الوقت - في حين ازدادت عمليات المقاومة ضد الجيش الصهيوني في الأيام الأخيرة، وارتفع عدد ضحاياه بشكل ملحوظ، على الرغم من استمرار القتل والحصار الإنساني في غزة. زعم دونالد ترامب مؤخرًا أن تل أبيب وافقت على وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا في غزة، وبناءً عليه، توجه وفد من ممثلي تل أبيب السياسيين والأمنيين إلى الدوحة لمناقشة شروط وقف إطلاق نار محتمل.
كشفت بعض وسائل الإعلام الأمريكية والعبرية تفاصيل المقترح الجديد لوقف إطلاق النار في غزة، مُعلنةً أنه خلال وقف إطلاق النار الذي يستمر 60 يومًا، سيتم إطلاق سراح أسرى إسرائيليين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، لكن انتهاء الحرب غير مضمون وستستمر المفاوضات.
وفي هذا الصدد، أفادت القناة العاشرة الإسرائيلية، نقلًا عن دبلوماسيين لم تُكشف هويتهما، أنه في إطار هذا الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 8 أسرى صهاينة أحياء في اليوم الأول، وأسيرين آخرين في اليوم الخمسين من الاتفاق، وسيتم إطلاق سراح جثث 18 أسيرًا إسرائيليًا على ثلاث دفعات.
ووفقًا لهذا التقرير، سيبدأ الجيش الإسرائيلي انسحابه من شمال غزة في اليوم الأول، وبعد تسليم 8 أسرى أحياء، وفي اليوم السابع، وبعد تسليم 5 أسرى قتلى، سينسحب الجيش الإسرائيلي من محور موراج جنوب غزة. إلا أن حدود انسحاب الجيش الإسرائيلي لم تُحدد بعد. أفادت وسائل إعلام عبرية بأنه بموجب الاتفاق المقترح الجديد، سيزداد تدفق المساعدات إلى غزة.
وأفادت مصادر إسرائيلية بأن الخطة ستشترط على حماس الامتناع عن إقامة أي مراسم إطلاق سراح أسرى مصورة، على غرار تلك التي أقيمت خلال وقف إطلاق النار السابق هذا العام.
كما ستبدأ مفاوضات وقف إطلاق نار دائم في المرحلة التالية. وسيكون دور الوسطاء تقديم ضمانات لإجراء مفاوضات جادة لإنهاء الحرب خلال فترة وقف إطلاق النار، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق خلال 60 يومًا، يمكن تمديد هذه الفترة.
وتقول مصادر مطلعة على مفاوضات وقف إطلاق النار إنه تم إحراز تقدم كبير في التوصل إلى اتفاق، لكن لا تزال هناك خلافات حول شروط وقف الأعمال العدائية ومدى الانسحاب العسكري الإسرائيلي. ومع ذلك، قال مصدر إسرائيلي إن تل أبيب لم توافق على بنود العديد من المقترحات الجديدة التي تمحورت حول جدول زمني وضمانات لإنهاء الحرب، والتي كانت نقاط خلاف رئيسية في المفاوضات السابقة.
ووفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت، صرّح نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء بأنه لن يتراجع عن هدفه المتمثل في تدمير حماس. أكدت الصحيفة العبرية أنه "في حال وقف إطلاق النار، سيبقى الجيش في الدائرة الأمنية داخل قطاع غزة التي أعلن عنها سابقًا خلال فترة وقف إطلاق النار".
وأفاد موقع i24 News الإسرائيلي أيضًا أن النظام الإسرائيلي لم يلتزم بإنهاء الحرب، بل بمحادثات حول إنهاء الحرب، وأن المفاوضات حول نطاق الانسحاب العسكري من غزة والانتشار المستقبلي لقواته لا تزال جارية.
عدم ثقة الفلسطينيين بواشنطن وتل أبيب
على الرغم من رد حماس الإيجابي على خطة وقف إطلاق النار الأولية، إلا أن مضمون الاقتراح الأمريكي مصمم بوضوح بما يتماشى مع المصالح الاستراتيجية للنظام الإسرائيلي. وقد تسبب هذا التوجه الأحادي الجانب في انعدام ثقة عميق لدى فصائل المقاومة في التزام الطرف الآخر بمواصلة وقف إطلاق النار بعد أسر الأسرى.
عند تحليل الوضع الحالي لوقف إطلاق النار في غزة، ورغم إعلان النظام الإسرائيلي الأولي موافقته على اقتراح وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، فإن انعدام الثقة العميق لدى الفلسطينيين، وخاصة حماس، ينبع من أسباب وجيهة متجذرة في التجارب التاريخية وأحكام الاتفاق الحالية.
تفتقر بنود وقف إطلاق النار المقترحة إلى ضمانات دولية لوقف دائم لعدوان تل أبيب. وقد أكدت المقاومة الفلسطينية أن أي اتفاق يجب أن يتضمن الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من غزة، والفتح الدائم للمعابر للمساعدات الإنسانية، ورفع الحصار، إلا أن المقترح الحالي يقتصر على الانسحاب المؤقت لقوات الاحتلال إلى المنطقة العازلة، ولا ينص على أي آلية مراقبة لتنفيذ التزامات العدو الصهيوني.
