الوقت- إن هدم المسجد الأقصى وبناء كنيس يهودي يعرف بـ "هيكل سليمان" بناء على ادعاءات المصادر التوراتية، تُعد رغبة قديمة لقادة الكيان الصهيوني، ومع صعود المتطرفين، فإن هذه القضية قد أثيرت مرة أخرى من قبل قادة هذا الكيان، ايتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، الذي اعتدى بشكل متكرر على باحات المسجد الأقصى وشارك في مسيرات العلم، ما زاد من حدة التوتر في الأراضي المحتلة، هاجم قبل عدة أيام أيضا المسجد الأقصى مع عدد من المستوطنين المتطرفين وأدلى بتصريحات مثيرة للجدل حول نيته الإعلان عن بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى وبرر ذلك بالادعاء بأن القانون يعتبر حقوق المسلمين واليهود في الصلاة في المسجد الأقصى متساوية.
وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بن غفير عن "إقامة كنيس في المسجد الأقصى" بعد أن دعا اليهود للصلاة في المسجد مرات عديدة خلال الأشهر الماضية، وواجهت تصريحاته المثيرة للتوتر ردود فعل حادة من كبار المسؤولين الصهاينة، حتى أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء هذا الكيان، قال إن حكومته لن تجري أي تغييرات في الوضع القانوني للمسجد الأقصى.
الأهمية الدينية للمسجد الأقصى
يعتبر المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ويرتبط هذا المكان المبارك بمعجزة رحلة النبي الكريم (ص) ليلة المعراج حيث صعد للسماء، كما يزعم اليهود أن المسجد الأقصى هو موقع "جبل الهيكل" الذي يضم الهيكلين الأول والثاني في التاريخ اليهودي، وإن بناء "هيكل سليمان" هو اعتقاد ديني لدى اليهود المتدينين والمتطرفين بأن بناء الهيكل الثالث في مكان المسجد الأقصى سيكون تحقيقا للنبوءة التوراتية بإحياء "أرض الميعاد" و"الأرض الموعودة" وإقامة دولة يهودية كاملة.
وبعد احتلال الكيان الصهيوني للقدس الشرقية عام 1967، تم التوصل إلى تفاهمات عرفت باسم "الوضع الراهن"، حيث ظلت إدارة المسجد الأقصى تحت إشراف ديوان الوقف الإسلامي الأردني، وفي المقابل يسمح لليهود بزيارة الموقع دون أداء الشعائر الدينية.
واستنادا إلى القرارات الدولية الشرعية التي لا تعترف باحتلال "إسرائيل" للقدس عام 1967 وضمها عام 1981، فإن الفلسطينيين يتطلعون إلى القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة، لكن الصهاينة لم يلتزموا بـ"الوضع الراهن"، لأنهم سعوا مرات عديدة إلى هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان، وهو ما كان يشكل عائقا كبيرا أمام أي محاولة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تشكل هذه الجهود انتهاكاً للاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على ضرورة احترام المقدسات والحفاظ على "الوضع الراهن".
حرق المسجد الأقصى عام 1969
والصهاينة المتطرفون لا يكتفون بمطالباتهم التاريخية فحسب، بل اتخذوا من أجل تحقيق حلمهم الطويل إجراءات عملية لهدم المسجد الأقصى، ففي 21 أغسطس 1969، قام اليهودي الأسترالي الراديكالي دينيس مايكل روهان، مع عدد من المستوطنين المتطرفين، بإضرام النار في المسجد الأقصى وتدمير منبر صلاح الدين وأجزاء أخرى من المسجد، وأثارت هذه النار موجة غضب كبيرة في العالم الإسلامي، وأدت إلى انعقاد المؤتمر الأول لرؤساء الدول الإسلامية في الرباط بالمغرب، وهو ما أدى إلى إنشاء منظمة التعاون الإسلامي.
وفي عام 1982، خططت مجموعة من الصهاينة المتطرفين لتفجير المسجد الأقصى بهدف بناء الهيكل الثالث مكانه، لكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تمكنت من إحباط هذه المحاولة، وفي 8 أكتوبر 1990، حاولت مجموعة يهودية متطرفة تسمى أمناء جبل الهيكل وضع حجر الأساس لمعبد مزعوم في باحة المسجد الأقصى، ما أدى إلى اشتباكات بين المصلين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية.
وإلى جانب المستوطنين، بدأ كبار مسؤولي تل أبيب أعمالهم الاستفزازية تدريجيا في المسجد الأقصى، وفي سبتمبر/أيلول 2000، قام أرييل شارون، رئيس الوزراء السابق لهذا الكيان، بزيارة باحة المسجد الأقصى في ظل إجراءات صارمة، ومراقبة القوات الإسرائيلية، الأمر الذي يجرح مشاعر المسلمين، وكان هذا اللقاء بمثابة إشعال فتيل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت عدة سنوات وأسفرت عن آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين وألحقت بالعدو الصهيوني خسائر فادحة.
