الوقت- بعد سنوات من العلاقات المضطربة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة الأردنية، أعلنت عمان الأسبوع الماضي حظر أنشطة الجماعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد، واتهمت السلطات الأردنية المجموعة "بالقيام بأنشطة من شأنها زعزعة الاستقرار وتقويض الأمن الوطني والوحدة الوطنية"، لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين ناشطة سياسيا في الأردن منذ عقود، وحظر أنشطة هذه الجماعة الإسلامية يثير السؤال، أكثر من أي شيء آخر، حول سبب حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين بعد ثمانية عقود.
جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من تأسيسها إلى انقسامها
جماعة الإخوان المسلمين هي أقدم وأكبر منظمة إسلامية في الأردن، تأسست هذه المجموعة الأردنية في عمان عام 1946 بالتنسيق مع نواتها المركزية في مصر وحصلت على ترخيص رسمي من رئيس الوزراء الأردني آنذاك، تأسست المجموعة سابقًا في مصر في عشرينيات القرن العشرين. ويبلغ عدد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حالياً أكثر من 10 آلاف عضو.
في عام 2015 انقسمت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية إلى مجموعتين إصلاحيتين، جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وجماعة الإخوان المسلمين التقليدية، وعلى الرغم من أن هذين الفصيلين يعتبران متنافسين سياسيا، إلا أنهما يلتزمان بالمبادئ الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين من أجل الوصول إلى السلطة السياسية بهدف إقامة دولة إسلامية.
في سبتمبر/أيلول 2016، فاز حزب جبهة العمل الإسلامي التابع لجماعة الإخوان المسلمين بعشرة مقاعد من أصل 130 مقعداً في البرلمان، لكن مرشحي الإخوان الإصلاحيين خاضوا الانتخابات ضمن حزب منفصل يسمى حزب المؤتمر الوطني ولم يفوزوا بأي مقاعد في البرلمان الأردني.
وتتمثل استراتيجية الجماعة في الأردن دائما في التأكيد على المشاركة السياسية والمظاهرات الشعبية، مع رفض النشاط المسلح والعنيف، ولكن في اجتماع عام لجماعة الإخوان المسلمين في عمان في يناير/كانون الثاني 2013، أعلن همام سعيد، وهو مسؤول كبير في جماعة الإخوان الأردنية، أنه ملتزم بإقامة خلافة إسلامية في الأردن، وهذا الموقف تسبب في أن تنظر الحكومة الأردنية إلى أنشطة الجماعة بعين الريبة، ثم في مقابلة أجريت معه عام 2013 مع مجلة "ذا أتلانتيك"، اتهم الملك الأردني عبد الله الثاني زعماء الإخوان المسلمين بأنهم "ذئاب في ثياب حملان".
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التزام جماعة الإخوان المسلمين بمبدأ اللاعنف، فإن مسيرات الجماعة تحولت في مناسبات عديدة إلى العنف، حيث اشتبك المتظاهرون مع الشرطة، وفي مارس/آذار 2014، واجهت قوات مكافحة الشغب الأردنية متظاهرين من الإخوان المسلمين كانوا يخططون لمهاجمة السفارة الإسرائيلية في عمان، وذكرت التقارير أنه تم اعتقال عدد كبير منهم، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، اعتقلت السلطات الأردنية 31 شخصاً بتهمة الانتماء إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين كانت تنقل الأسلحة والأموال إلى الضفة الغربية.
خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، أشاد همام سعيد، أحد كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بـ"المقاومة البطولية" لحماس ضد "إسرائيل"، وتعارض جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إلى جانب جماعتها الأم في مصر، علاقة الأردن بـ"إسرائيل".
في مظاهرة جرت في مارس/آذار 2014 أمام السفارة الإسرائيلية في عمان، دعا همام سعيد الأردن إلى طرد السفير الإسرائيلي، وإلغاء معاهدة السلام مع "إسرائيل"، وإعلان اليهود "أعداء أمتنا"، كما أن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من المؤيدين بقوة لعملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس في الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد الكيان الإسرائيلي.