كما أنه في حين انتهت الجولة الأولى من مفاوضات الدوحة الجديدة لوقف إطلاق النار في غزة دون نتيجة حاسمة، أكدت مصادر المقاومة الفلسطينية على مواقف المقاومة المبدئية في أي اتفاق، وأعلنت: يجب أن يكون وقف إطلاق النار حقيقيًا ودائمًا، وليس مؤقتًا وهشًا.
بالإضافة إلى بنود وقف إطلاق النار، المصممة لصالح الصهاينة، تُنفذ الولايات المتحدة أيضًا مخططات خبيثة أخرى من شأنها تقويض أي ثقة بإدارة ترامب.
في هذا الصدد، أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، وفقًا لتحقيقٍ واسعٍ نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، تورط شركة بوسطن الاستشارية (BCG)، إحدى أكبر شركات الاستشارات في العالم، في إعداد نموذج مالي لتهجير سكان غزة وإخلاء سكانها.
وأضاف المكتب: تُعرف هذه الخطة السرية باسم "أورورا"، وتتضمن تهجير أكثر من نصف مليون فلسطيني مقابل "حزم هجرة" ممولة من جهات أجنبية.
أكد التحقيق أن مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي منظمة لتوزيع المساعدات في غزة تُشرف على "مصائد الموت" في غزة، أُنشئت بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، هي الواجهة المُنفذة لهذه الخطة.
ووفقًا للتحقيق، تزعم هذه المنظمة تقديم مساعدات إنسانية، إلا أنها عمليًا تسببت حتى الآن في مقتل 751 مدنيًا، وإصابة 4931 آخرين، واختفاء 39 شخصًا. هذا في حين رفضت 130 منظمة إنسانية دولية التعاون مع هذه المنظمة، معتبرةً إياها "غطاءً لأهداف عسكرية إسرائيلية".
وحذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من استمرار هذه المشاريع الإجرامية التي تحاول تصوير جريمة التهجير القسري على أنها "حل إنساني".
لذلك، في ظل هذه الأجواء التي تتخذ فيها أمريكا خطوات سرية لتنفيذ مخططات نظام الاحتلال الشريرة، فإن أي ثقة بقادة البيت الأبيض ستكون في فخ العدو.
من هذا المنظور، يبدو أن ضمانات ترامب لوقف إطلاق نار مؤقت أقرب إلى خلق مساحة لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام الصهيوني منها إلى انتهاء الحرب فعليًا. حتى إمكانية إعلان ترامب وقف إطلاق النار لم تُطرح بناءً على الثقة، بل لتخفيف ضغط الرأي العام العالمي.
من المنظور الفلسطيني، يُؤكد استمرار الحرب بعد وقف إطلاق نار مؤقت لمدة شهرين الادعاء بأن النظام الصهيوني، بمساعدة أمريكا، يسعى إلى "تغيير خريطة الشرق الأوسط" والقضاء على أي هيكل حكومي مرتبط بالمقاومة، وهو ما أعلنه صراحةً قادة تل أبيب وواشنطن.
علاوة على ذلك، يقبل نتنياهو وقف إطلاق النار ليس من أجل السلام، بل لأسباب تكتيكية، للتخلص من عبء الضغط الداخلي لإطلاق سراح الأسرى، وكما زعم هو نفسه، لن يتراجع عن هدفه المتمثل في تدمير حماس.
في غضون ذلك، فإن الحفاظ على الإنجازات العسكرية، بما في ذلك "نزع سلاح حماس"، يعني تجاهل حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، والذي حذّرت فصائل المقاومة مرارًا وتكرارًا من أنه خط أحمر، ولن تستسلم للعدو في هذه الحالة.
من ناحية أخرى، يُظهر تاريخ وقف إطلاق النار المؤقت السابق أن إسرائيل استغلت هذه الفرص لإعادة تنظيم صفوفها وتكثيف هجماتها بعد انقضاء المهلة، وليس من المستبعد أن تواصل جرائمها في غزة بعد انقضاء فترة الستين يومًا، كما أن الوزراء المتطرفين اشترطوا أي استمرار للتعاون في الائتلاف الحكومي بمواصلة الحرب على الفلسطينيين.
تُظهر وثائق اتفاقيات غزة ولبنان الأخيرة أن واشنطن وتل أبيب تُصمّمان بنودها بطريقة تُرسّخ الهيمنة الأمنية للنظام الصهيوني، وتُتجاهل حقوق الفلسطينيين واللبنانيين، وتُمهّد الطريق لاستئناف الحرب.
ومع ذلك، فقد تزعزعت ثقة الفلسطينيين ليس فقط بسبب وعود الماضي غير المنجزة، بل أيضًا بسبب التناقضات الحالية في أقوال وأفعال قادة تل أبيب وواشنطن. وإلى أن تُقدّم ضمانات عملية لإنهاء الاحتلال نهائيًا وإعادة إعمار غزة، فإن أي خطة لوقف إطلاق النار محكوم عليها بالفشل.