الوقت – في الساعات الأولى من ليلة الأحد الماضية، هزّ انفجار هائل شارع "هالخي" في حي "هاتيكفا" شرق تل أبيب، متصدراً عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية والإقليمية، وقد أسفر الحادث عن سقوط قتيل خمسيني، وإصابة سائق دراجة نارية كان يمر بالقرب من موقع الانفجار.
منذ اللحظات الأولى لتداول الخبر، رجحت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فرضية العملية الاستشهادية، وهو ما تأكد رسمياً صباح الاثنين، وفي بيان لاحق، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أن منفذ العملية أجنبي الجنسية، قدم من منطقة نابلس في شمال الضفة الغربية إلى قلب تل أبيب.
وفي بيان يلقي الضوء على تفاصيل العملية، أوضح جهاز الشاباك أن الانفجار لم يكن ناجماً عن تفجير الشاحنة، كما ساد الاعتقاد في البداية، بل قام منفذ العملية بتفجير عبوة ناسفة كانت مخبأةً في حقيبته الشخصية على الرصيف المجاور للشاحنة، ما أدى إلى قذفه تحتها نتيجة القوة التفجيرية الهائلة.
بيان مشترك لكتائب القسام وسرايا القدس: تحول استراتيجي في مسار المقاومة
في لحظة تاريخية فاصلة تُعيد صياغة قواعد الاشتباك، وبينما كانت وسائل الإعلام الصهيونية تتداول بحذر التقديرات شبه المؤكدة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حول الطبيعة الاستشهادية لانفجار تل أبيب، فاجأت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، المراقبين ببيان مشترك تعلنان فيه مسؤوليتهما عن هذه العملية النوعية.
حيث أكد البيان المشترك للفصائل الفلسطينية المقاومة، أن العمليات الاستشهادية في عمق الأراضي المحتلة ستتحول إلى نهج ثابت ومحوري في استراتيجية المقاومة، ما دامت آلة القتل الصهيونية تواصل مجازرها في قطاع غزة، وما دامت سياسة الاغتيالات الجبانة مستمرةً.
رفع حالة التأهب القصوى
وعقب هذا الإعلان الصاعق الذي زلزل أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، سارعت الشرطة وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، إلى رفع حالة التأهب القصوى في كل أرجاء منطقة تل أبيب الكبرى.
وأكدت هذه الأجهزة، في بيان عاجل، أن الانفجار في تل أبيب كان عمليةً هجوميةً معقدةً، استُخدمت فيها عبوة ناسفة فائقة القوة، ما دفعها إلى توجيه نداء عاجل للمستوطنين بتوخي أقصى درجات اليقظة والحذر، والإبلاغ الفوري عن أي عنصر مشبوه.
تحوّل ميدان المواجهة: منعطف استراتيجي في مسار المقاومة
لقد کشف بيان فصائل المقاومة عن حقبة جديدة في مسيرة الصراع مع الكيان الصهيوني، مُدشناً مرحلةً غير مسبوقة من المواجهة.
إن تنفيذ عمليات فدائية في قلب الأراضي المحتلة، يمثّل تحدياً وجودياً يثير الرعب في أوصال الكيان الإسرائيلي، وهذا التحول الجذري في ساحة المواجهة، هو نتاج طبيعي لتجاوزات الکيان، وخرقه لقواعد الاشتباك المتعارف عليها.
حينما أقدم الكيان الصهيوني على توسيع رقعة الصراع خارج حدود المواجهة العسكرية التقليدية - متجاهلاً في غطرسته حرمة الأبرياء - فقد منح بذلك المقاومة الشرعية الكاملة لنقل المعركة إلى عقر داره، وهذا التطور الاستراتيجي في أساليب المقاومة، سيفضي حتماً إلى تحولات جوهرية في مسار الصراع:
توسيع نطاق المواجهة ليشمل فلسطين التاريخية بأكملها
مع هذا التحول النوعي في استراتيجية المقاومة، امتدت ساحة المواجهة من حدود قطاع غزة، لتشمل أرجاء فلسطين التاريخية كافةً.
