الوقت - كتب “تشريوت تشاي”، الكاتب والمحلّل في مركز الدراسات الصيني “The China Academy”، في مقالٍ نُشر بتاريخ 19 يونيو على موقع المركز، أن إيران ربما استخدمت، في عمليتها لإسقاط الطائرات إف-35 الإسرائيلية، تكتيكًا مشابهًا لما وظفته الصين منذ أكثر من ستة عقود لإسقاط طائرات التجسس الأمريكية.
وفي مقاله، قال الكاتب: “إيران نجحت في إسقاط أربع طائرات إف-35 إسرائيلية، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تسقط طائرات من الجيل الخامس، ومع أن طهران لم تنشر أي أدلة، كالصور أو مقاطع الفيديو، تقنع غالبية المراقبين بصدق روايتها، فإن وسائل الإعلام الإيرانية قدّمت تفسيرًا لآلية تنفيذ هذه العملية، مستندةً إلى تكتيكات تماثل تلك التي استخدمتها الصين قبل أكثر من 60 عامًا لإسقاط الطائرات الأمريكية”.
تفاصيل العملية الإيرانية
في يوم الـ 16 من يونيو، أعلن نائب حاكم محافظة أذربيجان الشرقية في إيران عن إسقاط طائرة “إف-35” إسرائيلية في أجواء مدينة تبريز، لكن السؤال الذي أثار فضول المحللين: كيف تمكنت إيران من تنفيذ هذا العمل؟
سلّطت “Press TV”، إحدى وسائل الإعلام الإيرانية، الضوء على تفاصيل العملية، مُشيرةً إلى أن التكتيك المستخدم في إسقاط الطائرة يعكس الأسلوب الذي وظّفته الصين منذ أكثر من ستين عامًا ضد طائرات الاستطلاع الأمريكية.
وحسب التقرير، استهدفت "إسرائيل" في اليوم الأول من العمليات الدفاعات الجوية الإيرانية باستخدام طائرات إف-35 المتطورة بغرض تعطيل منظومات الرادار. ومع أن الإسرائيليين كانوا واثقين بأنهم أضعفوا بشكل كامل أنظمة الدفاع الأرضية لإيران، إلا أن هذه الرادارات كانت في الواقع تعمل بتكتيكات خداعية تهدف إلى استدراج القوات الإسرائيلية نحو حالة “أمان زائف” قبل وقوع المفاجأة.
وفي الأيام اللاحقة، وبعد اطمئنان الإسرائيليين إلى تحقيق التفوق، عمدت إيران فجأةً إلى تشغيل أنظمة الرادار وتفعيلها على نحوٍ مفاجئ، ما سمح لها بمحاصرة طائرات إف-35 والإيقاع بها.
هل الطائرات الشبحية حقًا غير قابلة للكشف؟
قد يتساءل البعض: كيف يمكن الكشف عن طائرات “إف-35” وهي مصممة لتكون غير مرئية للرادار؟ تكمن الإجابة في فهم نقطتين أساسيتين:
أولًا، على الرغم من أن الطائرات الشبحية مصممة لتكون صعبة الكشف عبر الرادار، إلا أنها ليست غير مرئية بشكلٍ كامل. يمكن اكتشافها إذا اقتربت بدرجة كافية من سطح الأرض، أو إذا تعاونت عدة أنظمة رادارية تعمل ضمن نطاقات تردد مختلفة لاستهداف الطائرة.
على سبيل المثال، خلال قصف حلف الناتو ليوغوسلافيا عام 1999، لجأت القوات اليوغوسلافية إلى إيقاف تشغيل أنظمة الرادار الخاصة بها لتجنب تدميرها بالصواريخ المضادة للإشعاع الأمريكية، بدلاً من ذلك، استعانت بمراقبين بصريين على الأرض لتتبع طائرات الناتو عبر الرؤية المباشرة، وبعد تحليل أنماط الطيران للطائرات الشبحية، نُصب كمين باستخدام منظومة الدفاع الجوي “تيب 250”، ليُفعل الرادار فجأةً ويُغلق على إحدى الطائرات بمجرد اقترابها إلى ارتفاع 5 أميال فقط، وخلال أقل من 17 ثانية، تمكنت القوات اليوغوسلافية من إسقاط الطائرة الأمريكية الأولى في التاريخ من نوع “إف-117”.
