الوقت- منذ قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات ممنهجة تهدف إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وتهويدها، وضمها في نهاية المطاف، وقد تصاعدت هذه السياسات بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ولا سيما في الضفة الغربية المحتلة، حيث تسعى حكومة الاحتلال الحالية، من خلال منظومتها التشريعية والقضائية، إلى فرض سيادتها الكاملة على هذه المنطقة، وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تعتبر قضية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية من أبرز القضايا الشائكة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فمنذ احتلال الضفة الغربية، انتهجت "إسرائيل" سياسات استيطانية واسعة، تمثلت في بناء المستوطنات وتوسيعها، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ومصادرة ممتلكاتهم، وقد استندت هذه السياسات إلى مجموعة من القوانين والقرارات التي سنتها الكنيست الإسرائيلي، والتي تضفي شرعية على عمليات الاستيلاء والضم، وتوفر الغطاء القانوني للممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
"إسرائيل" تُسرع وتيرة الاستيطان
بخطى متسارعة تمضي حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومنظومته التشريعية في إجراءاتها للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية، وضمها وفرض السيادة عليها، ولم يعد استهداف أراضي الضفة يقتصر على نشر المستوطنات والنقاط والقواعد العسكرية أو مصادرة الأراضي أو البؤر الرعوية، إنما تجاوز الأمر إلى تمليك المستوطنين في أي بقعة من أراضي الضفة، غالبا ما تركزت إجراءات الاحتلال الاستيطانية في المنطقة المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، والتي تشكل نحو 61% من أراضي الضفة والخاضعة لسيطرة الاحتلال الكاملة، لكنها اتسعت في ظل الحكومة الحالية إلى المنطقة "ب" الخاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية، و"أ" التي وضعتها الاتفاقية تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة.
الجديد في الأمر قانون إسرائيلي قيد التشريع، بادر إليه عضو الكنيست شلومو سلمون من كتلة "الصهيونية الدينية" الشريكة في الائتلاف الحكومي، وصادق عليه الكنيست بالقراءة التمهيدية، الأربعاء، ويسهل تملك المستوطنين للأراضي والعقارات في الضفة الغربية، بغض النظر عن المنطقة الموجودة فيها.
مشروع قانون "إسرائيلي" جديد
يلغي مشروع القانون الإسرائيلي، والذي يحتاج إلى 3 قراءات ليكون نافذا، حظر بيع أراض في الضفة، التي هي تحت مسمّى "أراضي دولة" وتدير شؤونها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ليصبح متاحا بيعها، وليس فقط تأجيرها، والقصد بيعها للمستوطنين.
ووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، يلغي مشروع القانون أيضا القانون الأردني رقم 40 لسنة 1953، وهو "قانون إيجار وبيع الأموال غير المنقولة من الأجانب"، المعمول به حاليا في الضفة، التي خضعت لحكم الأردن منذ نكبة 1948 وحتى احتلالها عام 1967.
ويلغي أيضا القانون القرارات العسكرية الإسرائيلية التي صدرت وأعطت الإدارة المدنية، أحد أذرع الجيش بالضفة، الحق في التشريع وتفسيرات القانون الأردني بشكل يتلاءم مع مشروع الاستيطان، بزعم أن المستوطنات "حاجة أمنية" وفق تفسيرات المحكمة الإسرائيلية.
تنديد فلسطيني واسع بمشروع قانون "تمليك المستوطنين"
أدان مجلس الوزراء الفلسطيني بشدة مصادقة الكنيست على مشروع قانون "تمليك المستوطنين"، ودعا إلى تكثيف الضغط الدولي على الاحتلال لوقف هذه الإجراءات، في هذا السياق حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من خطورة مشروع القانون، ووصفته بأنه "ضم زاحف واستخفاف بالمجتمع الدولي وقراراته"، ورأت فيه "تعميقا لاستباحة الضفة بما فيها القدس الشرقية، وتطبيقا لقوانين إسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي".
