الوقت- منذ سقوط الحكومة السورية السابقة واحتلال دمشق على يد هيئة تحرير الشام، شهدت البلاد ثلاث تركيبات سياسية، آخرها ما أعلن عنه أبو محمد الجولاني قبل أيام، وقدمه كحكومة رسمية ومستقرة لسوريا لمدة 5 سنوات قادمة.
أولاً، تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة محمد البشير في الـ 8 من ديسمبر/كانون الأول 2024، والتي ظلت في السلطة حتى الـ 21 من ديسمبر/كانون الأول؛ ثم قام الجولاني بتعيين مزيج من العسكريين والأمنيين السابقين من هيئة تحرير الشام وبعض المجموعات المقربة في مناصب مثل وزير الدفاع (مرهف أبو قصرة)، وعلي نور الدين نعسان (رئيس هيئة الأركان العامة)، ومظهر الويس (وزير العدل)، وأسعد الشيباني (وزير الخارجية)، وكانوا جميعًا مسؤولين عن محافظة إدلب خلال ما تسمى حكومته الشرعية.
كما قام الجولاني بتقسيم محافظي مراكز المحافظات بين بعض قادته وقادة مجموعات أخرى مثل أحرار الشام وصقور الشام، لكن حكومته الأمنية قوبلت باحتجاجات محلية واسعة النطاق منذ البداية (بسبب الاختيار الأحادي الجانب لأعضاء من هيئة تحرير الشام والجماعات السنية) وضغوط خارجية لإدراج بعض الأقليات في الحكومة، وهكذا شهدنا انتخاب الحكومة السياسية الثالثة برئاسة أحمد الشرع (الجولاني) في الـ 30 من آذار/مارس من هذا العام.
محاولة إعطاء حصة للمجموعات الأخرى!
وفي حكومة الجولاني الجديدة، بقى أسعد الشيباني ومرهف أبو قصرة في منصبي وزير الخارجية ووزير الدفاع؛ وتم انتخاب أنس خطاب، الذي كان رئيساً لجهاز مخابرات "الجولاني" في الحكومة السابقة، وزيراً للداخلية هذه المرة.
وعين مظهر الويس وزيراً للعدل، ومحمد أبو الخير شكري وزيراً للأوقاف، ومروان الحلبي وزيراً للتعليم العالي، ومحمد البشير وزيراً للطاقة، ومحمد برنية وزيراً للمالية، ونضال الشعار وزيراً للاقتصاد، ومصعب نزال العلي وزيراً للصحة، والمرأة الوحيدة في الحكومة هي هند قبوات، من الأقلية المسيحية السورية، التي تم تعيينها وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل.
محمد برنية (وزير المالية)، ونضال الشعار (وزير الاقتصاد)، ويعرب بدر (وزير النقل) هم أعضاء في حكومة بشار الأسد السابقة.
ويعتبر محمد تركو ومروان الحلبي وزيرا التربية والتعليم العالي أيضاً من أعضاء المجتمع الأكاديمي في دمشق في الحكومة السابقة.
ومن بين الأقليات الدينية في سوريا، تم انتخاب وزير علوي واحد (للنقل)، ووزير درزي واحد (للزراعة)، ووزير كردي واحد (للتعليم)، ووزيرة مسيحية واحدة (للشؤون الاجتماعية).
وبطبيعة الحال، فإن انتخاب هند عبود قبوات، وهي وزيرة مسيحية، تسبب في احتجاجات واسعة النطاق ضد الجولاني من قبل الجماعات المتشددة، لأنها، بالإضافة إلى أنها ليست مسلمة، لديها تاريخ في دعم الحركات المثلية.
وعود فضفاضة للأكراد السوريين
في حين أن ميليشيات قسد قبلت مؤخراً طلب وقف إطلاق النار والتبعية السياسية لحكومة دمشق، بوساطة ونصيحة من الولايات المتحدة، حيث كان مظلوم عبدي، القائد العسكري لقسد، حاضراً في دمشق واجتمع مع أبو محمد الجولاني ووقع اتفاقية سلام وتعاون بين الجانبين، إلا أن تشكيلة الحكومة الجديدة كانت مخالفة تماماً للوعود والاتفاقيات بين الجانبين والشروط المقصودة للتعاون بين قسد وحكومة الجولاني.
تم التوصل إلى اتفاق بين الجماعات الكردية وحكومة دمشق، يقضي، مقابل تخلي قوات سوريا الديمقراطية عن الحكم الذاتي في المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، بإعطاء مناصب مثل وزير النفط والغاز ومنصب النائب الأول للرئيس لشخصيات كردية موجودة في المجلس السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، لكن لم يتواجد في حكومة الجولاني الجديدة أي من الشخصيات السياسية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، كما تم انتخاب وزير كردي واحد فقط لا تربطه أي صلات تنظيمية بقوات سوريا الديمقراطية.
نص الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق لانسحاب الأكراد من حلب
في حين شهدنا في الأيام الأخيرة انسحاب ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية/ وحدات حماية الشعب الكردية من مدينة حلب (حيي الشيخ مقصود والأشرفية) وسد تشرين في شرق منبج، فإن خرق الوعد والخداع الكبير من قبل الجولاني تسبب في غضب كبير بين الأكراد في سوريا.
ورغم أن الأحكام الرئيسية لاتفاق السلام بين الجانبين من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2025، إلا أنه يبدو أنه في ضوء المعاملة المؤلمة التي مارسها الجولاني تجاه الأكراد، فإننا سنشهد تصاعداً متجدداً في التوتر بين الجانبين، وربما تحركاً متجدداً من جانب الأكراد السوريين نحو السعي إلى الاستقلال وتقسيم سوري