الوقت- بعد أشهر من الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا، أعلنت وكالة الأنباء السعودية "واس" يوم الأحد الماضي في تقرير لها، عن تعيين سفير الرياض الجديد في هذا البلد، حيث سيبدأ الدكتور فيصل بن سعود المجفل مهمته الدبلوماسية قريباً ويغادر إلى دمشق.
يأتي هذا التعيين في ظل الأجواء الجديدة التي نشأت في العلاقات السعودية السورية، بعد لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود مع الرئيس السوري بشار الأسد خلال قمة الدول العربية في البحرين في شهر أيار/مايو الماضي(2024)، والذي استطاع أن ينهي سنوات من العداء وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وجاء في بيان وزارة الخارجية السعودية آنذاك، أن استئناف البعثة الدبلوماسية في دمشق "يأتي انطلاقاً من الروابط الأخوية، والرغبة في المشاركة في تطوير العمل العربي المشترك وزيادة الأمن والاستقرار في المنطقة، ما سيوحّد شعبي المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية".
كما قيل، فإن السعوديين اختاروا اللواء المجفل لإدارة البعثة الدبلوماسية في دمشق، وهو ما يثير تساؤلات وشكوكاً بسبب السجل العسكري لهذا السياسي.
يعدّ المجفل شخصيةً عسكريةً بارزةً في الجيش السعودي، وينتمي فعلياً إلى الجناح العسكري الداعم للسياسات الهجومية لابن سلمان في الفترة المتوترة عام 2015.
ولذلك، فإن هذا الاختيار يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية للسعودية في سوريا، والرسالة التي تريد السعودية إرسالها من وراء هذا الاختيار، فهل تخطط المملكة للعب دور أكثر نشاطاً في القضية السورية، أم إنها تسعى لإرسال رسالة تحذير لجميع الأطراف المعنية؟
تحسين العلاقات بعد تأخير
قررت السعودية إرسال سفير إلى سوريا، بينما كان من الممكن أن تفعل هذا الإجراء قبل أشهر، وفي الوقت نفسه الذي أعلنت فيه خفض تصعيد التوتر بين البلدين، بعد عودة سوريا إلی مقعدها في الجامعة العربية في مايو 2023.
في هذه الأثناء، أعادت حكومة دمشق فتح سفارتها في الرياض في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي (2023)، وعينت نائب وزير خارجيتها أيمن سوسان سفيراً في هذا البلد، ولذلك، فإن فهم هذا التأخير يمكن أن يكون مفتاحاً لفهم أهداف الرياض من اختيار سفير جديد.
في المقام الأول، كان استئناف العلاقات مع سوريا نتيجةً لفشل سياسة الدعم الكامل للمعارضة والإرهابيين، والتي استمرت عقدًا من الزمن في الإطاحة بالحكومة السورية، وهو ما دفع مشيخات الخليج الفارسي إلى قبول الواقع.
لكن أحد التأثيرات المحتملة والفعلية للتطورات في سوريا، كان التغير في نظام هندسة القوة في المنطقة، والذي أدى، إلى جانب عملية التطورات المهمة الأخرى في اليمن وفلسطين ولبنان وأفغانستان، إلى تغير ملحوظ في تفوق محور المقاومة في موازين القوى الإقليمية.
وهذه البنية الجديدة، حتى على الرغم من استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، لم تكن أمراً يمكن للسعوديين قبوله بسهولة، وبالتالي فإن أحد أهداف التحول في الخطاب العام للدول العربية مع دمشق، هو منع سوريا من استيعابها في محور المقاومة بشكل أكبر، كدولة عربية مهمة ذات سجل تاريخي وموقع جيوسياسي رئيسي.
لقد سعت السعودية إلى استخدام التهدئة مع سوريا كفرصة لفرض شروطها على دمشق، وبالتالي على الرغم من الإعلان الرسمي عن استئناف العلاقات، لم يعد السعوديون فتح سفارتهم ولم يكونوا على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة لتلبية الاحتياجات المالية لسوريا (التوقع الرئيسي لدمشق من تحسين العلاقات مع الدول العربية).
وتحديداً قبل اجتماع رؤساء الدول العربية في البحرين، وجهت لجنة الوزراء العرب المعنيين بالشأن السوري رسالةً إلى الأسد لتوقيع الاتفاق العربي، لكن حسب تصريحات سميح الميطة وزير الإعلام الأردني السابق رفض الأسد التوقيع على هذه الوثيقة.
وأظهر تمسك الحكومة السورية بالمواقف المبدئية المتمثلة في الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع محور المقاومة، ومن ناحية أخرى، القفزة في التطورات الإقليمية بعد طوفان الأقصى وعزل موقف محور التسوية، أظهر للسعوديون بأنهم لن يتمكنوا من استخدام الضغط الدبلوماسي لتحقيق أهدافهم في سوريا، وحتى المزيد من التأخير في إعادة فتح السفارة لن يؤدي إلا إلى تقليل ثقل وأهمية هذا الإجراء من جانب الرياض في التطورات الإقليمية والعربية.
تعيين جنرال عسكري سفيراً!
فيصل المجفل شخصية عسكرية بارزة برتبة لواء في الجيش السعودي، لكنه لا يتمتع بخبرة كبيرة في المجال الدبلوماسي، وأهم جزء من سيرته الذاتية كان كدبلوماسي مسؤول بالسفارة السعودية في الكاميرون.
في هذه الأثناء، وإظهاراً لحسن النية، بدلاً من شخصية عسكرية وأمنية، كان بإمكان السعوديين اختيار دبلوماسي ذي خبرة مثل عبد الله بن عبد العزيز العيفان لهذه المهمة الخطيرة، والذي كان آخر سفير سعودي في دمشق، وحسب مصادر محلية كانت الحكومة السورية قد اقترحته سفيراً للرياض، وهذا يؤكد اهتمام الرياض بشكل خاص بالخبرات العسكرية والأمنية للسفير الجديد للقيام بالمهام المنوطة به في سوريا.
وبعد إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية، أرسلت الرياض وفداً سياسياً برئاسة عبد الله الحاريس وعدد من الدبلوماسيين هم قاضي رفيع العنازي وجابر العبدلي ومبارك المالكي إلى دمشق، لاتخاذ الخطوات النهائية لبدء العلاقات الدبلوماسية وفتح مكتب قنصلي في أحد فنادق العاصمة دمشق.
وطُلب من الفنيين السعوديين إجراء فحص دقيق للمباني المخصصة للبعثات الدبلوماسية، ولذلك بعد الانتهاء من عمليات الفحص، رفضوا العودة إلى مبنى السفارة السابق في منطقة المزة وطالبوا باستبداله.
إن اختيار سفير بخلفية عسكرية، ومن ثم رفض العودة إلى مبنى القنصلية السعودية في منطقة المزة والرغبة في استبدالها، هو علامة واضحة على استمرار عدم الثقة وتشويه إشارات الرغبة في علاقات سلمية.
ومن المؤكد أن هذه الخطوة لها رسائل وتداعيات عميقة، وخاصةً أنها تظهر أن عدم الثقة بين الرياض ودمشق لا يزال قائماً، وأن الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية لها الأسبقية على المعايير الدبلوماسية التقليدية.
ولا ينبغي أن ننسى أن أجزاءً من سوريا في الشمال والشمال الغربي لا تزال محتلةً من قبل الإرهابيين، وكذلك العسکريين الأمريكيين والأوروبيين، وملف نشاط "داعش" لم يُغلق تماماً، ويعتقد الكثيرون أن البيت الأبيض يتابع خططاً لإحياء هذه المجموعة الإرهابية.