الوقت- في تطور لافت يكشف عمق الأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة في معركتها المفتوحة مع القوى الحرة في المنطقة، اعترفت مصادر أمريكية رسمية بأن اليمنيين تمكنوا من إفشال المرحلة الثانية من العمليات العسكرية الأمريكية عبر إسقاط سبع طائرات مسيرة من نوع MQ-9، في ضربة مؤلمة لطموحات واشنطن بتحقيق تفوق جوي حاسم في الأجواء اليمنية، هذا الاعتراف، الذي نقلته شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين بارزين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، يسلط الضوء على معطيات جديدة تؤكد أن ميزان القوى في المنطقة يشهد تغيراً تدريجياً، وأن الشعوب الحرة باتت تملك اليوم من الأدوات والقدرات ما يجعلها عصية على مشاريع الهيمنة والغزو.
الرهانات الأمريكية.. بين الآمال والخيبات
كانت الخطة الأمريكية تراهن على أن ثلاثين يوماً من الغارات المكثفة كفيلة بتحقيق أهدافها في اليمن فرض تفوق جوي مطلق، وإضعاف الدفاعات الجوية اليمنية، وتهيئة الأرضية لتوسيع الهجمات، إلا أن سير العمليات خالف كل الحسابات العسكرية الأمريكية، بعدما تمكن اليمنيون من تطوير قدراتهم الدفاعية إلى مستويات أربكت المخططين العسكريين في واشنطن، فبينما كانت الإدارة الأمريكية تتوقع انهياراً سريعاً لمنظومات الدفاع الجوي اليمنية، جاءت النتيجة عكسية، خسارة الطائرات المسيرة الحديثة واحدة تلو الأخرى، وتزايد قدرة اليمنيين على استهدافها بدقة عالية.
القدرات اليمنية.. إرادة لا تنكسر
كشفت مصادر "سي إن إن" أن العزيمة اليمنية، والقدرة على استهداف الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، لم تتراجع رغم شدة القصف واستمراريته لأكثر من ستة أسابيع وهذا المعطى يكشف حقيقتين مهمتين، فشل سياسة الاستنزاف التي اعتمدتها الولايات المتحدة ضد اليمن، وثبات البنية القيادية والتنظيمية للمقاومة اليمنية، وعدم تأثرها بالمحاولات الأمريكية لتفكيكها أو إرباكها، بل إن هذا الثبات والمقاومة، حسب تحليلات بعض الخبراء العسكريين، أظهرا أن اليمنيين انتقلوا من مرحلة الدفاع المحدود إلى مرحلة الرد الفاعل وإدارة المعركة بوعي ومهارة عالية.
خيارات واشنطن المحدودة.. بين التصعيد والانسحاب
إزاء هذا الإخفاق الميداني، بدأت النقاشات داخل الإدارة الأمريكية تتجه نحو مراجعة شاملة للاستراتيجية، فحسب مسؤول أمريكي، تدرس واشنطن خيارين رئيسيين، تصعيد الهجمات العسكرية، رغم إدراكها أن التصعيد قد يجلب ردوداً أوسع وأخطر من قبل اليمنيين، التفكير الجاد بإنهاء العمليات العسكرية، خشية من الغرق في مستنقع استنزافي جديد مشابه لما حصل في العراق وأفغانستان، ومهما كان الخيار الذي ستتبناه الإدارة الأمريكية، فإن حقيقة الميدان اليمني أصبحت واضحة، ليست السماء مفتوحة للأمريكيين كما كانوا يتخيلون، ولا المعركة قابلة للحسم السريع كما خططوا.