قد يتبادر إلى الأذهان أن استهداف المقاومة للكيان الصهيوني عبر الصواريخ ليس بالأمر المستجد، بيد أن جوهر التحول يكمن في طبيعة العمليات ومسرحها، فبينما كانت الهجمات الصاروخية تستهدف مواقع عسكرية محددة عبر المسار الجوي، فإن العمليات الجديدة تجري في قلب الأراضي المحتلة وبأيدي مقاومين متسللين.
وفي ظل هذا النهج المبتكر، لم يعد بمقدور الكيان الإسرائيلي الاتكاء على منظومته الدفاعية التقليدية، وللتصدي لهذا التحدي الاستراتيجي الجديد، سيجد نفسه مضطراً لحشد قوات هائلة وشن حملات تمشيط واسعة النطاق، في محاولة يائسة لإحباط ولو جزء يسير من هذه العمليات النوعية، ما سيستنزف موارده ويقوض أمنه الداخلي بشكل غير مسبوق.
صعوبة مواجهة النهج الجديد للمقاومة: معضلة استراتيجية تُربك الكيان الصهيوني
في ضوء ما سبق، يتجلى بوضوح أن النهج المبتكر الذي تبنته المقاومة، سيضع المنظومة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية برمتها في مأزق استراتيجي غير مسبوق.
حيث سيجد الكيان نفسه أمام ضرورة حتمية للانخراط في مواجهة هذا التحدي الجديد، متكبداً في سبيل ذلك تكاليف باهظة على الصعيدين المادي والمعنوي، ما سيُنهك موارده ويستنزف قدراته.
غير أن الأمر الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة للكيان الصهيوني، هو أن جميع الإجراءات المضادة التي قد يلجأ إليها لمجابهة هذا النهج الثوري للمقاومة، ستظل قاصرةً عن تحقيق الفعالية المنشودة، بل إن من المؤكد أن نسبةً كبيرةً من العمليات النوعية للمقاومة، ستحقق أهدافها الاستراتيجية، ما سيشكل ضربةً قاصمةً لمنظومة الأمن الصهيونية.
الرعب والهلع المجتمعي: انعكاسات استراتيجية للنهج الثوري الجديد للمقاومة
إن الثمرة الحتمية والنتيجة الملموسة للإنجازين الأولين في النهج الثوري الجديد للمقاومة، المتمثل في تنفيذ عمليات استشهادية في عمق الأراضي المحتلة، هي حالة من الرعب المستشري والهلع المستفحل التي ستجتاح الكيان الصهيوني برمته.
لقد شهدنا في الآونة الأخيرة كيف أن مجرد تلويحٍ بالانتقام من قبل محور المقاومة، دون أن يتجسد على أرض الواقع بعد، قد أفضى إلى إخلاء شوارع الأراضي المحتلة من ساكنيها، حتى غدت في وصف وسائل الإعلام الصهيونية أشبه بمدينة أشباح موحشة تخلو من الحياة، فکيف سيکون الأمر إذا شرعت المقاومة في تنفيذ عمليات استشهادية فعلية تضرب في عمق الكيان الإسرائيلي؟
إن هذا النهج الاستراتيجي الجديد الذي تبنته المقاومة، والذي يرمي إلى تنفيذ عمليات استشهادية نوعية داخل الأراضي المحتلة حتى تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، وإجبار الکيان على وقف سياسة الاغتيال الممنهجة، ما هو إلا تجسيد حي وفعال لاستراتيجية "وحدة الساحات".
وهذا التحرك النوعي، مقروناً بوعود الانتقام الحازمة التي أطلقها أعضاء محور المقاومة الآخرون ضد الكيان الإسرائيلي، يبرز بجلاء تام تماسك وتكامل محور المقاومة، وهو أمر بدأ يثير الرعدة في أوصال الصهاينة منذ اللحظة.