الوقت - وسط جراح الحرب، وبين ركام البيوت المنهارة، طفت على سطح المعاناة الفلسطينية في قطاع غزة شائعة، أو بالأحرى "خدعة ناعمة"، كما وصفها مسؤولون في غزة، تتمثل في "الهجرة الجماعية الطوعية" إلى خارج القطاع.
تحذيرات رسمية، بيانات أمنية، ومواقف إعلامية أجمعت على أمر واحد: إنها ليست أكثر من حملة تضليل ممنهجة، يقف خلفها الكيان الصهيوني في محاولة لضرب صمود الشعب الفلسطيني، والنيل من وعيه الوطني، بعد أن فشل العدوان العسكري في كسر إرادة سكان القطاع.
حملة خداع ممنهجة: بين الوهم والحقيقة
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أصدر بياناً حازماً يوم الإثنين، وضع فيه النقاط على الحروف، الحملة، كما جاء في البيان، تستهدف خلق وهم اسمه "الهجرة الآمنة"، وهي في الحقيقة واجهة لمخطط تهجير قسري مقنّع، شخصيات وصفها البيان بـ"الجدلية"، بالتعاون مع جهات خارجية، تروج لإمكانية مغادرة العائلات الفلسطينية عبر مطار رامون، بترتيبات قانونية مزعومة، في ترويج صريح لأكاذيب الاحتلال.
هذه المحاولات، حسب البيان، تأتي ضمن خطة خبيثة تهدف إلى تفكيك المجتمع الغزي من الداخل، مستغلة حالة الحرب والدمار، ودافعة الناس للرحيل ليس حباً في الرحيل، بل هرباً من الموت.
حرب نفسية تتسلل عبر الهواتف
وزارة الداخلية في غزة رفعت الصوت عالياً، محذرة المواطنين من التجاوب مع رسائل نصية أو مكالمات هاتفية تصلهم من جهات مجهولة، تدعوهم لمقابلات مع أجهزة مخابرات الاحتلال، بحجة تسهيل سفرهم، اتصالات هدفها ليس التيسير، بل التوريط، إنها محاولات لاختراق النسيج المجتمعي، وإيقاع الأفراد في شراك العمالة أو الاعتقال أو حتى التصفية، تحت عباءة "الهجرة الإنسانية".
"لا تقعوا في الفخ"، تقول الوزارة، ملوّحة بإجراءات قانونية ستطال كل من يثبت تجاوبه مع هذه الدعايات المسمومة.
الهجرة ليست خياراً آمناً
المكتب الإعلامي لم يكتفِ بنفي وجود أي ترتيبات لهجرة جماعية، بل أكد أن الحالات القليلة التي غادرت القطاع مؤخراً كانت من المرضى والجرحى، وقد خرجوا عبر معبر كرم أبو سالم بعد تنسيق رسمي، كل ما يُقال عن هجرة جماعية، وما يُتداول من أرقام واتصالات وأسماء محامين ومكاتب قانونية، ليس سوى أكاذيب منظمة، تخدم هدفاً استراتيجياً للاحتلال يتمثل في تفريغ الأرض من أهلها.
من الحصار إلى التجنيد: وجه آخر للاحتلال
بثّ الاحتلال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، تفاصيل ما وصفه بـ"آلية الخروج من غزة"، المخطط يبدأ بتواصل مع مكتب محاماة داخل "إسرائيل"، يزعم ترتيب خروج الأشخاص عبر معبر كرم أبو سالم إلى مطار رامون، ومنه إلى وجهات غربية وآسيوية.
لكن خلف هذا السيناريو "القانوني"، كما يقول ناشطون، تتوارى نوايا مبيتة، تندرج ضمن حرب نفسية وأمنية تستهدف استدراج الفلسطينيين من بوابة "الرغبة في النجاة".
مشروع تهجير جديد بوجه قانوني
الخطورة لا تكمن فقط في الحملات الإعلامية، بل فيما يُطبخ على نار هادئة داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية، فبعدما كشف وزير الأمن يسرائيل كاتس عن خطة لعزل غزة وتهجير سكانها، أُعلن عن إنشاء "مديرية التهجير"، التي يفترض أن تُعنى بتنظيم ما تسميه "إسرائيل"، "الهجرة الطوعية" لسكان غزة إلى دول ثالثة، بالتنسيق مع منظمات دولية.
ويرى مراقبون أن هذه المديرية ليست سوى غطاء رسمي لإعادة تفعيل مخطط قديم – جديد، قوامه إعادة رسم خريطة غزة ديموغرافياً، وتصفية القضية من جذورها.
ناشطون: لا تهاجر... لا تقع في الفخ
وفي مواجهة هذه الموجة، خرجت أصوات غزية تفضح المخطط وتقاومه بالكلمة، الناشط خالد صافي اعتبر الأمر "مشروعاً خبيثاً"، والناشط حكيم كشف عن محامٍ إسرائيلي يُدعى "يورام يهودا" يتواصل مع أهالي غزة ويتحدث العربية بطلاقة، ويُشتبه بانتمائه لجهاز الموساد.
أما الصحفي عميد شحادة، فكتب: "التهجير ليس نجاة، بل موت مضاعف... ركام غزة خير من مذلة المهجر". وهي رسالة وجدانية تعبّر عن قناعة ترسخت في وعي الفلسطيني: الوطن ليس فندقاً، ومن يخرج منه مجبراً قد لا يعود إليه أبداً.
فلسطين ليست للبيع
وفي ختام تحذيراته، قال المكتب الإعلامي الحكومي: "فلسطين أرض مقدسة، وهي ليست للبيع، وشعبنا الفلسطيني العظيم لن يُقتلع من هذه الأرض، والرباط فيها شرف ومقاومة، والهجرة منها وهم قاتل".
وفي ظل العدوان المتواصل، والحصار الخانق، والمجازر التي لا تتوقف، يتمسك الغزيون بترابهم، فهنا، بين الدمار والألم، يُكتب فصل جديد من صمود الفلسطيني، الذي يُدرك أن ما فشل الاحتلال في تحقيقه بالقوة، لن ينجح في تمريره بالخداع.