الوقت- عُقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة وسط تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزايد المخاوف من سيناريو التهجير القسري للفلسطينيين، ورغم التأكيد العربي على رفض التهجير واعتماد خطة لإعادة الإعمار، إلا أن القمة اختُتمت دون قرارات واضحة بشأن مستقبل غزة، ودون تحديد الجهات الممولة لإعادة الإعمار، كما خلت من موقف موحد تجاه حركة حماس وسلاحها.
الانتقادات التي طالتها عديدة، سواء من حيث غياب زعماء بارزين، أو المواقف المتباينة بين الدول العربية، أو حتى فيما يخص طريقة التحضير لها، والتي أدت إلى انسحاب الجزائر احتجاجًا على ما وصفته بـ"الإقصاء"، وفي الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تخرج القمة بقرارات شجاعة، بدا أنها تحاول التوازن بين الضغوط الدولية والتطلعات الشعبية دون اتخاذ موقف صارم.
وجهة النظر السعودية: الغياب ورسائل السياسة
كان لافتًا غياب الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان عن القمة، إذ تمثّلت المملكة بوزير الخارجية فيصل بن فرحان، هذا الغياب أثار تساؤلات حول موقف الرياض من الأزمة، وخاصة مع تواتر التقارير حول دورها في التنسيق الإقليمي لمرحلة ما بعد الحرب.
السعودية، مثلها مثل بعض دول الخليج الفارسي، تتعامل بحذر مع مسألة دعم المقاومة الفلسطينية، إذ تنظر إلى "حماس" باعتبارها عاملاً غير مستقر في المعادلة، وخاصة في ظل التوجهات الجديدة التي تسعى لتعزيز النفوذ السعودي عبر مشاريع التطبيع الاقتصادي مع "إسرائيل"، لكن رغم هذا، لا تستطيع الرياض تبني موقف علني ضد "حماس" دون إغضاب الرأي العام العربي.
الموقف القطري والمصري: تناقضات وتحالفات
قطر، باعتبارها أحد أبرز الممولين لإعادة إعمار غزة، كانت لاعبًا رئيسيًا في القمة، لكنها لم تقدم التزامًا صريحًا بشأن تمويل الخطة المصرية، ربما بسبب مخاوف من أن تستبعد حماس من المشهد السياسي المستقبلي، ومن المعروف أن الدوحة تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الحركة، وكانت قناة رئيسية في الوساطات السابقة بين المقاومة والكيان الصهيوني.
أما مصر، فقد طرحت خطتها الخاصة بإعادة الإعمار والتي تضمنت إدارة تكنوقراطية للقطاع خلال مرحلة انتقالية، مع تدريب كوادر أمنية فلسطينية لتولي مسؤولية الأمن، وهو ما اعتبره البعض خطوة نحو تحجيم نفوذ حماس لمصلحة السلطة الفلسطينية، لكن الخطة تجنبت الخوض في مسألة نزع السلاح، وهو ما ترك الباب مفتوحًا أمام تساؤلات عن مدى واقعيتها.
الجزائر والانسحاب الغاضب: هل هو موقف سياسي أم رسالة احتجاج؟
قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعدم حضور القمة جاء ليكشف خلافات جوهرية في البيت العربي. الجزائر، التي تتبنى موقفًا أكثر صلابة تجاه القضية الفلسطينية، رأت أن هناك "احتكارًا" من بعض الدول لصياغة مخرجات القمة دون التنسيق مع الجميع.
لم يكن الموقف الجزائري مفاجئًا، فهو يعكس سياسة الجزائر الخارجية التي تعارض أي تحركات تُضعف المقاومة الفلسطينية أو تصب في مصلحة مشاريع التطبيع، كما أن غيابها رسالة واضحة ضد أي ترتيبات تتجاوز فلسطين كفاعل رئيسي في مستقبل غزة.
