الوقت - اجتمع قادة جامعة الدول العربية في بغداد، عاصمة العراق، يوم السبت، لمناقشة وتبادل وجهات النظر حول التحديات الجوهرية التي تواجه منطقة غرب آسيا، وخاصةً الأزمة الفلسطينية، تنعقد القمة تحت شعار "الحوار والتضامن والتنمية" بهدف إيجاد حلول مشتركة للقضايا الإقليمية.
إلى جانب الرؤساء العرب، يشارك في القمة عدد من رؤساء المنظمات الإقليمية والدولية، يتقدمهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وشخصيات دولية بارزة.
مع ذلك، لم تحضر بعض الدول العربية على مستوى القمة، لم يحضر الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، حيث ترأس الوفد السوري وزير الخارجية، كما لم تحضر أيٌّ من دول الخليج العربية الست القمة على مستوى القمة.
وفيما يتعلق بجدول أعمال القمة، صرّح المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، قائلاً: "أعدّ العراق 18 مبادرة استراتيجية ستُناقش خلال القمم الثلاث، وقد توزّعت هذه المبادرات بين القمة العربية الدورية، والقمة الاقتصادية والتنموية الخامسة، وقمة آلية التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن، التي ستُعقد على هامش القمة.
ومن أبرز البنود التي طُرحت في هذه الحزمة من المبادرات: مبادرة مجلس وزراء التجارة العرب، وتحقيق الأمن الغذائي، بالإضافة إلى مرحلة الإصلاح الاقتصادي العربي المستقبلية، وتوفير ملاجئ آمنة للمتضررين من الكوارث والمخاطر، وزيادة الأمن السكني، ومبادرات لزيادة التعاون لمواجهة آثار تغير المناخ.
وفي هذا الصدد، أكد حسام زكي، نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن المبادرات التي قدمها العراق تعكس رؤية واضحة لتعزيز التعاون العربي في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ووفقًا لوكالة أنباء الصباح، سيتضمن جدول أعمال الجلسة الافتتاحية في قصر بغداد التسليم الرسمي لرئاسة القمة العربية الرابعة والثلاثين من البحرين إلى العراق بعد كلمة لممثل البحرين، بعد ذلك، تُلقى كلمة مندوب العراق بصفته رئيسًا للدورة الرابعة والثلاثين للقمة، تليها كلمة أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، تليها كلمات الضيوف، ثم كلمات القادة العرب، بعد ذلك، يعقد المشاركون في القمة جلسة عمل مغلقة يتم فيها إقرار جدول الأعمال ومناقشة مسودات البيانات والقرارات.
وفي ختام القمة، تُعقد جلسة علنية بحضور وسائل الإعلام والضيوف الرسميين، تتضمن قراءة إعلان بغداد، والكلمة الختامية لممثل العراق بصفته رئيسًا للمؤتمر، ثم كلمة قطرية.
وبخصوص الدورة العادية الخامسة لقمة القادة العرب التنموية والاقتصادية والاجتماعية، من المقرر أيضًا أن تبدأ القمة بجلسة افتتاحية يتحدث فيها مندوب لبنان بصفته رئيسًا للدورة السابقة للقمة التنموية، تليها كلمة مندوب العراق بصفته رئيسًا للدورة الحالية، قمة التنمية، بالإضافة إلى كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية وكلمات رؤساء الوفود.
مع استضافة العراق لقمة جامعة الدول العربية، تسود توقعات واسعة بأن يلعب دورًا فاعلًا في دعم القضية الفلسطينية وإدارة التحديات الإقليمية، بفضل موقعه الجيوسياسي، وعلاقاته المتوازنة مع دول محور المقاومة والعالم العربي، وسعيه لإحياء دوره التاريخي في السياسة الإقليمية، أصبح العراق الآن في وضع يسمح له بالعمل كوسيط فعال لخلق التضامن والتقارب الإقليمي.
ما الذي يسعى إليه العراق من عقد قمة جامعة الدول العربية؟
باستضافة هذه القمة في ظل اضطرابات الأزمات الإقليمية، يسعى العراق أيضًا إلى تحقيق أهدافه، حيث تسعى بغداد إلى تعزيز مكانتها كفاعل ووسيط فاعل في التطورات الإقليمية، ويرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني هذه القمة فرصة تاريخية لإعادة رسم مسار التعاون العربي وتقديم مبادرات مشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية.
من خلال استضافة قمة جامعة الدول العربية، يسعى العراق إلى تعزيز دوره الجيوسياسي في غرب آسيا والعمل كجسر بين مختلف الأقطاب الإقليمية، حيث إن موقع العراق الجغرافي في قلب غرب آسيا، وعلاقاته الاستراتيجية مع إيران، وعلاقاته الجيدة مع دول الخليج العربية، كلها عوامل وضعته في موقع فريد للوساطة وتحقيق التوازن.
بهذا الإجراء، يوجه العراق رسالة واضحة للعالم مفادها بأنه يسعى للعودة إلى الساحة الدبلوماسية الإقليمية الفاعلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والسعي إلى بناء نظام جديد قائم على التعاون والحوار في العالم الإسلامي.