ثانيًا، جميع الطائرات الشبحية، بما فيها إف-35 وإف-22، تشترك في خاصية تقنية تجعل قدرتها على التخفي متفاوتةً بحسب الزاوية التي يتم رصدها منها، فعلى سبيل المثال، تكون الطائرة شبه مخفية عند رصدها من الأمام، لكن عند مراقبتها من الجانبين أو من الخلف، تتزايد مساحة مقطعها الراداري (RCS)، مما يتيح للرادار فرصةً أكبر لالتقاطها.
وبناءً على هذه الملاحظة، يُرجّح أن إيران انتظرت حتى تجاوزت الطائرات إف-35 أجواءها، ثم قامت بتفعيل الرادار في اللحظة المناسبة لرصدها من الجوانب أو الخلف، ما زاد بشكل كبير من فرص النجاح في إسقاط الطائرة.
لأول مرة، ظهر هذا التكتيك المستند إلى الكمين العسكري في عام 1962 على يد الجيش الصيني، حيث واجه الولايات المتحدة التي كانت تدعم تايوان عبر طائرات الاستطلاع الشهيرة “يو-2”، هذه الطائرات كانت تُحلّق على ارتفاعات شاهقة، بعيدةً عن مدى معظم المدافع المضادة للطائرات، وغالبًا ما كانت تخترق المجال الجوي للأراضي الصينية الرئيسية، ورغم امتلاك الجيش الأحمر الصيني بعض منظومات الصواريخ أرض-جو، إلا أن طائرات “يو-2” كانت مجهزةً بأجهزة استقبال إنذار راداري (RWR)، التي تتيح لها الكشف عن نوع الرادار الذي يتعقبها، وبمجرد تشغيل الرادار الصيني المخصص للصواريخ، كانت الطائرات الأمريكية تسارع إلى الهروب.
تحوّل الموازين بتكتيك الكمين
بعد مراقبة هذا السلوك، بدأ مشغلو الرادارات الصينيون باستخدام رادارات تعمل على ترددات مختلفة لتعقب الطائرات “يو-2”، وعندما تقترب الطائرات بما يكفي، كان يتم تشغيل الرادار المخصص لتوجيه الصواريخ فجأةً، ليُطلق الصاروخ خلال ثمان ثوانٍ فقط، ما لا يمنح الطيارين أي فرصة للرد أو الهروب، وفي الـ 9 من سبتمبر 1962، نجحت الصين لأول مرة في إسقاط طائرة “يو-2” باستخدام هذا الأسلوب، لاحقًا، كررت الصين هذه الاستراتيجية واستهدفت ثلاث طائرات أخرى بنجاح.
واليوم، تدّعي إيران أنها نجحت في إسقاط أربع طائرات “إف-35” إسرائيلية، مستندةً إلى أسلوب مشابه لما قامت به الصين في الماضي، يبدو أن التاريخ الصيني قد قدّم درسًا واضحًا: أولئك الذين يعتمدون على الأسلحة المتطورة لاستعراض القوة وفرض الهيمنة على الدول الأخرى، يجب ألا يتوقعوا الإفلات دون أن يدفعوا الثمن.
كما قال ماو تسي تونغ، مؤسس جمهورية الصين الشعبية، يومًا: “الأسلحة عنصرٌ مهمٌ في الحرب، لكنها ليست العامل الحاسم؛ فالعامل الفاصل هو البشر، وليس الأشياء.”
وفي الصين أيضًا حكمة عسكرية أقدم وأعمق يمكن لبعض الدول أن تتأملها: “هدف الحرب يجب أن يكون إنهاء الحرب وتحقيق السلام للشعوب؛ وإلا، فإن الدول التي تستمر في السلوك الطائش والعدواني، مصيرها المحتوم هو الفشل والدمار، مهما كانت قوتها أو حجمها.”