الوقت - في ظل هيمنة التكنولوجيا على مصادر المعرفة، يواصل عشاق الكتب المستعملة في المغرب البحث عن كنوز ثقافية ضاربة في عمق الزمن، رغم التحديات المتزايدة التي تهدد استمرار هذه الأسواق.
حتى وقت قريب، كانت هذه الكتب تتكدس في محلات صغيرة داخل المدن العتيقة، حيث يجد الزوار مؤلفات نادرة تعود إلى فترات مختلفة. ورغم انخفاض الإقبال على القراءة، لا تزال أسواق مثل "سوق الحفرة" في الدار البيضاء، و"سوق الليدو" في فاس، و"سوق باب دكالة" في مراكش صامدة بفضل جهود "الكتبيين"، الذين يعتبرون أنفسهم حراسًا لذاكرة ثقافية لا يجوز التفريط فيها.
الخوف من اندثار مهنة الكتبي
كان عام 2019 آخر دورة لـ "المعرض الوطني للكتاب المستعمل" في الدار البيضاء، ومنذ ذلك الحين، لا تزال "ساحة السراغنة" تنتظر عودته، بعدما توقّف بسبب جائحة كورونا. ويرى يوسف بورة، رئيس "الجمعية البيضاوية للكتبيين" ومدير المعرض، أن المهنة تواجه خطر الانقراض، خاصة أن غالبية زبائنها ينتمون إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، فيما لا تحظى بدعم رسمي كافٍ.
ويؤكد بورة أن الاستمرار في هذه المهنة يتطلب "مال قارون، وصبر أيوب، وعمر نوح"، في إشارة إلى التحديات المادية والمعنوية التي تواجه الكتبيين، الذين يقدّر عددهم في المغرب بـ400 شخص موزعين على مختلف الأقاليم.
إفساد سوق الكتب المستعملة
يعزو بعض المتخصصين تراجع أسواق الكتب المستعملة إلى انتشار الكتب المقرصنة، التي تُباع بأسعار زهيدة دون رقابة، مما يؤثر سلبًا على المكتبات التقليدية. ويشير الشاعر صلاح بوسريف إلى أن هذه الأسواق كانت توفر كتبًا قيمة بأسعار مناسبة، لكنها تواجه اليوم تحديات كبيرة بسبب ضعف الدعم الرسمي وانتشار القرصنة.
غياب التنظيم والمبادرات الفردية
يرى الحسن المعتصم، رئيس "رابطة الكتبيين في المغرب"، أن سوق الكتب المستعملة يعاني من العشوائية وغياب القوانين المنظمة، حيث يعتمد على المبادرات الفردية في ظل غياب رؤية واضحة من وزارة الثقافة. ويقترح حلولًا، مثل تنظيم معارض دورية للكتب المستعملة، وتشجيع المكتبات على توفير أقسام مخصصة لها، وتعزيز الشراكات بين الناشرين والمكتبات لضمان استمرار هذا التراث الثقافي.
ورغم هذه التحديات، يواصل عشاق الكتب المستعملة والكتبيون في المغرب كفاحهم للحفاظ على هذا الإرث الثقافي، مؤمنين بأن للكتاب الورقي حياة لا تعوّضها الشاشات الإلكترونية.