الوقت- غزة تموت جوعًا اليوم، والصمت الدولي يُحوّل هذا الموت إلى دليل على التواطؤ في واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في العصر الحديث. ووفقًا لقناة الجزيرة، أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 122 حالة، بينهم 83 طفلًا. وأشارت الوزارة إلى أن مستشفيات قطاع غزة سجلت 9 وفيات جديدة بسبب الجوع وسوء التغذية خلال الـ 24 ساعة الماضية. وفي وقت سابق، أفاد مصدر في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بوفاة طفل بسبب الجوع وسوء التغذية، ووفاة طفلين آخرين بسبب مرض السكري.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان يوم الخميس إن أزمة المجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة قد وصلت إلى نقطة حرجة، مؤكدًا أن 116 فلسطينيًا لقوا حتفهم بسبب الجوع وسوء التغذية وسط نقص شبه كامل في الغذاء والماء والدواء. وحذر مما وصفه بالتقارير الكاذبة حول وصول المساعدات إلى القطاع. ودعت الهيئة الفلسطينية العالم إلى رفع الحصار المفروض على غزة فورًا والسماح للمساعدات الإنسانية، وخاصة حليب الأطفال، بالوصول إلى مليوني ونصف المليون شخص تحت الحصار. ومنذ 2 مارس 2025، أغلقت إسرائيل جميع المعابر الحدودية مع قطاع غزة، مما منع دخول المساعدات الغذائية والطبية.
من ناحية أخرى، قالت منظمة العفو الدولية إن الكيان الصهيوني يواصل استخدام التجويع كأسلوب حرب وأداة للإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة. وأضافت منظمة العفو الدولية في بيان أن معاناة الجياع في غزة تتفاقم بسبب كيان توزيع المساعدات الإسرائيلي، الذي تستخدمه كسلاح حرب مدمر. أشار البيان إلى أن إسرائيل تتعمد تجويع الفلسطينيين، وأن الإبادة الجماعية في القطاع المحاصر يجب أن تتوقف الآن. كما طالبت المنظمة إسرائيل برفع القيود المفروضة على دخول المساعدات فورًا، والسماح للأمم المتحدة بتوزيعها، والسماح للفلسطينيين في غزة بتلقيها دون قيود وبطريقة آمنة. ومع ذلك، ورغم هذا الانتقادات الواسعة، يواصل الصهاينة إنكار الحقيقة، ويصفونها بأنها اختلاق إعلامي. وكتب بن غوير، الشخصية المتطرفة في الحكومة الصهيونية، على حسابه على موقع "إكس" يوم الجمعة: "لا يوجد جوع حقيقي في غزة. لو كانوا جائعين، لأعادوا الرهائن إلى ديارهم. أنا أدعم حماس الجائعة في غزة".
في غضون ذلك، صرّح مصدر أمني لإذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة: "نحن بصدد تفعيل خطة الجسر الجوي للمساعدات، ونأمل أن تنفذها الإمارات والأردن". يتولى الكيان الإسرائيلي، إلى جانب الولايات المتحدة، مسؤولية استقبال وتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة منذ مطلع يونيو/حزيران، بهدف تشديد القيود على دخولها، وإدارة نزوح الفلسطينيين من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، ووفقًا لمراقبين ومنظمات دولية، لم يطرأ أي تحسن على وضع المجاعة والجوع في غزة، بل تفاقم.
في الواقع، يُستخدم الجوع كسلاح استراتيجي في خدمة قوة الاحتلال، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
1- الضغط السياسي على المقاومة من خلال خلق انهيار اجتماعي، وإثارة الغضب الداخلي، والرهان على انفجار اجتماعي يُفضي إلى تغيير في المعادلة السياسية. بتقسيم المجتمع إلى "من يبقى ومن يغادر" و"من يُعاني ومن يبقى"، مما يُمهد الطريق لإعادة تشكيل النسيج السياسي والاجتماعي بما يتوافق مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية بعيدة المدى.
2- تقويض أي نموذج للحكم الفعال أو المقاومة خارج سلطة المؤسسة الصهيونية، وحرمان غزة من جميع سبل الاستدامة، بما في ذلك الغذاء. ٣- تحويل الصراع من أزمة احتلال إلى بُعد إنساني بحت، بتجريده من أبعاده السياسية، وتحويله إلى أزمة "إغاثية". بل أصبح الجوع أداة دعائية تستخدمها وسائل الإعلام الدولية لتهوين الواقع الفلسطيني، وتسويق المجاعة على أنها أزمة إنسانية عبثية وغير منطقية، مع إخفاء الاحتلال كسبب مباشر لها.