مصير حماس: بين محاولات الإقصاء والتمسك بالسلاح
كانت القضية الأكثر حساسية في القمة هي مستقبل حركة "حماس"، ورغم أن البيان الختامي لم يتطرق إلى نزع سلاح المقاومة، إلا أن الخطة المصرية تضمنت إدارة غزة من قبل حكومة تكنوقراط مستقلة، ما يعني فعليًا استبعاد الحركة من الحكم.
لكن "حماس" حسمت موقفها سريعًا، إذ أكدت أن سلاحها "خط أحمر"، وهو ما يعني أن أي محاولات لإعادة ترتيب الأوضاع دون إشراكها قد تصطدم برفض الحركة، ما قد يعقّد تنفيذ خطة الإعمار.
من هنا، يبرز التساؤل الأهم: كيف يمكن تنفيذ إعادة الإعمار وضمان استقرار غزة إذا كانت حماس لا تزال تسيطر عسكريًا على القطاع؟
هذا التساؤل لم تُجب عنه القمة، وربما لهذا السبب تجنبت بعض الدول الالتزام بتمويل مشروع الإعمار، خوفًا من أن تتحول الأموال إلى إعادة تسليح المقاومة بدلاً من إعادة بناء القطاع.
القمة والتعامل مع الضغوط الدولية: هل تحققت مطالب واشنطن؟
من الواضح أن القمة عُقدت في ظل متابعة أمريكية حثيثة، إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت تراقب النتائج عن كثب، إذ تسعى لتحقيق أهداف محددة:
- إضعاف "حماس" وتجريدها من الحكم أو السلاح
- التمهيد لمقترح التهجير أو تقليل الرفض العربي له
- تحميل الدول العربية مسؤولية إعادة إعمار غزة دون فرض قيود على "إسرائيل"
لكن رغم هذه الضغوط، لم تخرج القمة بتأييد صريح لهذه الأجندة، بل جاءت مخرجاتها ضبابية لتجنب إثارة ردود فعل شعبية غاضبة.
إعادة الإعمار قبل وقف الحرب: ترتيب الأولويات بالمقلوب
ربما كان الإعلان عن إعادة إعمار غزة خطوة إيجابية، لكنها تطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يُعاد إعمار القطاع في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي؟
"إسرائيل"، قبل يومين فقط من القمة، شددت حصارها على القطاع ومنعت دخول المساعدات، في إشارة واضحة إلى أنها لا تكترث بأي قرارات عربية، ومع ذلك، لم تخرج القمة بآليات عملية لإجبار "إسرائيل" على وقف عدوانها، بل اكتفت بالدعوة لنشر قوات حفظ سلام دولية، وهو اقتراح يصعب تطبيقه في ظل رفض "إسرائيل" المطلق لمثل هذه الخطوة.
بين الغياب السعودي، والرفض الجزائري، والتباين المصري-القطري، بقيت القمة دون قرارات حاسمة، وتجاهلت قضية سلاح المقاومة، ولم تقدم ضمانات حقيقية لوقف التهجير، ولم تحدد آليات لإجبار "إسرائيل" على الالتزام بأي اتفاقات.
لكن ماذا بعد؟
إذا كانت القمة تهدف فقط لإطلاق مشروع إعادة الإعمار، دون ضمان وقف الحرب أو توفير حلول سياسية واضحة، فإنها ببساطة تؤجل الأزمة بدلاً من حلها، وتفتح الباب أمام جولات جديدة من الصراع حيث تعود "إسرائيل" لقصف غزة، وتعود الدول العربية للحديث عن إعادة الإعمار، بينما تبقى المقاومة في موقعها، ترفض التخلي عن سلاحها، وترى في هذه التحركات محاولات لتصفية وجودها.
في الختام، تبقى المعضلة الأكبر دون حل، كيف يمكن بناء مستقبل لغزة دون حسم موقف المقاومة؟ حتى الآن، لا إجابة واضحة من القادة العرب، ما يعني أن الأزمة مرشحة للاستمرار وربما تتكرر المأساة من جديد بعد شهور قليلة.