الوقت – شهدت منطقة باراتشينار الواقعة شمال غرب باكستان والقريبة من الحدود مع أفغانستان، خلال الأيام الماضية، مرة أخرى موجة من أعمال العنف ضد الطائفة الشيعية وأتباع أهل البيت.
وحسب مصادر محلية، فإن هذه الهجمات، التي نفذتها الجماعات الإرهابية "حركة طالبان باكستان" و"عسكر جنجوي"، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الأشخاص، بمن فيهم معلمون وسكان محليون.
ويقال إن خمسة أيام من الصراع المسلح في شمال غرب باكستان خلفت 35 قتيلا وأكثر من 160 جريحا، وتقول الجماعات الشيعية الباكستانية إن العناصر التكفيرية بالتواطؤ مع الإرهابيين تستهدف السكان الشيعة في هذه المنطقة بحجة الخلافات على الأراضي والحقول.
ويلخص بهرام زاهدي، الخبير في قضايا شبه القارة الهندية، أهداف المهاجمين في سببين: المعتقدات المعادية للشيعة، والاهتمام بالتوسع في الأراضي والاستيلاء على المزيد من الأراضي، وهو الهدف الرئيسي.
وذكر هذا الخبير شبه القاري أن عدد الطائفة الشيعية في باكستان يبلغ حوالي 50 مليون نسمة، أي ما يقرب من خمس سكان البلاد، وأضاف: مدينة باراتشينار هي مركز منطقة كرم في مقاطعة خيبر بختونخوا، وأهلها من الشيعة الناطقين باللغة البشتونية، حول هذه المدينة هناك قبائل من نفس اللغة والعرق وهم من السنة، ولسوء الحظ، منذ عام 1981، اندلعت صراعات خطيرة بين مجموعتين دينيتين في هذه المنطقة، ودخلت الجماعات العنيفة والمناهضة للشيعة مثل جيش الصحابة و لشكر جهنكوي إلى الميدان وجعلت الصراع أكثر عنفًا.
وحسب زاهدي، فإنه في السنوات الأخيرة مع ظهور مجموعة تسمى حركة طالبان باكستان المعروفة باسم TTP، من المحتمل أن تكون هذه المجموعة متورطة في أحداث المنطقة واستشهاد شيعة باراتشينار، لكن لا يوجد ما يشير رسميًا إلى وجود هذه الجماعة في صراعات المنطقة.
وذكر هذا الخبير أيضًا: أن الصراع في هذه المنطقة هو في الغالب على شكل صراعات عشائرية في المنطقة، ويتعرض أهل المنطقة الشيعية للهجوم والأذى من قبل العشائر المجاورة، و خلال أربعة عشر عقداً من الزمن، تكبد طرفا الصراع الكثير من الخسائر، ويعلمان أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تحسين أوضاع السكان الشيعة والسنة في المنطقة.
وكانت هناك صراعات دامية بين الجماعات الدينية والطائفية في هذه المنطقة منذ الماضي وفقد العديد من الشيعة حياتهم بهذه الطريقة، ووقعت أكبر وأطول حرب في باراتشينار عام 2007، حيث قامت الجماعات التكفيرية بمحاصرة هذه المنطقة.
وحسب الإحصائيات، ففي الفترة من يناير 2012 إلى يناير 2013، استشهد 635 شيعيا وأصيب مئات آخرون نتيجة 77 هجوما إرهابيا فقط، هذه الهجمات وأعمال العنف سببها الحركة التكفيرية وأن سكان هذه المنطقة شيعة، وقد أدى انعدام الأمن إلى هجرة العديد من الأشخاص في هذه المنطقة إلى بلدان أخرى للعمل وإنفاق جزء من دخلهم لشراء الأسلحة والدفاع عن أسرهم ومجتمعهم.
انتقاد لامبالاة الحكومة الباكستانية
وأدى عدم كفاءة الترتيبات الأمنية وتكرار الهجمات الإرهابية على الشيعة إلى ارتفاع أصوات الاحتجاج من جانب الشعب وحتى السياسيين الباكستانيين ضد أداء الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية.
وفي هذا الصدد، طالب النائب العلامة ناصر عباس جعفري، رئيس حزب الوحدة الإسلامية، الجيش والحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات جادة لحماية الشيعة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
وحذر من أنه إذا فشلت الحكومة في هذا الصدد، فإن الناس من جميع أنحاء باكستان سوف يأتون إلى هذه المنطقة لدعم شعب باراتشينار المضطهد.
من ناحية أخرى، نظم المتظاهرون مسيرات في مدن مختلفة من باكستان، بما في ذلك إسلام آباد ولاهور وكراتشي، وطالبوا الحكومة بالاهتمام الجاد بمشاكل ومعاناة شيعة باراشينار، ويتهم المتظاهرون الحكومة بإهمال وعدم تحمل المسؤولية عن أمن وحقوق المواطنين الباكستانيين من أتباع الديانة الشيعية.
وفي هذا الصدد أجاب بهرام زاهدي على سؤال ما إذا كانت المؤسسات الأمنية والشرطة الباكستانية غير قادرة على التعامل مع الجماعات الإرهابية والتكفيرية أم إن هناك أسبابا أخرى لعدم التعامل معها؟ وأوضح: يجب أن أقول إن الأمرين معا، وهي مهمة صعبة للغاية وربما لا يوجد دافع جدي للتعامل مع أي من هذه المجموعات.
وحسب زاهدي، أولاً تدخلت الحكومة الباكستانية في الأمر بعد بضعة أيام من التأخير، وثانيًا، كان لقوة الميليشيات التابعة للجيش للأسف حضور سيئ خلال أيام الصراع وكانت القدم الأساسية للهجوم على الشيعة من الطائفة نفسها.
وبالإشارة إلى دور المدارس الدينية في تعزيز وجهات النظر المتطرفة في باكستان، تحدث هذا الخبير عن عدم قدرة الحكومة على تنفيذ القوانين لمراقبة أنشطة هذه المراكز.
وهذا هو قصور الحكومة والمؤسسات الأمنية في باكستان، وربما ارتباط دورها الفاسد بالحركة التكفيرية، في حين أن هذا البلد يحتج مرارا وتكرارا على سلوك الهندوس المتطرفين مثل حركة هندوتفا القومية المتطرفة في مضايقة وقتل المسلمين.
وقد قامت هذه الجماعات الهندية بتدمير المساجد وفرضت قيودًا شديدة على المسلمين، وحتى الآن، تم تدمير أكثر من 3000 مسجد تاريخي في الهند أو تحويلها إلى معابد هندوسية على يد هذه الجماعات.
ويمثل هذا الوضع تحدياً إقليمياً للأقليات الدينية التي تتعرض لضغوط شديدة وعنف منهجي في كل من الهند وباكستان، ولكن من المؤسف، واستناداً إلى الأدلة، أن حكومتي باكستان والهند قامتا في بعض الأحيان بتأجيج أعمال العنف هذه بلا مبالاة وانتهكتا حقوق الأقليات الدينية.
إن الوضع الحرج الذي يعيشه الشيعة في باراتشينار بباكستان والمسلمين في الهند يتطلب اهتماماً وعملاً فوريين من جانب المجتمع الدولي، وقد أدى الصمت الإعلامي والتغطية غير الكافية لهذه الأزمات إلى مضاعفة اضطهاد الأقليات الدينية وتقليص إمكانية معالجة حقوق الإنسان الخاصة بهم.