الوقت- تقريباً واكبنا معظم إطلالاته المسرحية على أكثر من خشبة بيروتية، لكن الفنان جو قديح في عمله الأخير "القصة كلها" على مسرح كازينو لبنان، اعتمد نوستالجيا مؤثرة في دمج ما سبق مع ما استجد على حياته وهددها، فذرف دمعةً، لكنه لم يتخل عن الإبتسامة.
قوة ومصدر تأثير المسرحية الجديدة للفنان جو قديح أنه كان واضحاً مباشراً آدمياً بإمتياز، وبشكل مضاعف عن واقعية صورته على الخشبات طوال سنوات. لكنه هذه المرة لم يقدم "ستاند آب" كوميدي بالمعنى الأكاديمي للتسمية، بل التزم نصّاً مسرحياً شاركه في تقديمه المايسترو بسام شليطا عازفاً، ومحاوراً عبر نغمات البيانو، ليبقى صوت وحضور جو هو المهيمن، بحيث لا يخرج العرض عن موضوعه وهو الممثل نفسه: صغيراً وكبيراً، كوميدياً ودرامياً، محادثاً نفسه أو متحدثاُ عنها، يديره المخرج باتريك جحا، مع إضاءة معبّرة وصوت مؤثر وديكور بسيط.
تناول سيد العرض في نصه كل شرائح المجتمع اللبناني، من دون المسّ بأيّ منها بالإسم، عارفاً بأنّ جمهور المكان خليط من هذه المكونات. لكنه مرّ مرور الكرام على بعضها من دون أي إساءة، وهي صورة تميز هذا الفنان عن أترابه في هذا اللون المسرحي، مما أبقاه على مسافة محترمة من الجميع، مكتفياً في عروضه بتناول القضايا وحيثياتها من دون المس بشخصيات أو رموز يدرك أنها ستثير غضباً ما لا تحتمله الساحة الوطنية، خصوصاً في الظرف الحالي.
نعم اقتطع شذرات وإشارات من نصوص سابقة له لمجرد إكتمال روايته. لكنه بالمقابل دخل على أزمات وقضايا البلد من الباب الراقي المحترم، بعيداً عن أي تشنّج أو استهدافات فئوية أو فتنوية فظل مترفعاً عن الإساءات، ومقدماً صوراً واقعية جعلت كل الأطراف في الصالة يضحكون لها وعليها حتى ولو كانت تتناول بيئتهم، الأمر الذي أبقى المسرحية في مكان آمن ومن دون أي شبهة تفيد بتغليب فئة على أخرى في البلاد. لقد ألقى بأحماله في قلب قضايا إجتماعية وطنية أو شخصية، وأفلت من أفخاخ الانحياز، لاعباً ماهراً بثبات وصدق.
لكن، هل روى فعلاً "القصة كلها"، أم أنه أبقى بعض الخيوط طي نفسه وقلبه وهو أب صالح لطفلين، يأمل بقوة أن يكون الخطر زال عنه كما عدد من رفاقه الفنانين الذين ذكر بعضهم ممن قهروا الخبيث، وتابعوا حياتهم بفرح وتفاؤل.
لقد بدا أمامنا قوياً على حذر، وثابتاً على أقرب مسافة من النجاة، لكنه في كل حالاته وتقلّبات مزاجه يبقى واقعياً يدرك كل التعرّجات والمفارقات، يواجه بإيمان ساطع أخطر عدو للبشر في هذا الزمان.
"القصة كلها" عرض وحيد حاشد في كازينو لبنان، بانتظار العثور على خشبة شاغرة في موعد غير بعيد، تؤمّن التواصل مع قيمة ما تتضمنه من قضايا وقيم وحيثيات تعطي للحياة معنى مختلفاً، وللمسرح ألقاً يتنامى، مع صور إيجابية تلوح للفنانين كي ينعموا بصيف متميز، يُعوض حالات الحذر السابقة.