الوقت- يعتبر التهجير القسري للمدنيين جريمة حرب بموجب المادة 8 من قانون روما، وجريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7، والدول العربية ملزمة قانوناً بمنع جرائم تهجير سكان غزة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء حتى الآن. وفي الوقت الذي كان فيه قصف غزة وسفك دماء الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ والشباب الذين يعيشون في غزة بالقنابل الإسرائيلية الخارقة للتحصينات، اجتمعت بعض الدول العربية في بغداد عاصمة العراق لعقد القمة العربية الرابعة والثلاثين. وبحسب ما ورد، عقدت هذه القمة بحضور ستة رؤساء دول ومسؤولين من الدول العربية فقط، إلى جانب عدد من رؤساء الوزراء ونوابهم ووزراء الخارجية. وفي الواقع، انعقدت القمة العربية الأخيرة في بغداد بحضور ضعيف من الزعماء والمسؤولين الكبار من الدول العربية، ومن دون تحقيق أي تقدم في الأزمة الإنسانية في غزة.
الغياب المشكوك فيه للعرب في بغداد
وأشار مراقبون عرب إلى عدة أسباب لضعف الحضور العربي في قمة بغداد. ومنها غياب استقلالية القرار في العراق، والفوضى الإعلامية، وعدم الاستقرار الإقليمي، والنزاعات العربية-العربية، بما في ذلك الصراع بين العراق والكويت على المياه الإقليمية لخور عبد الله. ومن ناحية أخرى، غيرت الدول العربية أولويات سياستها الخارجية على حساب التخلي عن القضية الفلسطينية، ولم يعد القادة العرب يولون أهمية كبيرة لقمة لا تلبي أولوياتهم الاقتصادية والتجارية. وهناك أيضاً اختلافات في الرأي بين بغداد والدول العربية حول قضايا مختلفة، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وافقت الجامعة العربية على مبدأ حل الدولتين للقضية الفلسطينية، فيما ترفضه بغداد تماشياً مع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل الذي أقره مجلس النواب.
وفيما يتعلق بسوريا، هناك أيضاً خلاف بين الحكومة العراقية وحكومات عربية أخرى، وهناك جهد كبير من قبل العرب للضغط على بغداد للتوافق مع سياسات الدول العربية فيما يتعلق بحكومة الجولاني. ويعد عدم دعوة الجولاني للسفر إلى العراق بسبب سجله الجنائي، نقطة خلاف أخرى بين العراق والدول العربية. وهناك نزاع آخر يتعلق بالنزاعات بين العراق والكويت بشأن ميناء خور عبد الله. ويبدو أن غياب شخصيات مهمة من دول الخليج عن قمة بغداد يأتي في إطار الضغوط التي تمارسها هذه الدول على العراق لإنهاء ملف ترسيم الحدود وتنظيم الملاحة المشتركة في مضيق عبد الله. في حين لم تتمكن العراق والكويت حتى الآن من التوصل إلى نتيجة أو تفاهم بشأن الشحن في خور عبد الله، ولا يزال النزاع الحدودي بين البلدين العربيين قائما.
عدم فعالية جامعة الدول العربية في الأزمة الفلسطينية
وهناك قضية أخرى لم يتم التطرق إليها في القمة العربية الأخيرة في بغداد، وهي قضية فلسطين واستمرار الحرب والقصف على غزة. هذا في حين أن المادة الثانية من اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بحسب تصريحات خبراء من العالم العربي، تلزم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية باعتبار أي اعتداء مسلح على أي دولة عربية عدواناً عليها جميعاً، واتخاذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لرد هذا العدوان وإعادة الأمن والسلام إليها. ورغم هذا المبدأ المتفق عليه بين الدول العربية، فإن الدول العربية لم تتخذ خلال العشرين شهراً الماضية، التي استمرت فيها الحرب على غزة على أشدها، أي إجراء عملي أو تنفيذي لوقف قصف غزة، رغم عقد عدة قمم عربية.
ويرى محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي المصري، أن القمة العربية يجب أن تتضمن آليات فورية لدعم الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ودعم خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، واتخاذ موقف موحد وحاسم ضد خطط التهجير، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لمواجهة التهديدات المشتركة، واستخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية الموجودة ضد العدوان الإسرائيلي. وأضاف عضو جمعيتي القانون الدولي الأميركية والأوروبية في تصريح لروسيا اليوم أن قمة جامعة الدول العربية يجب أن تتخذ قرارات ملزمة وفعالة لإرسال رسالة واضحة للعالم. رسالة مفادها أن العرب لن يسمحوا بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأن هناك خطوطاً حمراء فيما يتعلق بفلسطين، وأن العرب مهما كانت الضغوط لن يسمحوا بتجاوز هذه الخطوط الحمراء.
والحقيقة أن التهجير القسري للمدنيين يعتبر جريمة حرب بموجب المادة الثامنة من نظام روما، وجريمة ضد الإنسانية بموجب المادة السابعة، والدول العربية ملزمة قانوناً بمنع جرائم تهجير سكان غزة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء حتى الآن. وقال الخبير الأردني عبدالله عبدالله لـ"العربي الجديد" عن سير عمل القمة العربية للشعب الفلسطيني: "يجب على القمة العربية تفعيل الآليات القانونية الدولية لمنع التهجير القسري للفلسطينيين، لكن الاتحاد لم يتخذ هذا الإجراء حتى الآن". ويرى كثيرون أن الأزمة الحالية في غزة تتطلب قيادة حكيمة وشجاعة من العرب تتجاوز الخلافات التافهة وتضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها. كما أن نظرة على وسائل التواصل الاجتماعي وردود أفعال المستخدمين العرب تجاه حرب غزة تظهر أيضاً أن الشعوب العربية تنتظر بفارغ الصبر القرارات التاريخية لقادتها، وأنها سئمت من التصريحات الخطابية المكررة.