ووصف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح مشروع القانون بأنه "مخالفة صارخة للقانون الدولي، وانتهاك لقرارات الشرعية الدولية، وفتوى محكمة العدل الدولية التي اعتبرت الاستيطان جريمة حرب وتعديا خطيرا على حقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه"، ايضاً أدانت مختلف الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مشروع القانون.
تفاصيل مشروع القانون وتأثيره
يقول الناشط في حقوق الإنسان ومؤسس "تجمع شباب ضد الاستيطان" عيسى عمرو: إن مشروع القانون هو جزء من خطة "ضم الضفة الغربية لـ"إسرائيل" وتطبيق القانون المدني الإسرائيلي عليها"، ويوضح أنه "بات بإمكان المستوطن أن يتملك في أي مكان في الضفة الغربية ويسجل العقار أو الأرض باسمه بشكل مباشر، بما في ذلك مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية، وكأنه في تل أبيب"، ويشير إلى أن الجديد في الأمر هو "تجاوز موافقات وإجراءات طويلة كانت تتم من قِبل قيادة جيش الاحتلال ودوائره وأذرعه العاملة في الضفة الغربية، وأصبح التملك مباشرا".
تسهيل الاستيطان من قبل الحكومة الإسرائيلية... المخاطر
مع تشكيل الحكومة الحالية نهاية عام 2022، وحصول وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على وزارة الجيش والمسؤولية عن الإدارة المدنية، أزال الكثير من الإجراءات التي تعيق الاستيطان وتمدده، حيث كانت إقامة المستوطنات والبناء الاستيطاني يحتاج إلى موافقة الجيش، ووفق عمرو، فإن "هناك خطورة في تملك المستوطنين عقارات يدّعون أن أجدادهم كانوا يملكونها قبل أكثر من مئة عام، وشراء أملاك فلسطينية من أصحابها دون عوائق داخل القرى والمدن الفلسطينية".
يكشف مشروع قانون "تمليك المستوطنين" عن نوايا إسرائيلية لضم الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق، ويسهل هذا القانون على المستوطنين شراء الأراضي والعقارات في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك المناطق الفلسطينية، ما يقوض فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة ويؤدي إلى مزيد من التوترات والنزاعات في المنطقة.
خطة المواجهة... تعزيز صمود الفلسطينيين في وجه الاستيطان المتزايد
يلفت الحقوقي الفلسطيني عيسى عمرو بشكل خاص إلى أملاك وأراضٍ يتنازعها عشرات وأحيانا مئات الورثة دون أن تفعل السلطة الفلسطينية شيئا لتثبيتها، "وبالتالي بإمكان أي وريث ضعيف النفس أن يبيع حصص كامل الورثة بتعاون قضاء الاحتلال، وهذا حصل في عدة عقارات بمدينة الخليل"، يقول عمرو: إن الأمر لا يقتصر على الأرض المصنفة "أملاك دولة"، والتي تشكل نحو 20% من مساحة الضفة، لأنه مستولى عليها بالفعل.
دعوة لتعزيز الصمود الوطني... أرقام مقلقة عن الاستيطان
في ظل ما يجري، يشدد الحقوقي الفلسطيني على "ضرورة تعزيز صمود المواطن على أرضه من خلال برنامج وحدة وطنية"، محذرا من أن الوضع في الضفة متجه إلى حبس الفلسطينيين في "كانتونات ومعازل"، نهاية 2024 قدرت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عدد المستوطنين بنحو 770 ألفا، يتوزعون على 180 مستوطنة، و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة تُصنف على أنها رعوية وزراعية.
رأي القانون الدولي في الاحتلال
في أبريل/نيسان 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبرت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يشكّل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
يواجه الفلسطينيون تحديات كبيرة في الحفاظ على أراضيهم في ظل تصاعد الاستيطان الإسرائيلي، ويتطلب ذلك جهودا متضافرة لتعزيز صمود المواطنين، وتوحيد الصف الوطني، وتفعيل دور المؤسسات الدولية في مواجهة هذه الانتهاكات.