الوقت - تناول إسحاق بيرك، الجنرال البارز في صفوف قوات الاحتياط الصهيونية والذي تولى سابقاً مسؤولية النظر في تظلمات العسكريين، في مقاله النقدي الجديد حول استمرار نيران الحرب المشتعلة على غزة، “المأزق الوجودي العميق” الذي يتخبط فيه الكيان بعد انقضاء ما يربو على العام والنصف من هذه الحرب المستعرة.
المأزق الوجودي للكيان الصهيوني في حرب غزة
على الرغم من أن إسحاق بيرك قد نبّه مراراً في مقالات کتبها سابقاً إلى عجز جيش الاحتلال عن إلحاق الهزيمة بحماس، وإلى تورط المؤسستين السياسية والعسكرية في نسج خيوط الخداع حول الرأي العام، إلا أن الجديد في طرحه الأخير هو تسليطه الضوء على مواجهة الكيان لتهديد داخلي متنامٍ ينخر في جسده ويفتت تماسكه من الداخل، وهذا التهديد ثمرة مرة لانهيار الثقة بالقيادات السياسية والعسكرية، وتصدع العلاقات بين أطياف المجتمع الإسرائيلي، وانحدار صورته في المحافل الدولية.
وقد شنّ إسحاق بيرك هجوماً لاذعاً على أداء جيش الاحتلال في غزة، مصرحاً: “الجيش يقف عارياً أمام التهديدات الخارجية المتصاعدة، وبنيامين نتنياهو يقامر بمصير الكيان على طاولة القمار السياسي، أما المكانة الدولية للكيان، وخاصة في الولايات المتحدة التي تمثّل حجر الزاوية في تحالفاته، فهي تنحدر في منزلق خطير لا قرار له".
"إسرائيل" لم تقترب حتى من هزيمة حماس
أعلن هذا الجنرال الصهيوني البارز، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام العبرية لقب “نبي الغضب” لتنبؤه بهجوم يشبه طوفان الأقصى من قبل المقاومة الفلسطينية: “لم يقترب الكيان الصهيوني قيد أنملة من إلحاق الهزيمة بحماس، وعلى الرغم من تحويله أجزاءً واسعةً من قطاع غزة إلى ركام، واستمرار آلته الحربية في دكّ هذا الشريط الضيق، فقد عجز عن بلوغ أي من أهدافه المنشودة".
وأضاف: “لقد نسج يوآف غالانت، وزير الحرب السابق، وهرتسي هاليفي، القائد السابق لأركان الجيش، ودانيال هاغاري، الناطق باسم جيش الاحتلال، بمعاونة أذرعهم الدعائية، خيوط الأكاذيب حول عقول الإسرائيليين، لذا دعوني أميط اللثام عن الحقيقة الساطعة، اعترف جيش الاحتلال مؤخراً أنه لم يتمكن سوى من تدمير ربع شبكة أنفاق حماس في قطاع غزة، بيد أنني أجزم بأن ما طاله التدمير لا يتجاوز عُشر هذه الشبكة، وأن قوام مقاتلي حماس في غزة لا يزال ثلاثون ألف مقاتل لم ينل منهم النقصان، وهذا يكشف بجلاء أن جيش الاحتلال، خلافاً لمزاعمه الواهية، قد أخفق في تقويض القوة العسكرية لحماس".
وأردف إسحاق بيرك: “الأنفاق التي تمتد عبر محور فيلادلفيا من صحراء سيناء إلى قطاع غزة لا تزال تنبض بالحياة، وتتدفق عبرها المعدات والتجهيزات، كما أن لواء رفح وسائر كتائب حماس لم تزل قائمةً لم ينل منها الفناء".
إيال زامير دمية تحركها أصابع نتنياهو
قال إسحاق بيرك، متجاوزاً العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه سابقاً بإيال زامير، الرئيس الجديد لأركان جيش الاحتلال إبان توليه منصب المدير العام لوزارة الحرب: “لقد خاب رجائي خيبةً مريرةً في إيال زامير، لقد وعدني بتبني توصيات الفرق المتخصصة التي أعددناها سوياً وإدراج هذه التوصيات في الخطة الاستراتيجية متعددة السنوات للجيش، لكنه نكث بكل عهوده ومواثيقه، كما أن الوعود التي قطعها إيال زامير لنتنياهو، تتناقض تناقضاً صارخاً مع تقييمه الحقيقي لقدرات الجيش وإمكاناته".
وجاء في ثنايا المقال: “إن الوعد الذي قطعه إيال زامير لنتنياهو بتحقيق النجاح في المهمة التي تكبد فيها هرتسي هاليفي الفشل الذريع، ألا وهي اجتثاث حماس وإقامة حكومة عسكرية في غزة، لم يكن سوى ثمن بخس دفعه لضمان اعتلائه سدة قيادة الأركان العامة للجيش، ما إيال زامير في حقيقة الأمر إلا دمية يحركها نتنياهو وإسرائيل كاتس، وزير الحرب، ويتواطأ معهما في خداع الإسرائيليين بأن الضغط العسكري سيفضي إلى تحرير الرهائن (الأسرى الصهاينة) من قبضة غزة".
وأكد الجنرال الصهيوني بلهجة قاطعة: “لقد آزر إيال زامير نتنياهو في نسف اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان سيفضي إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، بيد أن هذا القرار المشؤوم يجرّ في أذياله المزيد من الخسائر في صفوف قوات الاحتلال، ويعرّض حياة الأسرى لمخاطر محدقة، وفي تقديري أن جيش الاحتلال لا يزال يخوض غمار حربٍ هو فيها الخاسر الأكبر، واستمرار أوار هذه الحرب لن يفضي أبداً إلى تحقيق مآربه، بل سيوهن قدرة الجيش على التصدي للتهديدات المتعاظمة".
أبرز المخاطر التي تتهدد كيان الاحتلال وتقوض أركانه
شدّد إسحاق بيرك على أن الكيان الصهيوني يفتقر إلى الاستعداد لخوض حرب على جبهات متعددة، وسرد المخاطر الداخلية والخارجية المتصاعدة ضد هذا الكيان على النحو التالي:
-التهديدات المستجدة على امتداد الحدود الأردنية مع الكيان الصهيوني
-القوة المتنامية للجيش المصري الذي يتربع على عرش الجيوش العربية قوةً واقتداراً
-آلاف الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية المصوبة نحو قلب الكيان
-تصاعد وتيرة عمليات المقاومة في أرجاء الضفة الغربية
-القوة الضاربة التي لا تزال تتمتع بها حماس وحزب الله رغم الخسائر التي تكبداها في أتون الحرب
-التهديدات الداخلية النابعة من أوكار الجماعات اليهودية المتطرفة
-الخطر الداهم الذي تمثّله الصواريخ اليمنية بعيدة المدى
وفي خاتمة المقال، سخر إسحاق بيرك من تصريحات نتنياهو الجوفاء وتهديداته الفارغة، مؤكداً أن الكيان الصهيوني بات عاجزاً عن صيانة وجوده في مواجهة الأخطار المتصاعدة، وافتقاره إلى القدرة على التصدي لهذه التهديدات مجتمعةً في آن واحد.