الوقت- في خطوة ليست غريبة على كيان غاصب يقترف يومياً جرائماً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً صادقت ما تسمى اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع على مشروع قانون طرحه رئيس لجنة القانون والدستور في الكنيست سيمحا روتمان، ويهدف إلى فرض الاعتقال الإداري على الفلسطينيين فقط، ويمنع فرضه على المستوطنين المشتبه فيهم بارتكاب جرائم إرهابية ضد الفلسطينيين.
وكانت صحيفة "هآرتس" قد ذكرت مؤخراً أنه وفقا لمعطيات إدارة السجون، فإنه تم اعتقال 10 مستوطنين إداريا منذ بداية العدوان على غزة وحتى مطلع أيار/مايو الماضي، بينما يقبع 2733 فلسطينيا في الاعتقال الإداري في الفترة نفسها.
ما هو الاعتقال الإداري؟
الاعتقال الإداري هو اعتقال دون تهمة أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد.
يعتبر الاعتقال الإداري إجراء مرتبطاً بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو عقاب وأجراء سياسي يعبر عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين، والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي، فقد استمر الاحتلال في إصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، "نشطاء حقوق إنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، أمهات معتقلات، وتجار"، ومن الجدير بالذكر أنه قد أمضى أطول معتقل فلسطيني 8 سنوات دون توجيه تهمة له!
من جانب آخر يمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أي تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري بما يتلاءم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أي معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين.
واليوم يسعى مشروع قانون منع فرض الاعتقال الإداري على المستوطنين إلى منع ملاحقة المستوطنين المشتبه فيهم بارتكاب جرائم إرهابية ضد الفلسطينيين، وسط تصاعد جرائمهم في الضفة الغربية مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة لما يقرب من تسعة أشهر.
وحسب موقع "واللا" يأتي الهدف من مشروع القانون الجديد لوضع إجراء أكثر صرامة على إصدار أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين، وحسب الاقتراح، لن يكون من الممكن احتجاز شخص في الاعتقال الإداري، إلا إذا كان لدى وزير الحرب أسباب معقولة للاعتقاد بأنه "عضو في منظمة إرهابية هدفها الإضرار بوجود الدولة أو ارتكاب أعمال إرهابية ضد مواطنيها".
آلية المحاكمة في حالة الاعتقال الإداري
تتم محاكمة الفلسطينيين في محاكم عسكرية إسرائيلية لا تراعي أصول المحاكمة العادلة المنصوص عليها قانونياً ودولياً والتي تحفظ لهم حقهم في المساواة أمام القانون، والمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون، ونظراً لأن الاعتقال الإداري يتم دون محاكمة فعلية، فتكون مراجعة ملفات الاعتقال الإداري في محكمة رقابة قضائية من قبل قاض عسكري وليس لجنة.
وتقع جلسات مراجعة الاعتقال الإداري تحت مصنف الجلسات غير العلنية أي المغلقة والتي لا يسمح للجمهور أو لأفراد من العائلة حضورها، أي يمثل فقط المحام، والمعتقل، والقاضي، المدعي العسكري، وممثلو المخابرات في بعض الأحيان، ما يشكل حرماناً للمعتقل من حقه في الحصول على محاكمة علنية ما يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
الاعتقال الإداري تحول لعقاب جماعي وجزء من سلسلة إجراءات تعسفية غير قانونية تمارس ضد الشعب الفلسطيني كجزء من حملة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يمارسها الكيان الغاصب على الشعب الفلسطيني لإجباره على ترك أرضه تحت وطأة التعذيب والترهيب دون وجود أي قانون يحمي حقوقه.
الإفلات من العقاب
تشهد أرض فلسطين الكثير من حكايات الظلم التي يعيشها أبناء الأرض وتقترن دوامة المضايقات والاعتداءات وعمليات قتل الفلسطينيين على يد المستوطنين بتاريخ مظلم مليء بالصمت والتحريض من قبل المسؤولين الإسرائيليين وخير مثال على ذلك خربة زنوتا"، القرية الفلسطينية الصغيرة التي يسكنها نحو 150 شخصاً وتتربع على تلة مرتفعة في الضفة الغربية بالقرب من مدينة الخليل، والتي لطالما واجهت تهديدات المستوطنين الإسرائيليين الذين حاصروها بطريقة مُحكمة، إلّا أنّ المضايقات وعمليات التخريب العرضية تحوّلت في الأيام التي تلت الـ7 من أكتوبر إلى اعتداء بالضرب وتهديد بالقتل، وقد وجّه القرويون نداءات متتالية إلى الشرطة الإسرائيلية و"الجيش" الإسرائيلي الموجود دائماً في المكان، لكن معظم نداءاتهم من أجل الحصول على حماية ذهبت أدراج الرياح، وتواصلت الهجمات من دون حساب، ونتيجة لذلك، حزم القرويون ما استطاعوا من أمتعتهم ووضعوا عائلاتهم في شاحنات واختفوا، وبعد وقت قصير من مغادرة القرويين، لم يبق من خربة زنوتا سوى الأنقاض.
وتعتبر هذه التحركات الإرهابية التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون بحماية من قانون الغاب الصهيوني الذي يسهل لهم بكل جوانبه الإفلات من العقاب بمثابة جزء من خطة "التهجير الجماعي للمجتمعات الفلسطينية القديمة"، حيث يستغل المستوطنون الذين يعملون إلى جانب الجنود الحرب الحالية في غزة لتحقيق الهدف الأطول أمداً المتمثل في "تطهير" أجزاء من الضفة الغربية.
إنّ العنف والإفلات من العقاب الذين تظهرهما مثل هذه الحالات كانت موجودة قبل الـ7 من أكتوبر بفترة طويلة، ففي كل شهر تقريباً قبل تشرين الأول/ أكتوبر، كان معدل حوادث العنف أعلى مما كان عليه في نفس الشهر من العام السابق، وأفادت منظمة "يش دين"، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، نظرت في أكثر من 1600 حالة من حالات عنف المستوطنين في الضفة الغربية بين عامي 2005 و2023، بأنّ 3% فقط منها انتهت بالإدانة.