الوقت- في خضم التصعيد المتواصل على قطاع غزة، ومع تزايد الضغوط الدولية والجهود الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة الأوضاع، نفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشكل قاطع صحة ما تم تداوله بشأن قبولها بوقف مؤقت لإطلاق النار مع الكيان الإسرائيلي، وجاء هذا النفي الحاسم في توقيت دقيق، تزامنًا مع تصاعد العمليات العسكرية للاحتلال في القطاع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، ما جعل أي تصريح أو شائعة موضع متابعة دقيقة من الرأي العام المحلي والدولي.
أوضحت حماس، في بيان رسمي نشر عبر وسائل إعلام مقربة منها، أن ما يُشاع حول موافقتها على مقترح لوقف مؤقت لإطلاق النار أو إرسال وفد إلى القاهرة لمناقشة اتفاق مزعوم، لا أساس له من الصحة، واعتبرت أن هذه المعلومات تأتي في إطار "حرب نفسية" تُمارس ضدها عبر الإعلام بهدف التشويش على مواقفها وإرباك صفوفها الداخلية، ودفعها إلى التراجع عن شروطها السياسية والميدانية.
وأكدت الحركة أنها لم تتلقَّ رسميًا أي مبادرة واضحة تستوفي شروط الشعب الفلسطيني، مشددة على أن كل ما يُنشر منسوبًا لمصادر "مجهولة" لا يعكس واقع المفاوضات ولا التوجه الرسمي للحركة.
ثوابت المقاومة ومواقفها المعلنة
في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، شدد القيادي في حماس، سامي أبو زهري، على أن "الحركة ثابتة على مطالبها في أي مباحثات، ولن تقبل باتفاق لا يشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، وضمان العودة الكاملة للنازحين، إلى جانب بدء جاد لإعادة الإعمار".
وفي السياق ذاته، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية – من بينها "القناة 12" – وجود "تقدم طفيف" في مفاوضات غير مباشرة برعاية مصرية وقطرية، لكن مسؤولين إسرائيليين أعربوا عن خيبة أمل من موقف حماس "غير المرن"، حسب تعبيرهم، بينما أكد متحدثون باسم المقاومة أن "إسرائيل" تحاول فرض وقف مؤقت دون التزام حقيقي بوقف العدوان.
يأتي نفي حماس ضمن استراتيجيتها الإعلامية والسياسية لمواجهة ما تعتبره "أدوات ضغط غير مباشرة"، حيث ترى أن بعض الأطراف تعتمد على تسريبات مضللة تهدف إلى خلق انقسامات داخلية بين الأجنحة السياسية والعسكرية، أو بين الحركة وسكان غزة، الذين يواجهون ظروفًا إنسانية متدهورة.
دروس الماضي وتحذير من اتفاقات مؤقتة
إن إصرار حماس على وقف دائم وشامل للعدوان يعكس إدراكًا عميقًا للدرس السياسي المستفاد من تجارب التهدئة السابقة، وخاصة تلك التي انتهكتها "إسرائيل" مرارًا تحت ذرائع أمنية أو سياسية.
تُدرك الحركة، ومعها فصائل المقاومة الأخرى، أن القبول باتفاق هش ومؤقت دون ضمانات دولية واضحة قد يُستخدم لاحقًا ذريعة لتأجيل تنفيذ المطالب الجوهرية، مثل إعادة الإعمار أو فتح المعابر، كما حدث بعد عدوان 2014.
من جهة أخرى، يبدو أن "إسرائيل" تسعى إلى تهدئة قصيرة الأمد لإعادة ترتيب صفوفها السياسية والعسكرية، في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة على حكومة نتنياهو، وانتقادات الشارع الإسرائيلي لأداء الجيش في غزة. ومن هنا، فإن الحديث عن "وقف مؤقت" لا يعكس بالضرورة رغبة حقيقية في إنهاء الحرب، بل محاولة لالتقاط الأنفاس ميدانيًا وسياسيًا.
