الوقت- في تصعيد لافت للمواقف الأوروبية حيال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، دعت الحكومة الإسبانية علناً إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى "إسرائيل"، معتبرة أن استمرار تصدير السلاح في ظل الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني لم يعد مقبولاً، وجاءت هذه الدعوة في وقت حساس يتزايد فيه الضغط الشعبي والحقوقي داخل أوروبا، وسط مطالب بمحاسبة "إسرائيل" على جرائم محتملة بحق المدنيين الفلسطينيين.
وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبلس، أكدت في تصريحاتها أن بلادها لا يمكن أن تقف موقف المتفرج أمام ما يجري في غزة من مآسٍ إنسانية، داعية شركاء إسبانيا في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مواقف مماثلة، تنسجم مع المبادئ التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي.
الاتحاد الأوروبي يناقش خطوات جماعية ضد "إسرائيل"
بالتزامن مع الموقف الإسباني، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ناقشوا في اجتماعهم الأخير ما لا يقل عن عشر خطوات محتملة يمكن اتخاذها ضد "إسرائيل" في حال استمرت في تجاهل قرارات محكمة العدل الدولية ورفض وقف العمليات العسكرية في غزة، وتتنوع هذه المقترحات بين إجراءات دبلوماسية واقتصادية، إضافة إلى إمكانية فرض قيود على التعاون العسكري والأمني مع "إسرائيل".
ومن أبرز الخيارات المطروحة:
1- تعليق اتفاقيات التعاون العلمي والتقني مع "إسرائيل".
2- مراجعة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الموقعة عام 2000.
3- فرض قيود على دخول المنتجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات.
4- حظر مبيعات الأسلحة وقطع الغيار العسكرية بشكل جماعي.
5- فرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين متهمين بانتهاك حقوق الإنسان.
6- إلغاء برامج التبادل الأكاديمي والتعليمي مع الجامعات الإسرائيلية.
7- تجميد الأرصدة المالية لبعض الكيانات الإسرائيلية المرتبطة بالمستوطنات.
8- خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في تل أبيب مؤقتًا.
9- وضع قيود على سفر مسؤولين إسرائيليين إلى أوروبا.
10- إطلاق تحقيق أوروبي مشترك في الانتهاكات الإسرائيلية بغزة.
يُشار إلى أن هذه الخطوات ما زالت قيد النقاش، حيث تواجه معارضة من بعض الدول الأعضاء، وخصوصاً ألمانيا والمجر والتشيك، المعروفة تقليدياً بمواقفها الداعمة لـ"إسرائيل".
الخلفية: تصاعد الغضب الأوروبي من الحرب على غزة
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عدة أشهر، والذي أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، معظمهم من المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، وقد أدى التدمير الواسع للبنية التحتية المدنية، واستهداف المستشفيات والمدارس ومخيمات النزوح، إلى تزايد الضغوط على الحكومات الأوروبية لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه "إسرائيل".
وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت أوامر ملزمة لـ"إسرائيل" بوقف العمليات العسكرية التي قد ترقى إلى جرائم إبادة جماعية، وهو ما تجاهلته تل أبيب بشكل علني، بل صعّدت من عملياتها في رفح وجباليا خلال الأسابيع الماضية.
إسبانيا تتصدر محور "الموقف الأوروبي الحازم"
الموقف الإسباني لا يُعد الأول من نوعه، لكنه الأكثر صراحة منذ اندلاع الحرب، فقد سبق لمدريد أن أعربت عن دعمها لمساعي المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب، كما أعلنت مؤخراً اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ما جعلها في صدارة محور أوروبي يتكون من دول مثل أيرلندا، بلجيكا وسلوفينيا، الداعية إلى إعادة التوازن في السياسة الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
ويرى مراقبون أن إسبانيا تسعى إلى لعب دور محوري في إعادة صياغة مقاربة الاتحاد الأوروبي للقضية الفلسطينية، عبر الضغط لإيقاف الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل"، والذي كان قائماً لعقود، وخصوصاً من بعض العواصم الأوروبية الكبرى.
الانقسام الأوروبي يعرقل التحرك الجماعي
رغم التصعيد في الخطاب السياسي لبعض الدول الأوروبية، إلا أن الاتحاد الأوروبي ككل لا يزال عاجزاً عن تبني موقف موحد بسبب الانقسام الداخلي، فبينما تدفع إسبانيا وعدد من الدول باتجاه اتخاذ إجراءات حاسمة، تعارض دول أخرى أي مساس بالعلاقات مع "إسرائيل" تحت ذريعة "حقها في الدفاع عن النفس".
ويسود اعتقاد واسع في الأوساط الأوروبية أن استمرار هذا الانقسام يضعف مصداقية الاتحاد الأوروبي كقوة فاعلة في السياسة الدولية، ويعرضه لاتهامات بالنفاق السياسي، وخاصة حين يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والقانون الدولي.
تداعيات محتملة على العلاقات الأوروبية–الإسرائيلية
إذا ما قرر الاتحاد الأوروبي فعلاً اتخاذ أي من الخطوات المطروحة، وخصوصاً ما يتعلق بالتعاون العسكري أو الاقتصادي، فإن ذلك سيشكل ضربة قاسية للعلاقات الثنائية مع "إسرائيل"، التي تعتمد في جزء كبير من قدراتها التكنولوجية والأمنية على شراكاتها مع أوروبا، كما أن فرض قيود على تصدير السلاح أو استيراد منتجات المستوطنات، سيحمل أبعاداً قانونية وسياسية قد تؤدي إلى مواجهات دبلوماسية حادة بين الطرفين.
ومع ذلك، يرى البعض أن مثل هذه الإجراءات قد تكون ضرورية لإنقاذ صورة الاتحاد الأوروبي أمام الرأي العام الداخلي، الذي بات يطالب بوضوح بتحرك فعّال لوقف الحرب والضغط على "إسرائيل".
في الختام: لحظة اختبار حقيقية لأوروبا
ما يجري حالياً في أروقة الاتحاد الأوروبي يمثل لحظة اختبار حقيقية لمدى التزام الدول الأوروبية بقيمها المعلنة، فإما أن تتحرك بشكل جماعي وفعّال للضغط على "إسرائيل" من أجل وقف المجازر في غزة، أو تستمر في نهج المواقف الرمادية التي تقوّض دورها كطرف نزيه في النزاع.
الدعوة الإسبانية لوقف مبيعات السلاح، والمقترحات الأوروبية العشر، قد لا تكون كافية لوحدها، لكنها تشير إلى تغير في المزاج السياسي الأوروبي، فهل تنجح هذه الجهود في تغيير قواعد اللعبة؟ أم إن المصالح السياسية والاقتصادية ستبقى أقوى من المبادئ؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.