الوقت- انتشرت مصادر الطاقة الروسية في أنحاء أوروبا على مدار عقود، من تدفئة الشقق في سلوفاكيا إلى تشغيل الصناعات الألمانية. وكانت الأصوات التي حذرت من أن الاعتماد على مورد واحد للطاقة أمرا تحفه المخاطر، أقلية غير مسموعة ،فمنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل 3 سنوات كافح الاتحاد الأوروبي كي يتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، ولكنه واجه عرقلة داخلية من بعض الدول الأعضاء.
وعندما انطلق الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا واتخذ خطوات تهدف إلى خفض واردات الفحم والنفط من موسكو.وحالياً صار الغاز محور الاهتمام. وفي ظل توفر المزيد من الغاز الطبيعي المُسال على مستوى العالم، يعتزم الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الغاز الروسي، والاستعانة بالغاز الطبيعي المُسال بدلاً منه – إن كان ذلك ممكناً، من مصادر أخرى غير روسيا.
وطرحت المفوضية الأوروبية، في وقت سابق من هذا الأسبوع، خارطة طريق نحو «التخلص التدريجي المنسق من إمدادات الطاقة الروسية» بحلول عام 2027.وقد يكون من السهل الحديث عن تحقيق هذه الأهداف، ولكن من الصعب تحقيق ذلك على أرض الواقع.
وبحسب المفوضية الأوروبية، انخفضت واردات الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي من 45% في عام 2021، إلى 19% في .2024 وتراجعت واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب بشكل حاد، ولكن عدة دول في الاتحاد الأوروبي زادت مشترياتها من الغاز الطبيعي الروسي المُسال.
ويتم نقل الغاز الطبيعي المُسال عن طريق البحر، وتفريغه في الموانئ، ثم إعادة تغويزه، وضخه في الشبكة الأوروبية.وبحسب تقديرات شركة «كيبلر» للبيانات، شكل الغاز الروسي 9% من استهلاك الاتحاد الأوروبي في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى أبريل/نيسان .2025 ولا تزال موسكو ضمن أكبر ثلاثة موردين للغاز، مع النرويج والجزائر.
وأشار المفوض إلى أن التكتل الأوروبي أنفق على شراء الوقود الأحفوري من روسيا أكثر من حجم المساعدات التي قدمها التكتل لأوكرانيا منذ عام 2022.ويتعين موافقة نواب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد على التشريع. وللمفوضية ليست بحاجة إلى موافقة جميع الدول الأعضاء (27) من أجل حظر الاستيراد، حيث يتطلب الأمر دعم أغلبية مرجحة من 15 دولة.
وانتقدت المجر وسلوفاكيا، اللتان تتمتعان بعلاقات وثيقة مع موسكو، هذه الخطط.ووصف رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو خطوة إنهاء جميع واردات الطاقة من روسيا بأنها «انتحار اقتصادي». يذكر أن سلوفاكيا والمجر تعتمد على الوقود الأحفوري الروسي، وتستورد 80% من استهلاكها من النفط من موسكو.
وفي نهاية عام 2024 – عندما انتهت صفقة عبور الغاز بين موسكو وكييف – كانت النمسا لا تزال تحصل على نحو 80% من احتياجاتها من الغاز من روسيا. وفقط عند هذه المرحلة توقفت عمليات التسليم.
وسوف يتعين على المفوضية الأوروبية كذلك إدارة الاعتماد المتنامي لبعض الدول الأعضاء على واردات الغاز الطبيعي المُسال من روسيا، والتي يذهب معظمها إلى ثلاث دول- بلجيكا وفرنسا وإسبانيا- وفقا لوكالة الطاقة الدولية، رغم إعادة تصدير كميات إلى دول مجاورة.
ولفرنسا وألمانيا، اللتين تشكلان أقوى ثقل اقتصادي في الاتحاد الأوروبي، مصلحة كبيرة في التحول بعيدا عن مصادر الطاقة الروسية.
وقبل إطلاق موسكو هجومها على أوكرانيا، كانت ألمانيا تستورد 55% من احتياجاتها من الغاز من روسيا. ومنذ ذلك الحين، تسعى برلين إلى تنويع مصادر وارداتها من الطاقة، وإقامة محطات للغاز الطبيعي المُسال. وسوف تواجه فرنسا تبعات واسعة جراء أي تحرك بعيدا عن الغاز الطبيعي المُسال الروسي، حيث إن لديها خمس محطات لنقله إلى أوروبا. وزادت واردات فرنسا من الغاز الطبيعي المُسال من روسيا بنسبة 81% خلال الفترة بين عامي 2023 و2024، بما حقق لروسيا دخلا بقيمة 2.68 مليار يورو.
وكانت روسيا ثالث أكبر مُوَرِّد للغاز الطبيعي لإسبانيا اعتباراً من شهر مارس/آذار الماضي، حيث بلغت حصتها 13.2% في الربع الأول من العام، خلف الجزائر وأمريكا (32% لكل منهما).
ويسلط استمرار تدفق الغاز بهذا الشكل الضوء على التحدي الذي تواجهه بعض الدول في إطار الحد من اعتمادها على الوقود الروسي، حتى وهي تعارض حرب الكرملين على أوكرانيا.
كما أن فتح الباب أمام المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة من شأنه أن يساعد بروكسل في الحد من التوترات التجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتعد أمريكا بالفعل أكبر مورد للغاز الطبيعي المُسال للاتحاد الأوروبي، بنسبة 45% في عام 2024، تلتها روسيا، 20%.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قال الرئيس ترامب إن على الاتحاد الأوروبي الالتزام بشراء مصادر طاقة أمريكية بقيمة 350 مليار دولار كي يستطيع التكتل الحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية التي فرضها.
وقالت المفوضية الأوروبية إنها تستهدف الاعتماد على موردين، يتراوحون من أمريكا إلى النرويج وقطر ودول شمال أفريقيا. ولكنها أشارت إلى أنه يتعين عليها في الوقت نفسه مراعاة مصالح المستهلكين.
وأسعار الطاقة المرتفعة قضية تتسم بالحساسية السياسية، فإذا ما أرادت المفوضية الأوروبية الفكاك من الاعتماد على الغاز الروسي، فسوف يتعين عليها مواجهة شبح ارتفاع جديد في أسعار الغاز، على غرار ما حدث في 2022، عندما بدأ الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات شديدة على موسكو .