ومن أولويات العراق في استضافة قمة جامعة الدول العربية التركيز بشكل خاص على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، وقد واجهت الحكومات العراقية المختلفة في السنوات الأخيرة تحديات مستمرة، مثل الاعتماد على النفط، والبطالة، وضعف البنية التحتية، ونقص الاستثمار الأجنبي، لذلك، يُعد اجتماع بغداد فرصة مهمة لجذب الدعم المالي والفني من الدول العربية الغنية، وخاصة دول الخليج العربية.
علاوة على ذلك، أكد المسؤولون العراقيون مرارًا وتكرارًا أن التنمية الاقتصادية المستدامة تتطلب تعاونًا إقليميًا وتعزيز التجارة والاستثمار المشترك، لذلك، تسعى بغداد إلى توقيع اتفاقيات مع الدول العربية في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا على هامش الاجتماع لتمهيد الطريق للنمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، وتشير التقديرات الأولية إلى أن قيمة تجارة السلع بين الدول العربية ستتجاوز 550 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وهو ما يمثل ما يقرب من 18-20% من إجمالي تجارة السلع للدول العربية.
يسعى العراق أيضًا إلى تقديم صورة جديدة لنفسه كدولة مستقرة وجاهزة للتعاون الاقتصادي، تُعد هذه الجهود جزءًا من استراتيجية بغداد طويلة المدى لتصبح مركزًا للاتصال والاقتصاد والعبور في غرب آسيا، ما سيعزز المصالح المحلية ويعزز مكانة البلاد الإقليمية.
يسعى العراق إلى ترسيخ دوره كممر حيوي يربط الشرق بالغرب ويربط تركيا بالخليج الفارسي، فبموقعه في المركز الجيوسياسي لغرب آسيا، يتمتع العراق بموقع متميز ليصبح طريق عبور رئيسيًا بين آسيا وأوروبا والعالم العربي.
من الخطط الاستراتيجية للعراق في هذا الصدد مشروع "طريق التنمية"، الذي يهدف إلى إنشاء خط سكة حديد وطريق بري من ميناء الفاو جنوب العراق إلى الحدود التركية، من شأن هذا المشروع أن يُحوّل العراق إلى طريق تجاري سريع بين الصين وتركيا وإيران والعالم العربي، حيث تُعدّ قمة جامعة الدول العربية فرصةً لجذب الاستثمارات العربية إلى هذه المشاريع، وحشد الدعم السياسي لتعزيز مكانة بغداد كمركز عبور.
ومن خلال تسليط الضوء على هذا الدور في قمة بغداد، يسعى العراق إلى تقليل اعتماده على عائدات النفط، وتعزيز مكانته الاقتصادية والاستراتيجيّة في المنطقة، وأن يصبح لاعبًا اقتصاديًا فاعلًا في المنطقة وخارجها، كحلقة وصل استراتيجية بين الشرق والغرب.
إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام العالم الإسلامي
على العراق أن يسعى جاهدًا لإحياء صرخة دعم فلسطين وشعب غزة في جامعة الدول العربية، التي خفتت تدريجيًا، ولإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام العالم الإسلامي، منذ بداية حرب غزة، اتخذت العديد من الدول الأعضاء مواقف حازمة ضد جرائم الكيان الصهيوني في اجتماعات جامعة الدول العربية، إلا أن الأسباب السياسية والضغوط الدولية قللت تدريجيًا من هذا الدعم مع مرور الوقت.
في ظل هذه الظروف، يتعين على بغداد، استنادًا إلى موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها المتزامنة مع إيران ودول الخليج العربية، أن تسعى جاهدة لإعادة بناء الوحدة الإسلامية دعمًا لفلسطين، وفي هذا الصدد، أكد مسؤولون عراقيون، ومنهم السوداني، أن فلسطين تبقى "القضية المركزية" للعالم العربي، وأن اجتماع بغداد سيكون فرصة لإعادة تحديد هذه الأولوية.
تشير التقارير إلى أن بغداد تسعى لتقديم مبادرة دبلوماسية تُقدم على أساسها دعمًا عمليًا وأكثر تماسكًا لأهالي غزة والمقاومة الفلسطينية، من وجهة نظر بغداد، فإن إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة جدول أعمال جامعة الدول العربية أمر ضروري، ليس فقط من منظور سياسي، بل أيضًا من منظور أخلاقي وإنساني، لذلك، يُظهر العراق من خلال هذا التحرك رغبته في استغلال موقعه لإحياء التضامن الإسلامي ضد العدوان الإسرائيلي، ولعب دور أكثر فاعلية في تحديد مسار المنطقة المستقبلي.
يُعدّ هذا الاجتماع فرصةً لتعزيز الوحدة العربية والتقارب الإسلامي، وطرح مبادرات سياسية واقتصادية وأمنية، وسيُحقق هذا الاجتماع نتائج وإنجازاتٍ مُرضيةً إذا ما رافقه بلورة نهجٍ جديدٍ في السياسة العربية والإسلامية، قائمٍ على التعاون والحوار والدعم المشترك للمُثُل العليا للعالم الإسلامي، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، إلا أنه إذا استمرت الخلافات في المجتمعات الإسلامية، فإنّ التعويل على مثل هذه الاجتماعات لحل مشاكل المنطقة لن يُشفي الجراح.