من ناحية أخرى، بدأت قوات الاحتلال منذ عام 1967، أعمال التنقيب أسفل المسجد الأقصى بحثا عن "معبد سليمان"، لاعتقادها أن بقايا هذا المعبد موجودة هناك، وقد تطورت هذه الحفريات، حسب ما ورد من أنباء عن وجود أنفاق عميقة أسفل هذا المسجد ما قد يؤدي إلى انهيار هذا المكان المقدس.
كما أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) ودول عربية وإسلامية هذه الحفريات واعتبرتها محاولة لتغيير الوضع التاريخي والثقافي للقدس، ورغم أن زعماء تل أبيب يتحدثون عن الحفاظ على الوضع الحالي للمسجد الأقصى، إلا أنهم في الواقع يحاولون تدمير هذا المكان بهذه الحفريات وإفراغ الأعمدة الموجودة أسفل المسجد الأقصى وبناء معبدهم المزعوم على أنقاضه.
تشكيل الانتفاضة الثالثة
إن الأعمال الاستفزازية التي يقوم بها المتطرفون في الضفة الغربية تشبه البنزين المشتعل، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى صراع واسع النطاق بين الفلسطينيين والصهاينة، وعلى الرغم من أن بن غفير وغيره من الوزراء المتطرفين يعتزمون طرد الفلسطينيين من هذه المنطقة وإقامة "دولة يهودية" من خلال خلق الإرهاب في الضفة الغربية عبر هجمات واسعة النطاق في الضفة الغربية في الأيام الأخيرة، فإن المقاتلين الفلسطينيين المتمركزين في الضفة الغربية أظهروا أنهم لن يسمحوا بالمزيد من الاحتلال.
ونفذ مسلحون فلسطينيون، خلال الأيام الأخيرة، عدة عمليات ضد قوات الاحتلال في مدينة طولكرم، ووقعت اشتباكات عنيفة بين هذه المجموعات وجيش الاحتلال في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، أدت إلى استشهاد وإصابة العشرات من المواطنين.
وتشهد الضفة الغربية منذ عامين حالة غليان بسبب جرائم حكومة نتنياهو المتطرفة في نابلس وجنين، وعمليات قوات الاحتلال في الأيام الأخيرة يمكن أن تشعل نار الصراعات، وإن بدء انتفاضة جديدة في الضفة الغربية في خضم حرب غزة سيكون مكلفا للصهاينة، وفتح الجبهة الثانية هو الهم الأكبر لقادة تل أبيب.
وفي هذا الصدد، أشارت وسائل إعلام عبرية، اليوم الثلاثاء، إلى قلق الكيان الصهيوني من تصاعد المعركة على جبهة الضفة الغربية، وأكدت أن المؤسسات الأمنية والعسكرية لهذا الكيان تستعد للتعامل مع فصائل المقاومة.
وكشفت صحيفة معاريف مؤخرا أن الجيش الصهيوني يتوقع تزايد التوتر في الضفة الغربية، وخاصة في نابلس ومخيم بلاطة، كما سبق أن توقع فرع الاستخبارات العسكرية التابع للكيان الصهيوني "أمان" في تقرير للأمن وتوقعت وكالات الأنباء أن التوتر في الضفة الغربية سيشتد وفي نطاق الانتفاضة التي تنفذ خلالها فصائل المقاومة الفلسطينية عمليات استشهادية، ولعل الانفجار الأخير الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في تل أبيب دليل على ذلك. .
وتزعم سلطات تل أبيب أنه مع فتح جبهة الضفة الغربية، استغلت إيران وفصائل المقاومة هذه الفرصة لتسليح الفلسطينيين وجعل الأراضي المحتلة أكثر انعداما للأمن، ولهذا السبب، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس: "يجب التعامل مع التهديدات في الضفة الغربية بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع قطاع غزة، ويجب إخلاء الضفة الغربية مؤقتا، فهذه حرب على كل شيء".
بينما يحاول المتطرفون الصهاينة تمهيد الطريق لتطوير المستوطنات في الضفة الغربية والتهويد الكامل للقدس من خلال زيادة أعمال العنف في الضفة الغربية، لكن قادة المقاومة حذروا مرارا من أي مغامرة للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يعلم المتشددون في مجلس الوزراء أنه مع بداية الانتفاضة وفتح الجبهة الثانية في الأراضي المحتلة، في نفس الوقت الذي تستمر فيه الحرب في غزة والهجمات المتكررة لفصائل المقاومة في المنطقة فإن الوضع سيصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمحتلين، ومع بدء العمليات المسلحة للمقاتلين الفلسطينيين، فإن المستوطنين سوف يتعرضون للتهديد مقدما، ولقد أثبت الصهاينة أنهم لا يؤمنون بالحلول الدبلوماسية ولا يفهمون إلا لغة القوة، وفصائل المقاومة ستتعامل معهم بلغة هذا الوحش.
ومع تزايد عنف المستوطنين والوزراء المتطرفين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستزداد أيضاً عمليات فصائل المقاومة لمعاقبة العدو المحتل، وسيتم تطبيق سياسة "العين بالعين"، وهذه قضية مهمة بالنسبة للكيان الصهيوني، الذي هو اليوم في مستنقع من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولن تكون هناك نهاية سعيدة لهذا الكيان الغاصب.