الوقت- إحدى المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي التي لها دور ومكانة خاصة بين المسلمين السنة، هي مؤسسة "الأزهر" في مصر، التي دعمت شعب غزة الأعزل من مختلف المنابر في العام الماضي ودعت إلى الوحدة ضد كيان الاحتلال.
وفي هذا الصدد، أعلن الأزهر في بيان له بعد اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، على يد الجيش الصهيوني: نعزي شهداء المقاومة الفلسطينية، الشهداء الذين اغتيلوا بأيدي الصهاينة المجرمة، الصهاينة الذين أحدثوا الفساد في أرضنا العربية، وارتكبوا القتل والدمار والاحتلال أمام أعين وآذان الدول مسلوبة الإرادة والفكر، والمجتمع الدولي الصامت كالموتى في العالم.
وقال بيان الأزهر: "إن شهداء المقاومة الفلسطينية هم مقاتلو المقاومة الحقيقيون الذين أرهبوا أعداءهم وأدخلوا الرعب في قلوبهم"، ولم يكن هؤلاء المقاومون إرهابيين، كما يريد العدو إظهارهم كإرهابيين بالمكر والخداع، بل كانوا مقاومين حقيقيين تمسكوا بتراب وطنهم حتى أعطاهم الله الشهادة، يتصدون لكيد العدو وعدوانه ويدافعون عن الأرض ومشكلتهم ومشكلتنا.
وجاء في البيان أيضًا: "إننا نؤكد على أهمية تفنيد أكاذيب الآلة الإعلامية الصهيونية ومحاولتها تشويه وجه المقاومين الفلسطينيين في أذهان شبابنا وأبنائنا ونعتهم بالإرهابيين، إنه لشرف أن نقاوم وندافع عن الوطن والأرض، وأن نموت في سبيلها".
وتكرار هذه المواقف جعل الأزهر يترك سجلا إيجابيا في نظر الرأي العام في العالم الإسلامي والأمة العربية، على عكس معظم الحكومات والمنظمات العربية التي اتخذت موقفا سلبيا تجاه الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المظلوم وغزة خلال العام الماضي.
وفور بدء هجمات جيش الاحتلال على غزة، دعا الأزهر الشعوب الإسلامية إلى الانتفاض ضد هذا الكيان، كما طالب الدول الإسلامية بإعادة النظر في علاقاتها مع أمريكا الداعمة للصهاينة وأن تسمي هذه الدولة باسم "المستكبر".
بل إن أحمد الطيب شيخ الأزهر قال في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة إن العالم يسير في الاتجاه الخاطئ دون مبادئ إنسانية أو مبادئ أخلاقية، وإذا استمر الوضع الحالي سنشهد انتشارا غير مسبوق لفيروس الجريمة والكراهية والدمار والحرب والعنف.
ولم يقتصر الأزهر على الطلبات الشفهية وبيانات الدعم، بل أظهر دعمه لأهل غزة عمليا.
في 1 نوفمبر 2023، وفي إطار حملة "ساعدوا غزة"، انطلقت أول قافلة لبيت الزكاة والصدقات مصر إلى غزة، ضمت 18 شاحنة محملة بالأدوية والغذاء والإغاثة إلى قطاع غزة، بل تم جمع مساعدات مالية أخرى من هذه المؤسسة للشعب الفلسطيني لمداواة جزء بسيط من معاناة سكان هذا القطاع.
أهمية دعم الأزهر للقضية الفلسطينية
يبدو موقف الأزهر الداعم للشعب الفلسطيني مهما، لأن الحكام العرب المتفقين يمكن أن يلعبوا دورا مهما في إيقاف آلة حرب هذا الكيان في المحافل الدولية، ومن خلال الضغط على الكيان الصهيوني.
ولسوء الحظ، فقد غضوا الطرف في العام الماضي عن جرائم "إسرائيل" في غزة، بل إنهم يدعمون هذا الكيان سراً مالياً وعسكريا، وهذا الموقف السلبي جعل قادة تل أبيب أكثر وقاحة لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة.
وفي السنوات الأخيرة قامت بعض الأنظمة العربية الرجعية بإدراج جماعات المقاومة مثل حماس في قائمة الإرهاب لأنها تتعارض مع أفكار التسوية.
ولذلك، وفي هذا الوضع الذي يلعب فيه العرب التصالحيون في لغز بنيامين نتنياهو، فإن رئيس الوزراء الصهيوني، يحمل الأزهر والشخصيات الدينية الأخرى عبئا ثقيلا على أكتافهم لتشجيع وتوحيد العالم الإسلامي لدعم الفلسطينيين من خلال إثارة الإرادة العامة للمسلمين ضد جرائم "إسرائيل".
