الوقت- أعلنت الأمم المتحدة، خلال الأيام القليلة الماضية، أنها لن تمدد ولاية رئيسة البعثة الأممية الحالية في العراق "جينين بلاسخارت"، وسيحل بدلا منها "محمد الحسن"، وهو دبلوماسي من أصول عمانية، بحيث إنه في نهاية عام 2025، عندما تنتهي مهمة بلاسخارت، سيكون "الحسن" مسؤولا عن إدارتها.
وكان "محمد الحسن" مندوباً دائماً لسلطنة عمان لدى الأمم المتحدة منذ عام 2019، وهو أول ممثل عربي لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في العراق منذ تأسيسها عام 2003.
وفي سجلات ممثل الأمم المتحدة المستقبلي في العراق، يذكر أنه عمل كسفير أيضًا في بعض الدول مثل بيلاروسيا ومولدوفا، وحصل على شهادات جامعية من روسيا وأمريكا.
واجبات العراق وتحدياته في مواجهة تمثيل الأمم المتحدة
تأسست بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في عام 2003 بناءً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف مساعدة العراق على تعزيز الحوار السياسي بين الجماعات السياسية العراقية ودعم حقوق الإنسان وإحلال السلام والأمن الداخلي في هذا البلد، ووفقاً لقرار مجلس الأمن لعام 2007، تم تسليط الضوء على دور بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في الآلية السياسية والاجتماعية للعراق، مثل إجراء الانتخابات والاستفتاءات، ومراجعة وتنفيذ الدستور، والتعداد السكاني، وما إلى ذلك.
وبشكل رئيسي، أثار وجود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق جدلاً بين النخب السياسية العراقية، فمن ناحية، تعتبر بعض الجماعات السياسية -وخاصة الجماعات السياسية الشيعية- وجودها انتهاكا لسيادة العراق الوطنية وتدخلا في شؤونه، وترى أن دخولها في صنع السياسات يعرض استقلال السيادة للخطر، ومن ناحية أخرى بعض الجماعات السياسية - وخاصة سنة وأكراد العراق يعتبرون وجودها ضروريا وعاملا للسيطرة على الصراع بين الجماعات السياسية.
وأخيراً طلبت حكومة "محمد شياع السوداني" من مجلس الأمن الدولي إنهاء وكالة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" نهاية عام 2025؛ لأنه حسب الحكومة العراقية فإن العوامل التي على أساسها تشكلت هذه الوكالة لم تعد موجودة في هذا البلد، واستجابة لطلب رئيس الوزراء العراقي، وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة، وينبغي تقييم هذا الإجراء باعتباره خطوة نحو استعادة جزء من استقلال العراق وسيادته الوطنية بعد عام 2003.
نظرة على أداء بلاسخارت
وفي السنوات الأخيرة، وخاصة بعد احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، تعرضت بلاسخارت، ممثلة الأمم المتحدة السابقة في العراق، لانتقادات وغضب من غالبية الأحزاب السياسية، وخاصة الفصيل الشيعي، بسبب أدائها، ويرى العديد من الأحزاب الشيعية أن بلاسخارت موجودة في العراق كمبعوثة للغرب وأمريكا بهدف انتهاك السيادة العراقية والضغط على السياسيين الشيعة - وخاصة السياسيين المقربين من محور المقاومة؛ علاوة على ذلك، وحسب تقارير إعلامية غربية، فإن بلاسخارت ويونامي متهمان بالفساد المالي في مجال تقديم المساعدات لإعادة إعمار المناطق السنية، إلى أن دخلت منظمة الشفافية والنظافة العراقية في هذه القضية.
كما تعرضت بلاسخارت لانتقادات من قبل الجزء المتطرف من متظاهري أكتوبر 2019، وحسبهم، فإنه لم يقدم الدعم اللازم للمحتجين، كما أن اللقاءات والمفاوضات مع الشخصيات السياسية والحزبية العراقية جعلته يتصرف كجزء من عملية إضفاء الشرعية على المستوى الدولي لهذه الأحزاب وللنظام السياسي العراقي الحالي، وكان الجزء المتطرف من المتظاهرين يتوقع دائمًا أن تتخذ بلاسخارت موقفًا قويًا ضد السياسيين العراقيين.
والتقت بلاسخارت "آية الله السيستاني" عدة مرات في النجف، ومن خلال فهم الصراعات السياسية في العراق، يمكن تحليل جهود بلاسخارت من هذه اللقاءات في سياق الحصول على موافقة المرجع على مواكبة سياسات الأمم المتحدة، وكان الغرض من هذا الإجراء هو خلق جبهة ضد بعض السياسيين العراقيين الذين لديهم علاقة مع أمريكا.
وكما ورد في البيانات الرسمية لهذه اللقاءات، فقد أصرت المرجعية الدينية على موقفها الانتقادي تجاه كل التيارات السياسية العراقية، ولذلك يبدو أن جهود بلاسخارت لم تكن ناجحة.
اختيار محمد الحسن خلفاً لبلاسخارت
ووفقاً للنقاط المذكورة، يمكن القول إن انتخاب "محمد الحسن" تم في وضع لم يتحقق فيه الإجماع الوطني في العراق بعد، وفي القطاع الشيعي، انسحب تيار الصدر من السياسة، وليس لديه أساس للمشاركة في الحكومة الحالية، ولم يتم تلقي مطالب محتجي أكتوبر، والتي كانت بالأساس مكافحة الفساد، حتى الآن، وفي القسم السني، الخلافات كبيرة لدرجة أنهم لم يتمكنوا بعد من التوصل إلى اتفاق بشأن انتخاب رئيس البرلمان ومحافظي كركوك وديالى، وفي الوسط الكردي، لا تزال الخلافات بين الحزبين، الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، قائمة حول العديد من القضايا.
وعلى الساحة الإقليمية والدولية، لا يزال العراق يواجه تحديي الحرب على غزة وتحركات فصائل المقاومة ومسألة طرد قوات الاحتلال الأمريكية، كل هذه القضايا توفر منصة لوساطة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في الساحتين المحلية والخارجية، والتي يمكن أن تستعيد الثقة المفقودة في هذه المؤسسة من خلال تعيين رئيس جديد.
فمن ناحية، تحظى عروبة "محمد الحسن" بمزيد من الاهتمام من جانب مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، ومن ناحية أخرى، تعد جنسية "الحسن"، في ظل الدور المحايد لعمان في العلاقات الإقليمية، إشارة إلى أن مواقفه خلال عام واحد يجب فيها ألا يتخذ باقي أعضاء الوفد الأممي في العراق الجانب الغربي.