا على عجزه. في كل مرة يتوهم قادته أن عملية هدم جديدة ستُسقط المقاومة، تتضح الحقيقة أن شعبًا قرر أن يعيش حرًا لن ينكسر مهما بلغ حجم القصف، هذه المعركة أثبتت أن الردع الحقيقي لا يُقاس بكمية الدمار، بل بإرادة من يقاوم على أرضه.
الداخل الصهيوني على حافة الانفجار
في الوقت الذي يتحدث فيه نتنياهو عن "اقتراب النصر"، تكشف التقارير من الداخل الصهيوني واقعًا مختلفًا. آفي يسسخاروف نفسه أشار إلى أن غزة تحولت إلى "أكبر موقع لتدمير المباني في العالم" دون أي نتيجة ملموسة، وأن المجتمع الصهيوني بدأ يسأل: لماذا نخوض حربًا بلا أفق؟ ولماذا لا يتم السعي لاتفاق يحرر الأسرى بدلًا من إلقاء أبنائهم في أتون حرب لا تنتهي؟
أعداد القتلى في صفوف جنود الاحتلال في ازدياد، والعمليات العسكرية لا تحقق الأهداف المعلنة، الاحتجاجات داخل الكيان تتصاعد، إذ لم يعد المستوطن الصهيوني العادي قادرًا على تحمل تكاليف هذه الحرب، لا نفسيًا ولا اقتصاديًا، مشاهد الآباء والأمهات وهم يرون أبناءهم يُعاد إرسالهم إلى غزة، لجولة جديدة من القتال، تزيد الغضب الشعبي ضد حكومة نتنياهو التي تستخدم الحرب كأداة لإنقاذ نفسها من السقوط.
هذا التصدع الداخلي، إلى جانب الضغط الدولي المتنامي، يكشف أن الكيان الصهيوني يخسر معركة الاستقرار حتى داخل أسواره، وكلما طال أمد الحرب، ازداد الانقسام داخل كيان الاحتلال الصهيوني، ما يفتح الباب أمام أزمة سياسية قد تهز بنيته بالكامل، المقاومة هنا لا تواجه جيشًا فقط، بل تشعل حراكًا داخليًا سيضعف قدرة العدو على مواصلة عدوانه.
المقاومة ومعركة كسب العالم
لم تعد معركة غزة مقتصرة على الأرض، بل تحولت إلى ساحة مواجهة في الرأي العام العالمي، صور الدمار والضحايا، وخاصة الأطفال والنساء، حطمت الخطاب الصهيوني الذي طالما ادعى "الدفاع عن النفس"، كل جريمة يقترفها الاحتلال تتحول إلى دليل إضافي على عدالة المقاومة وشرعيتها، حتى المحللين الصهاينة، مثل يسسخاروف، يعترفون أن استمرار الحرب يزيد من عزلة الكيان ويضاعف الكراهية له في كل أنحاء العالم. حركات التضامن الدولية وحملات المقاطعة تتسع، لتشكل جبهة ضغط اقتصادية وسياسية.
المقاومة تدرك أن هذه المعركة لا تقل أهمية عن الميدان العسكري؛ فالتعاطف الشعبي والدعم السياسي الدولي يضعف قدرة الكيان على تبرير عدوانه ويعزز شرعية نضال الفلسطينيين.
في المقابل، يواجه الاحتلال أزمة تآكل صورته عالميًا، إذ لم يعد بإمكانه إقناع الشعوب أو حتى حلفائه بأن تدمير المدن وقتل المدنيين يمكن أن يُصنّف كـ"حرب عادلة"، هذه المعركة الإعلامية والسياسية تُعيد صياغة الصراع، حيث يظهر الفلسطيني اليوم ليس كضحية فقط، بل كطرف يمتلك قوة الردع والصمود، بينما يتكشف الكيان كقوة غاشمة فقدت القدرة على التحكم بسرديتها أمام العالم.
ختاما، في ضوء الحقائق على الأرض، ومع الاعترافات الصادرة من داخل الإعلام الصهيوني نفسه، يتأكد أن الكيان الصهيوني لن ينجح في كسر المقاومة مهما بلغت وحشيته. هذه الحرب، التي أرادها أداة لإخضاع غزة، تحولت إلى استنزاف سياسي وعسكري، وأيقظت الداخل الصهيوني ضد حكومته. المقاومة اليوم لا تكتفي برد العدوان، بل تُعيد صياغة ميزان القوى، وتفرض على العدو معادلة جديدة: أن الاحتلال مهما طال، سيواجه الفشل والرحيل.
الطريق نحو التحرير قد يكون طويلًا، لكن هذه الجولة أثبتت أن المقاومة ليست فقط درع غزة، بل بوابة الانتصار القادم على الكيان بأسره.