تفاقم المجاعة
في غضون ذلك، صرّحت حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، لقناة الجزيرة أن "المنظمة تخشى من زيادة كبيرة في وفيات المجاعة في غزة"، مؤكدةً أن المساعدات التي وصلت إلى القطاع شحيحة للغاية. وأضافت: "عشرون بالمائة من النساء الحوامل في غزة يواجهن الجوع، بينما يعاني أطفال القطاع من جوع شديد". وأكدت بلخي أن الوضع في غزة كارثي، حيث يواجه ما يقرب من 2.1 مليون من سكانها المجاعة. وشددت على ضرورة تنسيق الجهود لإنهاء الحرب وإعادة فتح المعابر فورًا. من جانبها، أفادت منظمة أوكسفام بزيادة بنسبة 150 بالمائة في الأمراض المنقولة بالمياه بين سكان غزة، مضيفةً أن الظروف التي يُجبر الفلسطينيون على العيش فيها قد خلقت بيئة مواتية لانتشار الأمراض.
وقال الدكتور بسام زقوت، مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، لقناة الجزيرة: "يجب على العالم التدخل فورًا لإنقاذ البشرية في قطاع غزة". وأشار إلى أن مرضى السكري يعانون من مضاعفات متعددة بسبب نقص الغذاء، وأضاف: "تنتشر أمراض جديدة في قطاع غزة بسبب الجوع وسوء التغذية. هذا في حين ينتهج الكيان سياسةً مُستهدفة لتدمير البنية التحتية الصحية في غزة بالكامل من خلال استهداف المستشفيات عمدًا وقتل الكوادر الطبية.
تجويع متعمد
في غضون ذلك، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن جوع سكان غزة مُصطنع ومن صنع الإنسان. ودعت الوكالة إلى إيصال الغذاء للجياع ورفع الحصار. كما صرّحت منظمة أطباء بلا حدود: "ما يحدث في غزة هو تجويع متعمد للسكان من قبل السلطات الإسرائيلية. يجب على السلطات الإسرائيلية السماح بدخول المساعدات الغذائية والإغاثية إلى غزة على نطاق واسع. وأفاد بيان صادر عن منظمة أطباء بلا حدود أن المرضى والطاقم الطبي في غزة يكافحون الآن من أجل البقاء على قيد الحياة بسبب الجوع.
وأشار البيان إلى أن عدد المسجلين لتلقي العلاج من سوء التغذية في عيادات أطباء بلا حدود في غزة قد تضاعف أربع مرات منذ 18 مايو/أيار، بينما تضاعف معدل سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في غزة ثلاث مرات خلال الأسبوعين الماضيين. وأكد برنامج الغذاء العالمي، من جانبه، أن أزمة الجوع في غزة قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وأن وقف إطلاق النار ضروري. وأكدت مجموعة الحماية الدولية أن حياة سكان غزة معرضة لخطر أكبر من أي وقت مضى مع استمرار الهجمات العنيفة ضد المدنيين. وأضافت المجموعة أن الوضع الإنساني في غزة يتدهور بسرعة، مع ورود تقارير عن حالات إغماء في الشوارع بسبب الجوع وسوء التغذية.
طفل مفقود في غزة
أثرت المجاعة على الأطفال بشدة، حيث يفتقر العديد من الأطفال في غزة إلى أولياء أمور لتوفير الطعام لهم. ووفقًا لتقرير نشرته وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء في الأراضي الفلسطينية المتضررة، فقد أكثر من 39,000 طفل أحد والديهم أو كليهما نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. ويشير التقرير إلى أن 17,000 طفل فقدوا كلا والديهم، بينما استشهد 18,000 طفل منذ بدء الحرب.
ويعيش العديد من الأطفال في ظروف محفوفة بالمخاطر، محرومين من رعاية أسرهم، وتتفاقم المجاعة، وتراجعت الخدمات التعليمية والصحية بشكل حاد. ويمتلئ مستشفى الأطفال في مجمع ناصر الطبي (جنوب قطاع غزة) بعشرات الأطفال الذين يواجهون الموت بسبب سوء التغذية ونقص الحليب الصناعي، وهو الغذاء الوحيد للأطفال دون سن 6 أشهر. وقال الدكتور أحمد الفرح، رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، في مقابلة مع قناة الجزيرة: "إن نقص كلا النوعين من الحليب الصناعي قد ترك الأطفال دون سن ستة أشهر في مأزق". "لم يتبقَّ كرتونة حليب واحدة في قطاع غزة، وإن وُجدت، فغالبًا ما تكون قد تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها و... تصل تكلفتها إلى 150 دولارًا".
ويشعر جميع الأطباء، بمن فيهم الأجانب الذين جاءوا مؤخرًا لتقييم الوضع، بالفزع الشديد من تدهور حالة الأطفال، الذين تظهر عليهم أعراض لم تعد موجودة في العصر الحديث، مثل تساقط الشعر واحتباس السوائل وضمور الجسم. علقت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) على الوضع يوم الخميس، معربة عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد بوفاة الأطفال من الجوع في غزة، وألقت باللوم على الحصار. في نهاية المطاف، فإن المجاعة الممنهجة التي تشهدها غزة اليوم ليست كارثة إنسانية فحسب، بل هي أيضًا خطوة استراتيجية محسوبة بعناية وضعت أداة التجويع في خدمة أهداف سياسية وأمنية معقدة. إنها محاولة لإعادة هندسة الواقع السياسي لفلسطين بأكمله وفرض حقائق جيوسياسية جديدة تحت ستار "الضغط الإنساني".