الوقت - أماطت وسائل الإعلام العبرية النقاب عن إعلان جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وأجهزة الشرطة الصهيونية، يوم الإثنين الماضي، اعتقال إسرائيليَّين حامت حولهما شبهات التخابر مع إيران، ويُتهم أحدهما بتسريب معلومات في غاية السرية، كان قد استقاها من خدمته العسكرية.
تُشكل هذه الواقعة حلقةً جديدةً تضاف إلى سلسلة مترابطة من الاعتقالات التي طالت عدداً من المتورطين في التجسس لمصلحة إيران منذ الصيف المنصرم، وقد أفصحت الأجهزة الأمنية عن إلقاء القبض على يوري إلياسبوف وجورجي أندريف - وكلاهما من أبناء الشمال، وقد تبين أن كليهما من جند الاحتياط في جيش الاحتلال، مع ترجيح ضلوع إلياسبوف في وضع رفيقه أندريف تحت عين الرصد الإيراني.
وجاء في البيان المشترك، الذي صدر عن الشاباك وأجهزة الشرطة: "يقف إلياسبوف في قفص الاتهام لتسريبه معلومات بالغة الحساسية، كان قد حازها إبان خدمته في سلك الدفاع الجوي، ناقلاً إياها إلى ضابط ارتباطه، ليجد طريقها في نهاية المطاف إلى أروقة طهران، وقد تقاضى كلاهما أجراً وافراً نظير خيانتهما، وهما على بينةٍ تامة من كونهما يحيكان المؤامرات ضد كيانهما".
وأردفت وسائل الإعلام الصهيونية قائلةً: "يرتكز أمن إسرائيل ارتكازاً جوهرياً على منظومتها المتطورة للدفاع الجوي، المعروفة بـ"القبة الحديدية"، التي تقيها شر الصواريخ والمقذوفات المنطلقة من إيران وحلفائها، ويأتي في طليعة هؤلاء الحلفاء حركة حماس الفلسطينية - التي أشعلت عملياتها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أتون حربٍ ضروس في غزة - وحزب الله اللبناني المرابط على الحدود".
وفي شهري نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر، أقدمت إيران على شن هجومين جويين مباشرين غير مسبوقين على الكيان الصهيوني، مطلقةً في سمائه سيلاً من الصواريخ والطائرات المسيَّرة.
يتخذ يوري إلياسبوف وجورجي أندريوف من أقاصي الشمال موطناً لهما، حيث يرزح الأول تحت وطأة اتهامات خطيرة تتمثل في تسريب أسرارٍ بالغة الخطورة – أخذها إبان خدمته في سلك الدفاع الجوي - إلى ضابط استخبارات إيراني، وتنطوي هذه الأسرار على تفاصيل مصنفة من شأنها أن تقوِّض دعائم الأمن الصهيوني وتزعزع أركانه.
كما يُساق إليه اتهام آخر يتمثل في استمالة جورجي أندريوف وإيقاعه في شَرَك العمالة لإيران، وفيما يتصل بجسامة المعلومات المسربة، فقد أُميط اللثام عن أنه - وبحكم انخراطه في صفوف الدفاع الجوي - قد تكون المعلومات المنقولة تشتمل على أدق تفاصيل منظومة "القبة الحديدية" المتطورة، المصممة لصدّ الهجمات الصاروخية والمسيَّرات.
وقد كشفت التحقيقات النقاب عن أن إلياسبوف، الذي كان يتبوأ موقعاً في وحدة "القبة الحديدية"، قد أفضى بمواد سرية للغاية - من بينها مشاهد مصورة لعمليات المنظومة - إلى الجانب الإيراني، أما رفيقه في الخيانة أندريوف، الذي كان يؤدي خدمته في قلب المقر العسكري "الكريا"، فقد استدرجه إلياسبوف إلى التجسس.
وفي خريف العام المنصرم، نفَّذ كلاهما عمليات محكمة التخطيط لمصلحة طهران، تجلت في نقش عبارات وتعليق لافتات تحمل توقيع "أبناء روح الله"، وقد أثارت هذه الأعمال، التي جرت في قلب تل أبيب، ضجيجاً هائلاً وبلبلةً عارمةً.
و"الكريا" هي منطقة أمنية حصينة في وسط تل أبيب، تحتضن في جنباتها صروحاً عسكريةً وأمنيةً بالغة الأهمية: من وزارة الحرب، إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، ووحدة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وقيادة القوات الجوية والبحرية، وغيرها من المرافق الحساسة التي تشكّل العمود الفقري للمنظومة الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني.
وتجدر الإشارة إلى أن وكالة رويترز كانت قد أماطت اللثام، في الرابع من شهر آذار/ديسمبر المنصرم، عن تقرير يسلط الأضواء على تعاظم النفوذ الإيراني وتغلغله في الكيان الصهيوني، حيث أوردت:
يتملَّك الرعب أركان "إسرائيل" إثر إلقاء القبض على زهاء ثلاثين من رعاياه - جُلُّهم من الصهاينة - يُشتبه في انخراطهم ضمن تسع خلايا مستترة تعمل لمصلحة طهران، وقد أماط أربعة من صنَّاع القرار الأمني اللثام عن كون هذا الاختراق، يمثّل أضخم مسعىً إيراني لاقتحام حصون عدوها الألد منذ عقود خلت.
وكشف جهاز "الشاباك" النقاب عن مخططات هذه الخلايا، التي تضمنت تصفية عالِم في المجال النووي وثلة من القادة العسكريين السابقين، في حين نجحت إحدى المجموعات في استقاء معلومات بالغة الحساسية عن المنشآت العسكرية ومنظومات الدفاع الجوي.
وأفصح "الشاباك" وأجهزة الشرطة عن رصد خلية مؤلفة من أبٍ ونجله، تورطا في تسريب معلومات عن تحركات القوات الصهيونية، ولا سيما في مرتفعات الجولان حيث يقطنان.
ويصف شالوم بن حنان، أحد أقطاب "الشاباك" السابقين، هذه الظاهرة بقوله: "إنها تجلٍّ خطير لظاهرة متفشية"، مشيراً إلى العدد المذهل من أبناء الكيان الذين ارتضوا لأنفسهم، عن وعيٍ وإدراك، التآمر مع إيران ضد كيانهم.
وما يثير الفزع في النفوس اتساع رقعة هذه الاعتقالات، وتورط حشد من اليهود في هذه القضية الخطيرة، ولا سيما أن الحرب مستعرة في غزة، واتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله يقف على أرضية هشة، وقد وصف "الشاباك" هذه الأنشطة التجسسية بأنها من أشدّ ما واجهه الكيان الصهيوني خطورةً على الإطلاق.
وتنتهج الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية سياسة استقطاب عناصرها المحتملة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأحياناً بالمواجهة المباشرة.
وأفاد أحد مصادر رويترز بأن إيران مدّت خيوط التواصل مع شبكات المهاجرين اليهود، من القوقاز المقيمين في كندا والولايات المتحدة، ويبدأ مسلسل التجنيد بمهام يسيرة نظير مقابل مادي، ثم يتصاعد الأمر تدريجياً إلى استجلاب معلومات دقيقة عن أهداف حساسة، تشمل شخصيات ومنشآت عسكرية ذات أهمية بالغة.
والجدير بالذكر أن بعض المنابر الإعلامية الصهيونية كانت قد كشفت قبل أربعة أشهر، عن رصد ما يربو على ستمئة عملية تجسس لمصلحة إيران، تضمنت استقاء معلومات من المحيط العسكري والأمني عبر شبكات التجسس التي تم كشف النقاب عنها.