الوقت- باستخدام التعليم التجريبي، تحت غطاء مؤسسات تعليمية أمريكية غير حكومية، مثل منظمة التعليم العالمية ومنظمة استجابة الشباب العراقي، تسعى الولايات المتحدة إلى تغيير قيم الشباب والمراهقين بهدف تعزيز نفوذها الناعم في هذا البلد، ولتوسيع نفوذها في الدول النامية، كالعراق، التي تعاني من مشكلة نقص الخدمات التعليمية، تستعين الولايات المتحدة بمنظمات غير حكومية وغير ربحية، مثل منظمة "التعليم العالمي" أو "التعليم العالمي".
ومستغلةً نقص التعليم الجيد في هذا البلد، تسعى "التعليم العالمي" إلى تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها في العراق، ورغم الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية الصعبة في البلاد، فقد استطاعت هذه المنظمة تحقيق نجاح مقبول من خلال تدريب آلاف الأشخاص عبر برامج متنوعة، يصعب التحقق من جودة التعليم المُقدم في صفوف "التعليم العالمي" للمشاركين في المراكز التعليمية الأخرى في العراق، لذا يُبدي الشباب والمراهقون العراقيون رغبة كبيرة في المشاركة فيه، لكن ما هو هذا التعليم النوعي الذي أدى إلى هذا النجاح، وكيف ساهم في تحقيق الأهداف الخفية للولايات المتحدة في العراق؟
هذا النموذج التعليمي هو التعليم التجريبي، في عالم اليوم، أصبح التعليم التجريبي من أحدث الأساليب وأكثرها فعالية في تربية الجيل الجديد، يُستخدم هذا الأسلوب التعليمي، الذي يعتمد على التعلم العملي، في العديد من الدول كحل فعال لتنمية المهارات وإعداد الطلاب لدخول سوق العمل، في هذا النموذج، يُسهّل هذا النموذج استيعاب المعرفة النظرية من خلال التجربة، مراحل هذا النموذج التعليمي هي:
1) اكتساب الخبرة: في هذه المرحلة، يخوض الطالب تجربة تعليمية أو نشاطًا بهدف التعلم من خلال التجربة دون مساعدة معلمه.
2) مشاركة النتائج: في هذه المرحلة، يتشارك الطلاب نتائج تجاربهم مع زملائهم بهدف التعرف على تجارب بعضهم البعض.
3) التحليل: تُفحص النتائج المُحصل عليها، وتُحدد نقاط قوتها وضعفها من خلال المناقشة.
تعميم النتائج: في هذه المرحلة، تُبذل محاولة لتعميم تجارب الطلاب كمبادئ يمكن تطبيقها في الحياة اليومية بناءً على التحليل.
4) تطبيق المبادئ المكتسبة في مواقف مماثلة: في هذه المرحلة، يطبق الطلاب المعارف المكتسبة من تجاربهم السابقة لحل مشكلات مماثلة أو ذات صلة.
ومع ذلك، تكمن وراء هذه الطريقة، التي تكاد تكون بنفس فعالية وجاذبية الطرق التقليدية، أبعاد خفية قد تخدم النفوذ الناعم للقوى العظمى، وخاصة الولايات المتحدة، تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة نفوذها في الدول النامية كالعراق باستخدام هذه الطريقة التعليمية، ولهذا السبب، بدأت هذه الدولة بتنظيم برامج تعليمية قائمة على الخبرة في العراق، وهي جذابة بشكل خاص للطلاب العراقيين الباحثين عن عمل.
جاذبية التعليم التجريبي وأثره على الطلاب العراقيين
من أهم المشكلات التي تواجه الطلاب العراقيين التحديات التعليمية، ونقص المرافق، وضعف الأنظمة في المدارس والجامعات في البلاد، ونتيجة لذلك، يبحثون عن فرص لتحسين مهاراتهم والحصول على شهادات معتمدة، وإدراكًا منها لهذه الحاجة، تقدم الولايات المتحدة العديد من البرامج تحت مسمى برامج التبادل الأكاديمي ودورات التعليم التجريبي من خلال منظمات غير ربحية مثل منظمة التعليم العالمية، تُحسّن المشاركة في هذه الدورات مهاراتهم وتوفر لهم شهادات معتمدة.
