الوقت- في خضم أزمة انتشار الاحتجاجات الداخلية في أرمينيا بعد توقيع اتفاق السلام مع جمهورية أذربيجان وما تبعه من فتور في العلاقات مع موسكو، تشهد يريفان هذه الأيام ارتفاعاً في عدد الاحتجاجات من زيارات المسؤولين الغربيين الذين وعدوا بتقديم الدعم للبلاد.
وفي أحدث حادثة من هذا النوع، خلال الزيارة الأخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية إلى يريفان، أعلن البلدان أنهما يعتزمان الارتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية" وستقوم واشنطن بزيادة مستوى العلاقات التجارية والعسكرية والقضائية والديمقراطية.
استضاف وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، جيمس أوبراين، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوراسية، في يريفان يوم الثلاثاء، وأشار في بيان مشترك نشر بهذه المناسبة، إلى رغبة أرمينيا في تعاون أوثق مع دول أوروبا الأطلسية والغربية.
وقال البيان "أكدت الولايات المتحدة وأرمينيا مجددا التزامهما بالقيم الديمقراطية المشتركة وهدف أرمينيا بكونها ديمقراطية ومزدهرة وسلمية"، وقال أوبراين وميرزويان: إن العلاقات بين البلدين يجب أن يتم تطويرها في العام المقبل، وسيواصل الجانبان توسيع العلاقات التجارية والتجارية، إلى جانب زيادة التعاون بشأن العقوبات وضوابط التصدير.
وحسب البيان، ستقدم الولايات المتحدة "حلولاً تجارية في مجال الطاقة النووية والمتجددة" لتعزيز "الأمن الغذائي واستقلال الطاقة" في أرمينيا، كما وعدت واشنطن بمواصلة "التحول الدفاعي" في أرمينيا من خلال التعاون طويل الأمد مع الحرس الوطني في كانساس، مع الشرطة الأرمينية على زيادة المساءلة والاستقرار.
ووعدت الولايات المتحدة بمواصلة دعم "جهود أرمينيا الرامية إلى تعزيز حياد ونزاهة واستقلال القضاء" وكذلك المؤسسات التي تركز على منع ومحاربة الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، كما تعهدت الولايات المتحدة بتوفير المزيد من التمويل لـ مجتمع مدني قوي وبيئة إعلامية مستقلة في أرمينيا".
من ناحية أخرى، رحبت يريفان بالدعم وقالت ميسوريان: إن الشراكة المعززة بين يريفان وواشنطن لديها القدرة على المساعدة في إقامة سلام دائم ومستقر في جنوب القوقاز.
وبدأت أرمينيا التعاون الأمني مع الولايات المتحدة العام الماضي، ومن خلال إجراء مناورة عسكرية في سبتمبر الماضي للمرة الأولى، أرست الأساس لتحالف استراتيجي.
سكب الزيت على التوتر بين أرمينيا وروسيا
تطور علاقات أرمينيا مع الولايات المتحدة والغرب، حيث كانت هذه الدولة في المعسكر الروسي لمدة ثلاثة عقود وفي إطار تنظيمات بقيادة موسكو، ولكن بعد حرب ناغورنو كاراباخ التي أدت إلى نقل هذه المنطقة إلى جمهورية أذربيجان، نأت سلطات يريفان بنفسها عن روسيا
في العام الماضي، ألقت أرمينيا اللوم على روسيا لعدم منع جمهورية أذربيجان من استعادة منطقة ناجورنو كاراباخ، ومن خلال انسحابها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، سلكت عملياً طريق الاختلاف مع شقيقها الأكبر، كما قدمت الحكومة الأرمينية عرضًا لفرنسا للحصول على التكنولوجيا العسكرية وتم إبرام اتفاقيات لشراء أسلحة من هذا البلد، يسعى قادة يريفان إلى تنويع السياسة الخارجية وزيادة التعاون مع الدول الغربية.
السلطات الأرمينية غير راضية عن هذه التصرفات من روسيا، ومؤخراً زار وفد من مسؤولي يريفان مدينة بوتشا في أوكرانيا وأعلنوا دعم أرمينيا لأوكرانيا ضد الهجوم الروسي، وهو الإجراء الذي أثار رد فعل حاداً من قبل الروس، وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ردا على هذا الإجراء "موسكو تعتبر زيارة المسؤولين الأرمن إلى أوكرانيا عملا غير ودي من قبل حكومة هذا البلد".
وحسب تجربة حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، يزعم قادة أرمينيا أنهم لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الدعم الروسي في أوقات الأزمات، ولهذا السبب، يحاولون توقيع عقود مع الشركاء الغربيين في هذا المجال وتحسين قدراتهم الدفاعية، وبالإضافة إلى شراء الأسلحة، تم إعطاء الأولوية هذه المرة لنشر القوات الأجنبية في أرمينيا.
وفي هذا الصدد، قال آلان سيمونيان، رئيس الجمعية الوطنية لأرمينيا، مؤخراً: إن "يرفان لا تناقش مع أي دولة إنشاء قاعدة عسكرية أو الانضمام إلى قطب عسكري"، وجاءت هذه التصريحات رداً على كلام نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، الذي قال إن تصرفات أرمينيا غير المدروسة قد تجعل من المستحيل العودة إلى التعاون المشترك مع روسيا والدول الأخرى الأعضاء في معاهدة الأمن الجماعي لإنشاء نظام دفاع مشترك.
