الوقت - لم تكن ليلة "يوروفيجن 2025" في بازل السويسرية مجرد احتفال موسيقي أوروبي صاخب، بل تحولت إلى منصة صاخبة للاحتجاج السياسي والإنساني، حيث طغت هتافات المتظاهرين ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة على أصوات الغناء وأضواء المسرح، في واحدة من أكثر نسخ المسابقة إثارةً للجدل في تاريخها.
رغم فوز النمسا باللقب عبر مغني الأوبرا الشاب "جيه جيه" الذي قدّم مزيجًا مدهشًا من الأوبرا والتكنو في أغنيته "Wasted Love"، كانت الأضواء في الواقع مسلطة على لحظة صعود المغنية الإسرائيلية "يوفال رافائيل" إلى خشبة المسرح، حين علت أصوات الاستهجان، وارتفعت الأعلام الفلسطينية في أرجاء القاعة، ليهتف الحضور: "هذا ما يحدث حقًا عندما تغني إسرائيل".
فن على وقع الدماء
المسابقة التي تابعها أكثر من 160 مليون مشاهد حول العالم، شهدت مظاهرات واسعة، طالبت بإقصاء "إسرائيل" من المنافسة، حيث اعتبر المحتجون أن مشاركة تل أبيب تمثل "تلميعا" لجرائمها ضد المدنيين في غزة.
وفي وقتٍ كانت تُعرض فيه المشاركات الموسيقية على المسرح، حاول محتجان اختراق الحواجز الأمنية للوصول إلى المنصة، في لحظة كادت أن تعطل الحدث برمّته، قبل أن تتدخل قوات الأمن السويسرية وتوقفهما، مع الإبلاغ عن قيام أحدهما برش مادة طلاء على أرضية المسرح.
غضب الشارع يقابل صمت المنظمين
بينما كانت شوارع بازل تشهد تظاهرات حاشدة مناهضة للحرب الإسرائيلية، رفعت فيها لافتات كتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية"، و"لا مشاركة لمجرمي الحرب"، آثرت الجهة المنظمة – اتحاد البث الأوروبي (EBU) – التمسك بما وصفته بـ"الحياد السياسي"، داعيةً إلى احترام "قيم المسابقة" التي تشمل الشمولية والتنوع واللاعنف، رغم أنها سبق أن استبعدت روسيا من المشاركة بسبب غزوها لأوكرانيا.
وفي مفارقة لافتة، سبقت المسابقة رسالة بثتها هيئة الإذاعة الإسبانية قالت فيها: "عندما تكون حقوق الإنسان على المحك، فإن الصمت ليس خيارًا، السلام والعدالة لفلسطين".
ضغط فني ورسمي لإقصاء "إسرائيل"
الاحتجاجات لم تقتصر على الشارع، بل وصلت إلى المنصات الرسمية والفنية، حيث وقّع أكثر من 4 آلاف فنان من الدول الإسكندنافية، نداءً يطالب بإقصاء "إسرائيل" من "يوروفيجن"، فيما أعلن "نيمو"، الفائز السويسري بنسخة 2024، صراحة رفضه مشاركة "إسرائيل" في نسخة هذا العام.
كما أرسل أكثر من 70 فنانًا سابقًا في "يوروفيجن"، من ضمنهم التركية "هاديسه" التي شاركت عام 2009، رسالة رسمية إلى الاتحاد الأوروبي للبث، يطالبون فيها باستبعاد "إسرائيل"، بسبب "الفظائع المستمرة في غزة".
مفارقات النتائج وأصوات الجماهير
رغم كل ذلك، وصلت "إسرائيل" إلى المركز الثاني بـ357 نقطة، متأخرةً بفارق ضئيل عن النمسا التي حصلت على 436 نقطة، فيما جاءت إستونيا ثالثة بـ356 نقطة، لكن النقاش ظل أكبر من مجرد نقاط ولجان تحكيم، بل امتد ليشمل الشرعية الأخلاقية لمشاركة دولة متورطة في حرب خلفت – منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 – أكثر من 174 ألف قتيل وجريح في قطاع غزة، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، وفق تقارير دولية.
حين يتحول الفن إلى منصة مقاومة
"يوروفيجن 2025" دخل التاريخ من باب السياسة، وليس من بوابة الغناء فقط، ففي حين أضاءت النمسا سماء بازل بانتصارها الفني، خيّمت سحب الغضب على الأجواء، إذ تحوّلت المسابقة إلى ساحة رمزية للصراع بين تطبيع القتل بالصمت، ومواجهة الجرائم برفع الصوت، حتى ولو تحت أضواء المسرح.
ربما فازت النمسا، لكن الفلسطينيين كانوا حاضرين بقوة في كل تفصيلة، ليُثبتوا مرة أخرى أن الفن، حين يكون صادقًا، لا يقف على الحياد.