ومع ذلك، واجهت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية على مدى العقد الماضي انقسامات عديدة، وفي بعض الحالات أدت التنافسات الداخلية داخل هذه الجماعة الإسلامية إلى إضعافها بشكل عام، في الوقت الحاضر، ورغم أن ما لا يقل عن 30 عضواً في البرلمان الأردني ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، فإن هؤلاء الأعضاء الثلاثين لا يتحالفون ولا يصوتون مع بعضهم البعض في جميع القضايا، في الواقع، ومع استمرار الصراع بين الفصائل المختلفة في جماعة الإخوان المسلمين، يتساءل المراقبون عن مدى فعالية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
نهج الإخوان الأردنيين
وتصف المجموعة الأردنية نفسها بأنها جماعة دعوة إسلامية معتدلة تعمل على نشر روح الاعتدال في المجتمع ومحاربة التطرف والتعصب، وحسب محللين عرب، تولي هذه المجموعة في الأردن اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، ويتهمها منتقدو هذه المجموعة في الأردن بتقديم القضية الفلسطينية على المصالح الوطنية الأردنية.
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن هناك "تنسيقاً" وثيقاً بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وقال رحيل الغرايبة، الرئيس السابق للمكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن حركة حماس في الواقع انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وأن أساس تشكيل هذه المجموعة المقاومة في غزة هو تابع لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن داعمة لحكومة البلاد لعقود من الزمن، سمحت السلطات الأردنية للجماعة بالعمل في منتصف القرن العشرين، خلال فترة كانت فيها الأحزاب السياسية في الأردن محدودة، ولكن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية تصف نفسها دائماً بأنها "حزب معارض للطبقة الحاكمة والحزب الأردني الأكبر والأقوى والأكثر نفوذاً".
الحظر بعد 8 عقود
بعد 80 عاما من النشاط السياسي والديني في البلاد، أعلنت الحكومة الأردنية الأسبوع الماضي حظرا رسميا على جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة مقراتها وممتلكاتها، وتجريم أي ترويج لأفكار الجماعة أو منشوراتها، ويأتي القرار الذي أعلنه وزير الداخلية الأردني، بناء على حكم قضائي نهائي صدر عام 2020 عن محكمة الاستئناف، ويتضمن القرار أيضا "إغلاق المكاتب أو المقرات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين أو أي كيان تابع لها ومنع التعامل معها".
وحسب مصادر حكومية أردنية رسمية، فإن السلطات الأردنية داهمت منذ الإعلان عن حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، عدداً من المنازل والمكاتب التابعة للإخوان، وفتشتها، وأغلقتها، ورغم إغلاق المقر الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2020 بناء على أمر قضائي، فإن المراقبين يقدرون أن هناك نحو 50 مقرا آخر للحزب تعمل حاليا في الأردن.
لماذا الأردن قلق؟
وقد أدت التطورات المرتبطة بيوم الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعملية طوفان الأقصى التي شنتها القوات الفلسطينية ضد "إسرائيل"، إلى تنامي شعبية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي قدمت نفسها دائماً على أنها طليعة دعم فلسطين، لقد جاء فوز الائتلاف السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الأردنية عام 2024، بحصوله على 31 مقعداً من أصل 138 مقعداً، بمثابة صدمة للمراقبين السياسيين، وقد فاز هذا الائتلاف السياسي بنحو نصف مليون صوت من إجمالي 1.6 مليون ناخب مسجل، ما يجعله أكبر وأقوى منظمة معارضة في الأردن. وبناء على ذلك، يبدو أن الحكومة الأردنية تسعى إلى منع تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من خلال فرض القيود وحظر أنشطتها.
من ناحية أخرى، أثار موضوع الضغط على حماس في غزة والخطة الأميركية لسحب حماس من غزة قلق المسؤولين الأردنيين، وتخشى أمان من أنه في حال تنفيذ الخطة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لطرد حماس من غزة، فإن قوات حماس ستستخدم الأردن كقاعدة لها وتنضم إلى زملائها وأعضاء الحزب في الأردن، ولذلك تسعى الحكومة الأردنية بالفعل إلى الحد من أنشطة جماعة الإخوان المسلمين.
وهناك نقطة أخرى يجب أخذها في الاعتبار وهي أن حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن جاء تماشياً مع مخاوف السلطات في البلاد من تشكيل محور للإخوان المسلمين في المنطقة من قبل تركيا، بعد سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا وتشكيل حكومة قريبة من تركيا على يد أحمد الشرع، تشعر الحكومة الأردنية الآن بالقلق من أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي تربطها علاقات وثيقة بالحكومة السورية الجديدة ورجب طيب أردوغان في تركيا، سوف تتخذ خطوات أكثر جدية ضد النظام الملكي الأردني. ولذلك فإن أحد أهم مخاوف الحكومة الأردنية من حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين هو الخوف من تشكيل محور إخواني تريده تركيا في المنطقة.