دلالات إسقاط المسيرات الأمريكية.. أبعاد استراتيجية
إن نجاح المقاومة اليمنية في إسقاط سبع طائرات مسيرة أمريكية يحمل دلالات استراتيجية عميقة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية، إسقاط هيبة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية التي طالما روج لها باعتبارها لا تُقهر، إبراز إرادة الصمود لدى الشعوب الحرة في مواجهة أعتى قوى الغطرسة العالمية، التأكيد على أن المعركة في اليمن تجاوزت الحدود المحلية وأصبحت معركة رمزية لإرادة التحرر العربي والإسلامي، توجيه رسالة قوية للكيان الصهيوني بأن أي مغامرة عدوانية، سواء مباشرة أو عبر وسطاء، ستواجه بردود فعل قاسية وغير متوقعة.
اليمن.. أنموذج صاعد للمقاومة العصرية
يبرهن اليمن اليوم أنه أصبح أكثر من مجرد ساحة صراع إقليمي؛ إنه نموذج صاعد للمقاومة العصرية التي تجمع بين الابتكار العسكري المحلي والقدرة على التكيف مع المتغيرات الميدانية، الصبر الاستراتيجي في إدارة المعارك الطويلة، ولعل أبرز ما يميز التجربة اليمنية هو الجمع بين العمل العسكري الميداني، وبين الوعي السياسي والإعلامي، بحيث باتت المقاومة قادرة على إدارة معركة متعددة الأبعاد: عسكرية، وسياسية، وإعلامية معاً.
في الختام، لا يمثّل اعتراف الإدارة الأمريكية بإخفاقها في اليمن مجرّد نكسة تكتيكية عابرة، بل يشكّل زلزالاً استراتيجياً يُعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم، لقد تحوّل اليمن من ذلك البلد الفقير الذي اعتبرته واشنطن "الحلقة الأضعف" في المنطقة، إلى مختبر حيّ لفشل المشروع الأمريكي، وإلى منارة تُضيء درب الشعوب التوّاقة للتحرّر، فبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يتمكّن أعتى جيش في التاريخ من كسر إرادة شعب اليمن، لقد سقطت الطائرات المسيّرة المتطورة واحدة تلو الأخرى، وفي كلّ مرّة يُسقط فيها اليمنيون طائرة أمريكية، فإنهم لا يقتلعون فقط أجنحة التفوّق الجوّي للعدو، بل يقتلعون معها جذور الهيمنة الأمريكية الراسخة في العقل الجمعي العالمي.
لقد أثبت اليمن أن قوانين الحرب الجديدة لم تعد تُكتب في أكاديميات واشنطن العسكرية، بل تُكتَب اليوم في جبال صعدة ووديان مأرب، فالمقاومة اليمنية أعادت تعريف مفاهيم القوّة، لتصبح القوّة الحقيقية هي قوّة الإرادة، وقدرة الشعوب على تحويل أدوات عدّوها إلى نقاط ضعف له، لقد حوّل اليمنيون الحصار والعقوبات إلى محفّز للابتكار، والعدوان إلى مدرسة لتخريج أجيال جديدة من المقاومين.
الأهمّ من ذلك كلّه، أن النموذج اليمني قد كسر القناعة السائدة بأنّ الشعوب عاجزة عن مواجهة القوى العظمى، فاليوم، لم تعد المقاومة مجرّد ردّ فعل، بل أصبحت مشروعاً تحررياً متكاملاً يجمع بين العسكرة الذكية، والوعي السياسي، والإعلام المقاوم، والدبلوماسية الشعبية، لقد نجح اليمن في تحويل معركته من مواجهة محلية إلى قضية عالمية، تهمّ كلّ الأحرار في العالم، وفي الوقت الذي تتخبّط فيه واشنطن بين خيارين مرّين - التصعيد الذي قد يجرّها إلى مستنقع جديد، أو الانسحاب الذي يعني الاعتراف بالهزيمة - فإن اليمن يواصل كتابة ملحمته البطولية بثبات لا يتزعزع، فمع كلّ طائرة تسقط، ومع كلّ صاروخ ينطلق، تترسّخ حقيقة تاريخية لا مفرّ منها: لقد انتهى زمن الهيمنة وبدأ زمن المقاومة والصمود.