الوساطات مستمرة والكارثة الإنسانية تتفاقم
تجري وساطات دولية وعربية منذ أشهر، تلعب فيها مصر وقطر دورًا محوريًا في محاولة الوصول إلى تفاهمات بين حماس و"إسرائيل"، ورغم إعلان بعض الوسطاء عن وجود تقدم في محادثات غير مباشرة، إلا أن التباينات الجوهرية بين الطرفين لا تزال تُصعّب الوصول إلى اتفاق دائم، فمصر تؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل كامل وضمان فتح المعابر، بينما ترفض "إسرائيل" تقديم تنازلات ملموسة تتعلق بالحصار ورفع القيود عن القطاع.
على الجانب الإنساني، يستمر الوضع في غزة في التدهور الخطير، حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ويواجه آلاف المدنيين خطر المجاعة نتيجة انقطاع الإمدادات الغذائية، وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن "الحصار المفروض على غزة أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، تهدد باندلاع كارثة صحية واجتماعية شاملة" (الأمم المتحدة، تقرير مارس 2025).
كما أبدت فصائل فلسطينية أخرى، أبرزها حركة الجهاد الإسلامي، موقفًا مشابهًا، إذ أكدت رفضها لأي اتفاق مؤقت لا يحقق مطالب الشعب الفلسطيني، معتبرة أن التهدئة يجب أن تقوم على وقف شامل للعدوان ورفع كامل للحصار، وقد أعلنت الجهاد استعدادها للتنسيق مع حماس لتحقيق هذه الأهداف (بيان الجهاد الإسلامي، أبريل 2025).
المشهد التفاوضي وتعقيداته السياسية
سياسيًا، تواجه "إسرائيل" معضلة داخلية مع تصاعد الانتقادات الشعبية والإعلامية لأداء حكومتها في إدارة الصراع، بينما تتهم حماس والفصائل المقاومة الاحتلال بمحاولة استنزاف القطاع عبر شن هجمات متكررة وفرض حصار خانق، ويعكس هذا الواقع تعقيد المشهد التفاوضي، إذ يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب ميدانية قبل الانخراط في أي اتفاق سياسي طويل الأمد.
في ظل هذه المعطيات، يُتوقع استمرار الجولة الحالية من التصعيد والضغوط الدبلوماسية، بالتوازي مع استمرار الشائعات والتقارير المتضاربة حول طبيعة المفاوضات ومواقف الأطراف المختلفة.
وتواصل حماس تمسكها بموقفها الرافض لأي حلول جزئية أو مؤقتة لا تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتشدد على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وانسحابًا كاملاً للقوات الإسرائيلية، وضمان فتح المعابر، وعودة النازحين، بالإضافة إلى بدء عملية إعادة إعمار حقيقية بإشراف دولي.
حتى الآن، لا ترقى التحركات الدولية إلى مستوى الأزمة، إذ ما زالت الوساطات تدور في دائرة العروض غير المكتملة، فيما يواصل الاحتلال عملياته العسكرية دون توقف، ما يُنذر بتفاقم الكارثة الإنسانية وتراجع فرص التهدئة.
بناءً على الوقائع الميدانية والسياسية، فإن الرهان على تهدئة مؤقتة دون التزام إسرائيلي واضح بوقف العدوان، يبقى خيارًا محفوفًا بالمخاطر، ويبدو أن تشدد حماس يعكس وعيًا استراتيجيًا بعدم تكرار أخطاء سابقة نتجت عن اتفاقات مؤقتة لم تصمد أمام التصعيد الإسرائيلي المتكرر.
إن الوصول إلى هدنة حقيقية يتطلب تدخلًا دوليًا فعّالًا، وضمانات تفرض على إسرائيل وقف عدوانها، ورفع الحصار، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. كما أن على الأطراف الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التوقف عن التعامل مع الصراع وكأنه نزاع متكافئ، في وقت يتعرض فيه طرف للاحتلال والحصار، ويُمكن فقط لحلول جذرية أن تنهي هذه المأساة المستمرة.