الوقت- في خضم المشهد السياسي اللبناني المتشابك، تطل علينا الولايات المتحدة الأمريكية بتصريحات استفزازية جديدة، تكشف عن مدى تدخلها السافر في شؤون لبنان الداخلية، تصريحات نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، الأخيرة، والتي اعتبرت فيها أن "حزب الله هُزم عسكريا وانتهى عهد ترهيبه"، ليست إلا حلقة جديدة من سلسلة الاستفزازات الأمريكية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة.
إن هذه التصريحات، التي تتجاهل الواقع السياسي والعسكري لحزب الله في لبنان، وتتجاوز إرادة الشعب اللبناني الذي يمثل حزب الله جزءا لا يتجزأ منه، تكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تسعى إلى فرض هيمنتها ونفوذها بالقوة، دون أدنى اعتبار لحقوق الشعوب وسيادتها.
إن الولايات المتحدة، التي تدعي حرصها على استقرار لبنان، تسعى في الواقع إلى تفتيت وحدته الوطنية، وإضعاف قوته المقاومة، خدمة لمصالحها الخاصة وحلفائها في المنطقة، وهي بذلك تلعب دورا خطيرا في تأجيج الفتن والصراعات، وتهديد الأمن والسلم في لبنان والمنطقة بأسرها.
تصريحات أورتاغوس... محاولة أمريكية لفرض الهيمنة على لبنان
جاءت تصريحات أورتاغوس لتدعي أن حزب الله "هُزم عسكريًا وأن عهد ترهيبه في لبنان والعالم قد انتهى". هذه التصريحات، التي تميزت بحدة غير مسبوقة، أثارت ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية والرسمية اللبنانية، حيث رأى الكثيرون فيها محاولة واضحة لفرض الرؤية الأمريكية على المشهد اللبناني الداخلي.
وأكدت أورتاغوس أن واشنطن تعمل على منع مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية الجديدة التي يجري تشكيلها تحت إشراف الرئيس المكلف نواف سلام، كما شددت على ضرورة أن "يبقى الحزب منزوع السلاح"، في خطوة تهدف إلى توافق الوضع اللبناني مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
هذه التصريحات لم تأتِ بمعزل عن السياق السياسي الأوسع، بل تعكس محاولة أمريكية لتصوير نفسها كقوة تحدد مصير لبنان، متجاهلة التعقيدات الداخلية والإقليمية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من المشهد اللبناني، وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لفرض رؤيتها، يبقى السؤال: هل يمكن للتصريحات الجارحة أن تحقق ما فشلت فيه السياسات الأمريكية السابقة؟
التصريحات الفارغة وهزيمة الوهم
في ظل التصريحات المتهافتة التي تروج لفكرة "هزيمة حزب الله"، يتوجب علينا أن نعود إلى الحقائق الثابتة التي تشهد على صمود هذا الحزب وقوته، فخلال 15 شهرًا من المواجهة مع الكيان الصهيوني، وقف حزب الله كجدار منيع على جبهة الإسناد، مقاوماً ببسالة العدوان الذي استهدف لبنان والأمة بأكملها، لم يكن هذا الصمود مجرد كلمات تُلقى في الهواء، بل كان واقعًا عسكريًا وسياسيًا كبَّد العدو خسائر فادحة، وأجبره في النهاية على الدخول في وقف إطلاق النار.
التصريحات التي تزعم أن حزب الله "هُزم" أو أن "عهد ترهيبه قد انتهى" ليست سوى هراء لا يستند إلى أي أساس واقعي، فالحزب أثبت عبر سنوات طويلة من النضال أنه قوة لا يُستهان بها، ليس فقط في لبنان، بل في المنطقة بأكملها، هذه التصريحات الفارغة لا تهدف إلا إلى تشويه صورة المقاومة وزرع اليأس في نفوس المؤمنين بعدالة القضية، لكنها تفشل في مواجهة الحقائق التي تُثبت أن حزب الله ما زال يقف شامخًا.
لقد أثبتت الأحداث أن حزب الله ليس مجرد تنظيم عسكري، بل هو رمز للمقاومة والصمود في وجه العدوان، والادعاءات التي تروج لهزيمته ليست سوى محاولات يائسة لتغيير الحقائق على الأرض، والتي تؤكد أن المقاومة هي الخيار الوحيد لمواجهة التحديات والعدوان، فليكن واضحًا: التصريحات الفارغة لن تُغير من واقع الصمود شيئًا، ولن تُضعف إرادة شعب يؤمن بحقه في الدفاع عن أرضه وكرامته.
التصريحات الأمريكية... تدخل سافر وفشل مُعلن في شؤون لبنان الداخلية
تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، حول منع حزب الله من المشاركة في الحكومة اللبنانية المرتقبة، ليست سوى تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للبنان.
هذه التصريحات تعكس محاولة أمريكية واضحة لفرض إرادتها على القرارات السيادية للدولة اللبنانية، متجاهلة أن تشكيل الحكومة ودور الأحزاب فيها، بما في ذلك حزب الله، هو شأن يخص اللبنانيين وحدهم.
الولايات المتحدة، التي عودتنا على التدخل في شؤون الدول الأخرى، تحاول مرة أخرى إملاء شروطها على لبنان، لكنها تنسى أن حزب الله هو جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني، وأنه يتمتع بشعبية كبيرة داخل لبنان بسبب دوره في مقاومة العدوان والدفاع عن الأرض والكرامة، مهما حاولت واشنطن إقصاءه أو تشويه صورته، فإنها لن تنجح في تغيير حقيقة أن الحزب لبناني الجذور، وله دور فاعل في المشهد السياسي والعسكري.