ولا تريد روسيا حتى أن تعمل أرمينيا على موازنة سياستها الخارجية تجاه الغرب، ولا تتسامح موسكو بأي شكل من الأشكال مع وجود الغربيين في القوقاز، وبالتالي قد تلجأ إلى إجراءات عقابية ضد يريفان من أجل تعطيل التحالف بين أرمينيا وأمريكا.
الجهود الأمريكية المناهضة لروسيا في القوقاز
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت منطقة القوقاز وآسيا الوسطى الاستراتيجية جزءًا من الاستراتيجية الكلية الأمريكية لتوسع الناتو، لكن أعضاء الناتو رفضوا دخول هذه المنطقة بسبب الحساسيات الروسية، فقاموا بهدوء بالتسلل إلى هذه المناطق.
وعلى المنوال نفسه، سافر جيمس أوبراين في الشهر الماضي إلى جورجيا لمنع حكومة تبليسي من إقرار قانون "العملاء الأجانب"، ولكن تهديداته بفرض عقوبات وحجب التمويل لدعم الديمقراطية باءت بالفشل في نهاية المطاف.
ومن خلال تحسين علاقاتها مع أرمينيا، تريد الولايات المتحدة أن تلعب دورًا في جميع الحالات التي تتخذ فيها روسيا إجراءات عقابية ضد أرمينيا وتزويد أرمينيا بالأدوات اللازمة لمعالجة هذه المشاكل.
أمريكا التي رفعت مستوى التوتر مع روسيا في أوكرانيا وتوسعت مخاطر الصراع بين الناتو وموسكو أكثر من أي وقت مضى، تحاول استغلال هذه الفرصة لإشراك الروس في جبهات أخرى، ويعتقد رجال الدولة الأمريكيون أنهم إذا زادوا من تحركاتهم ونفوذهم في القوقاز، فإن روسيا ستضطر إلى إنفاق جزء من قوتها العسكرية في هذه المنطقة من أجل القضاء على تهديدات الناتو، كما أن تقليل تركيز روسيا على أراضي أوكرانيا سيسمح لحلف شمال الأطلسي بجمع المكاسب وبينما يحاول الغربيون فتح جبهة جديدة، فقد وصلوا إلى طريق مسدود في أوكرانيا نفسها، وسوف يكون تآكل الحرب أكثر تكلفة بالنسبة للغرب مما سيكون عليه على حساب روسيا.
ونظراً لحقيقة مفادها بأن روسيا، خلافاً لأفكار الغرب، أحرزت تقدماً في شرق أوكرانيا في الأشهر الأخيرة، فقد ضاعفت هذه المشكلة من مخاوف أعضاء حلف شمال الأطلسي، لأن انتصار روسيا في أوكرانيا يشكل تهديدا كبيرا لحلف شمال الأطلسي، الذي لم يتمكن من هزيمة روسيا رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات، وهذه القضية تدفع حلفاء الولايات المتحدة الآخرين إلى إعادة النظر في سياساتهم الأمنية مع هذا البلد، ولذلك فإن تحويل انتباه روسيا من أوكرانيا إلى القوقاز هو أحد البرامج الأساسية لواشنطن وشركائها.
وتستغل أمريكا التوترات القائمة بين أرمينيا وجورجيا مع روسيا لإبعادهما عن الفلك الروسي، ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يمثل تحديًا بسبب العلاقات الاقتصادية والثقافية القوية القائمة بين هذه الدول وروسيا.
جميع دول جنوب القوقاز، بحكم الجغرافيا والسياسة في ذلك الوقت، كانت بالكامل في دائرة نفوذ موسكو، وتحاول الولايات المتحدة وأوروبا تدمير نظام الأمن الجماعي الروسي في محيطهما، وتشجع الولايات المتحدة أرمينيا على إغلاق قاعدة غيومري الروسية في أراضيها، وهو ما يعني انسحاب روسيا العسكري الكامل من القوقاز، ويشكل فرصة جيدة للغرب لملء هذا الفراغ واستبدال روسيا.
ومن خلال وجودها في أرمينيا ونشر بعض مستشاريها العسكريين في هذا البلد، تريد أمريكا مراقبة تحركات روسيا عن كثب والتخطيط للتعامل مع تهديدات منافستها الشرقية.
وبشكل عام يمكن القول إن أي تحول لأرمينيا نحو الغرب، وخاصة توقيع العقود العسكرية ونشر القوات الأجنبية في هذا البلد، سيقابل برد فعل حاد من قبل الروس، وبهجومها على جورجيا وأوكرانيا لمنع تقدم حلف شمال الأطلسي، أظهرت روسيا أنها لا تتنازل مع أي أحد فيما يتصل بالحفاظ على مصالحها الأمنية، وأنها سوف ترد على أي تحركات غربية في الجمهوريات السوفييتية السابقة بالتحرك الأكثر حسماً، وإن تجربة الماضي هي درس عظيم للقادة الأرمن لكيلا يقعوا في الفخ الذي نصبه لهم الغربيون.