ويُركّز التعليم التجريبي، على عكس الطرق التقليدية، على التفاعل والتعاون وحل المشكلات، في البرامج التي تدعمها الولايات المتحدة، يُوضع الطلاب العراقيون في بيئات زاخرة بالقيم الأمريكية، وأساليب الإدارة الغربية، وأساليب التعليم الحديثة، يؤثر هذا الجوّ بشكلٍ غير محسوس على مواقفهم ووجهات نظرهم، وقد يُلقي بظلاله على ثقافتهم الأصلية وقيمهم الوطنية على المدى البعيد، مُسببًا نوعًا من التبعية الفكرية والثقافية، بل حتى السياسية، لأمريكا بين الشباب العراقي.
الأهداف الخفية لأمريكا في الاستثمار التعليمي
وعلى الرغم من أن أمريكا تُقدم التعليم التجريبي كأسلوب حديث وفعال لتحسين مستوى مهارات الشباب العراقي، إلا أنه لا يمكن تجاهل الأهداف الخفية لهذه الاستراتيجية، ويمكن ذكر بعض هذه المحاور، منها:
1) تثقيف النخب بما يتماشى مع السياسات الأمريكية: يميل الطلاب المشاركون في هذه البرامج عمومًا إلى التوجه نحو الآراء الأمريكية والتعرف على قيمها، إن تكوين فكر قريب من القيم الأمريكية لدى جيل الشباب يُوفر تأثيرًا بالغ الأهمية على الاتجاهات السياسية والقرارات الرئيسية في مستقبل العراق.
2) ضعف الهوية الثقافية والوطنية: مع طرح مفاهيم جديدة وميل العديد من الطلاب العراقيين إلى تبني القيم الغربية، يبتعد الشباب تدريجيًا عن التقاليد والقيم الإسلامية، ونتيجة لذلك، سيصبح المجتمع العراقي في السنوات القادمة المجتمع الذي يرغب فيه الحكام الأمريكيون، والذي سيكون حكمه وسيطرته أسهل بكثير على أمريكا من المجتمع الحالي ذي القيم والتقاليد الإسلامية والعراقية والقائم على مقاومة الاحتلال.
3) التواصل: يتحول المشاركون في هذه الدورات تدريجيًا إلى شبكات من الأفراد لإحداث تغييرات اجتماعية في المجتمع، وفقًا للدراسات، كان عدد من القادة الفعالين في احتجاجات عام 2019 عبارة عن شبكات من الأشخاص الذين شاركوا في دورات منظمة التعليم العالمية.
4) تكوين صورة إيجابية لأمريكا لدى الجيل القادم من العراقيين: غزت الولايات المتحدة العراق مرتين، في عامي 1991 و2003، واحتلته، كما فرضت عقوبات "النفط مقابل الغذاء" غير المسبوقة على الشعب العراقي من خلال الأمم المتحدة في التسعينيات، تسببت هذه الإجراءات في معاناة كبيرة للشعب، حيث كانت وفاة مئات الآلاف من النساء والأطفال الأبرياء مجرد بعض من عواقب هذه الهيمنة، في غضون ذلك، تحاول منظمة التعليم العالمية تغيير هذه الصورة السلبية الحقيقية من خلال توفير الخدمات التعليمية وتقديم صورة غير واقعية ولكنها إيجابية للولايات المتحدة لدى الجيل الجديد من العراقيين.
وأخيرًا، على الرغم من أن التعليم التجريبي وسيلة فعالة وجذابة، إلا أنه إذا لم يُدار بشكل صحيح، فقد يصبح أداة للتأثير الناعم من قبل القوى العظمى مثل الولايات المتحدة ويحول العراق إلى مسرح تهديد.