من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد تكرار أخطائها السابقة في المنطقة، حيث تظن أن بإمكانها فرض حلول من الخارج دون مراعاة إرادة الشعوب، لكن التجارب السابقة أثبتت أن مثل هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل، يجب على واشنطن أن تتوقف عن هرطقاتها الفارغة وأن تدرك أن لبنان قادر على تحديد مصيره بنفسه، دون وصاية خارجية، فلبنان للبنانيين، وحزب الله جزء لا ينفصل عن هذا الوطن.
إن محاولات الولايات المتحدة لإقصاء حزب الله من المشهد السياسي اللبناني ليست فقط تدخلاً غير مقبول، بل هي أيضًا محاولة فاشلة بكل المقاييس، فالحزب أثبت مرارًا وتكرارًا أنه قوة وطنية لا يمكن تجاهلها، سواء من خلال دوره في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو من خلال مشاركته الفاعلة في الحياة السياسية اللبنانية، إن أي محاولة لتهميشه أو إقصائه ستواجه برفض شعبي وسياسي واسع، لأن اللبنانيين هم من يقررون مصيرهم، وليس واشنطن أو أي قوة خارجية، يجب على الولايات المتحدة أن تتعلم من دروس الماضي وأن تدرك أن لبنان ليس ساحة لتنفيذ أجنداتها، فالشعب اللبناني، بكل مكوناته، قادر على إدارة شؤونه دون تدخل خارجي، والتصريحات الأمريكية الفارغة لن تغير من الواقع شيئًا، بل ستزيد من إصرار اللبنانيين على الدفاع عن سيادتهم واستقلالهم.
استشهاد القادة... قوة الفكر واستمرار المقاومة
إن استشهاد القادة في مسيرة حزب الله ليس دلالة على الهزيمة، بل هو تعبير عن الإصرار والإخلاص العميق للمبادئ التي نشأ عليها هذا الحزب المقاوم، كل شهيد يضاف إلى قافلة الشهداء يزيد في قوة العزيمة ويعمق الإيمان بالفكرة التي لا يمكن لأي قوة أن تكسرها، فحزب الله ليس مجرد مجموعة عسكرية، بل هو فكر.
الولايات المتحدة وكيانها الصهيوني قد يظنان أن استشهاد القادة سيكون نهاية الطريق، وأنه سيؤدي إلى تدمير حزب الله، لكن في الواقع، هذا الاعتقاد بعيد عن الحقيقة، فكل شهيد في صفوف المقاومة يثبت أكثر من أي وقت مضى أن الطريق الذي يسلكه حزب الله هو طريق الحق، وأن تضحيات هؤلاء القادة ستظل منارة تضيء الطريق للأجيال القادمة.
استشهاد السيد حسن نصر الله، أو أي من القادة الكبار، لن يكون نهاية للمقاومة، بل هو تعزيز لهذا الطريق، إنه دافع للمجاهدين والمقاومين لاستكمال الطريق بنفس الهمة والعزيمة، بل قد تكون هذه التضحيات هي ما يقوي حزب الله ويزيده ثباتًا في مواجهة الاحتلال الصهيوني، لأن حزب الله هو أكثر من مجرد جماعة؛ هو فكرة تعيش وتتجدد مع كل شهيد وكل عملية مقاومة.
حزب الله يرد بقوة
رد حزب الله بقوة على التصريحات الأخيرة للمبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس، مشدداً على أن تصريحاتها لا تخرج عن كونها حقداً مبيّتاً ونوعاً من التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبنان.
النائب محمد رعد، رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، وصف تصريحات أورتاغوس بأنها تعبير عن "انعدام المسؤولية"، مؤكداً أنها "تطاول على مكون وطني في لبنان"، ولا سيما على حزب الله الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي اللبناني.
وأضاف رعد في بيان رسمي: إن ما صدر عن أورتاغوس يشكل "تدخلاً سافراً في السيادة اللبنانية"، قائلاً إن هذه التصريحات تخرج عن "كل اللياقات الدبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية"، وطالب برفض هذا النوع من التدخلات التي تحاول تشويه صورة حزب الله وتوجيه اتهامات باطلة له، بينما يتجاهل الواقع الواضح أمام الجميع: "من يريد الحديث عن الفساد لا يحتضن الإرهاب".
وفي إشارة قوية إلى دعم الولايات المتحدة المفتوح للكيان الصهيوني، الذي يُعتبر أساسًا للإرهاب في المنطقة، أكد رعد أن "صورة القبح" التي تجلت في حرب "إسرائيل" ضد قطاع غزة وضد لبنان هي أكثر من كافية لتبيّن للعالم من هو الذي يدعم الإرهاب فعلاً، ويسلح ويُموّل القتل والتدمير، بل يمارس التهجير بحق الأبرياء، وأضاف إن حزب الله "مقاومة حقيقية ضد الاحتلال"، وإنه "مستمر في الدفاع عن الأرض والحقوق"، معتبراً أن من يدّعي محاربة الإرهاب وهو يلتقي بقاتلي الأطفال ويصطف إلى جانبهم ضد الشعوب المستضعفة، هو في الحقيقة يشارك في صناعة الإرهاب، وقال رعد إن حزب الله يظل فخورًا بمواقفه المبدئية تجاه فلسطين وأرض لبنان.