لقد أظهر الأزهر دائما أن لديه وجهة نظر مخالفة مع سياسة الحكام العرب تجاه الصراع الفلسطيني.
ويعتبر حكام العرب قيادات حماس إرهابيين، لكنهم حسب الأزهر أبطال حقيقيون يستطيعون تحرير الأراضي المفقودة بمساندة المسلمين.
كما أطلق الأزهر في يناير 2018، مؤتمرا دوليا لدعم القدس بمشاركة ممثلين عن 86 دولة، أدانوا فيه جرائم "إسرائيل" في الأراضي المحتلة وخاصة القدس، وأعربوا عن تقديرهم ودعمهم للشعب الفلسطيني في وقوفه في وجه العدو المحتل .
كما كان الأزهر في الخطوط الأمامية لدعم الفلسطينيين في حروب المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال.
وفي حرب "سيف القدس" بين حماس وجيش الاحتلال في مايو 2021، أمر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قيادات الأزهر والإدارة المسؤولة عن القوافل باتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا، وإرسال قافلة إغاثية عاجلة إلى غزة، تم خلالها إرسال عدد من الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة، وقد وثق الأزهر حتى من خلال حملته معلومات صحيحة وثابتة تؤكد عروبة القدس، معتمدا على المصادر الوثائقية التاريخية.
وبما أن الشعب الفلسطيني لم يعد يأمل في دعم الحكام العرب، فإن دور المؤسسات الدينية مثل الأزهر في تحييد مخططات العدو المحتل للتغلغل بين المسلمين أصبح أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
ومن الإجراءات الزاحفة التي يقوم بها الكيان الصهيوني للتغلغل في الدول الإسلامية هو استخدام وسائل الإعلام التي لها تأثير هائل في اتجاه الرأي العام.
ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في أجواء الإعلام السعودي مثل شبكة MBC السعودية، التي أصبحت منبراً للكيان الصهيوني في العام الماضي، وأهانت الشهداء مثل الشهيد السيد حسن نصر الله، والشهيد قاسم سليماني، والشهيد أبو مهدي المهندس، والشهيد إسماعيل هنية، والشهيد يحيى السنوار وغيرهم من شهداء المقاومة البارزين في تقرير يوم الجمعة وصفهم بالإرهابيين، وهي الإهانة التي صاحبتها ردود فعل قوية من قبل المستخدمين العرب في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ولذلك، يمكن للأزهر أن يلعب دورًا مهمًا في تحييد مخططات النفوذ هذه لمواءمة الدول الإسلامية مع سياسات الكيان الصهيوني.
ونظراً لوجود آلاف الطلاب المسلمين في جامعة الأزهر من جميع أنحاء العالم، يستطيع علماء الدين في هذه الجامعة تعريف هؤلاء الطلاب بهوية وتاريخ فلسطين واستخدامهم كسفراء لتوعية الناس في الدول الإسلامية بعد التخرج.
في القرون الماضية، وقف الأزهر كحصن منيع في وجه الغزاة الأجانب، ومن خلال توعية الناس بهوية وتاريخ مصر، لعب دورًا بناء في طرد الأجانب من هذا البلد، حدث ذلك أثناء الاحتلال الفرنسي لمصر ومرات عدة مع بعض الحكام المحليين، حيث أمر الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر آنذاك بإغلاق الجامع الأزهر كنوع من العصيان المدني ضد ظلم الحكام في ذلك الوقت.
ويرى الخبراء أن انتفاضة شيوخ الأزهر ضد مماليك مصر كانت جزءا من الصحوة الإسلامية التي انتهت بتوبة المماليك وتخليهم عن الظلم، وكان الأزهريون رواد وقادة هذه الصحوة ضد المماليك وسلطتهم، وكانت الجماهير وعامة الناس قد أخافوا وأقلقوا المماليك.
ولذلك، وفي ظل استمرار جرائم الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، يستطيع الأزهر أن يلعب دوراً فعالاً في تنوير الرأي العام دعماً لفلسطين ومواجهة المحتلين.
وفي السنوات الأخيرة، نشر الأزهر كتبًا عن تاريخ فلسطين وهويتها الإسلامية، والتي يمكن أن يكون لتوزيعها في جميع أنحاء العالم الإسلامي تأثير كبير.